محجوب محمد صالح: ما عاد الطعن في ظل الفيل مجدياً ! ..

في الأسبوع الماضي، أجهضت السلطات الأمنية السودانية محاولة تهريب مبلغ ضخم من العملات الأجنبية عبر مطار الخرطوم، وقد تجاوزت الكمية المضبوطة …

محجوب محمد صالح(ارشيف) Image width

بقلم: محجوب محمد صالح

في الأسبوع الماضي، أجهضت السلطات الأمنية السودانية محاولة تهريب مبلغ ضخم من العملات الأجنبية عبر مطار الخرطوم، وقد تجاوزت الكمية المضبوطة مليون دولار، جاءت في تشكيلة من الدولار واليورو والريال السعودي، وُضعت في حقيبة أُدخلت إلى الطائرة دون أن تمرّ عبر قنوات التفتيش الرسمية في المطار؛ مما يوحي بضلوع بعض العاملين في المطار أو في شركات الطيران في هذه العملية.

ولم تكن هذه هي أول عملية تهريب تُجهض، ولن تكون الأخيرة، ما دامت أزمة السودان الاقتصادية قائمة دون علاج، وما دام التدني في قيمة الجنيه السوداني مستمراً، والفجوة بين سعر السوق الرسمي والسوق الموازي في ارتفاع مستمر..
هذا يعني أن التجارة في العملات الأجنبية ستظل في تزايد مستمر، والفجوة ستظل تتسع وتوفّر أرباحاً خيالية للمضاربين في هذا السوق، مما يخلق البيئة المواتية للتهريب والمهربين.

وبدلاً من أن تتفاخر الأجهزة المعنية بإجهاض واحدة من هذه العملياترغم أهميتها – ينبغي عليها أن تطرح السؤال الأكثر إلحاحاً؛ ألا وهو:
لماذا رغم نجاحات الأجهزة المختصة في الكشف عن عمليات تهريب عملات أجنبية وسبائك ذهب، ورغم تهديد هذه الأجهزة بالعقوبات المشددة للمهربين ومصادرة الأموال والذهب.. لماذا تستمر هذه العمليات رغم المصادرات والخسائر ودخول السجون لفترات طويلة؟

الإجابة المنطقية عن هذا السؤال هي أن أرباح هذه التجارة بلغت حداً جعل المهربين يستهينون بهذه العقوبات، بل ربما كانوا قد انتقلوا الآن إلى مرحلة «الجريمة المنظمة»، بمعنى أنهم قد باتوا في وضع يؤهلهم لتوفير «الحماية» لأفرادهم، وتوفير «التعويض» المالي عن الخسائر التي يتكبدونها..
بل ولا بدّ أن يكونوا الآن يفكرون في بدائل مثل أن ينقلوا مركز نشاطهم إلى خارج السودان، بحيث لا يحتاجون إلى «تهريب» العملات نفسها، ويكتفون بتحريكها عبر حسابات خارجية.

ما دامت الأزمة الاقتصادية السودانية قائمة، فإن الإجراءات الأمنية وحدها لن تُجدي فتيلاً، وسيظل مستوى «الأرباح» من هذه التجارة مغرياً للقائمين بأمرها، على ابتداع وسائل جديدة، واستهانة بالمخاطر وإحكام عمليات التمويه، ولن يضيرهم أن يخسروا عملية واحدة مثلاً بعد عشر عمليات ناجحة.

لقد انكشف عجز الحكومة السودانية عن معالجة جذور الأزمة الاقتصادية، بل عجزها عن معالجة تداعياتها، مثل أزمة السيولة التي أحدثت إحباطاً غير مسبوق للمواطنين، وهم يستقبلون عيد الأضحى خالي الوفاض، بعد أن فشلت المصارف في أن تصرف لهم من أموالهم المودعة لدى تلك المصارف التي لم تتوافر لها السيولة المطلوبة، وهذا عجز كان ينبغي أن يؤدي عملياً إلى إعلان إفلاس تلك البنوك.

لقد وقفت الحكومة مكتوفة الأيدي تماماً أمام مشكلة السيولة، كما وقفت مكتوفة الأيدي أمام الغلاء المنفلت؛ ولذلك لا نتوقع منها أن تبتدع حلاً عاجلاً يوقف تدهور العملة السودانية، أو يسترد – على المدى القريب – قيمتها التي كانت سائدة نهاية العام الماضي، وهذا يعني أن الفجوة بين السعر الرسمي للعملات الأجنبية وأسعارها في السوق الموازي ستظل في اتساع، وبالتالي فإن المعركة بين أجهزة الأمن وأجهزة التهريب ستظل معركة غير متكافئة، ما دام العائد المالي بهذا الحجم الذي يُغري بتحدي العقبات ومواصلة النشاط التهريبي وتطويره، ويبقى الحل الوحيد المتاح هو التصدي لجذور الأزمة الاقتصادية، ذات الأبعاد السياسية، الداعية إلى التغيير الشامل والعاجل..

وما عاد الطعن في ظل الفيل مجدياً !!