( نساء ملهمات ) : الكنداكة صفاء توتو : قصة الصمود والكفاح

كانت زيارتها الأولى للمنطقة منذ فرارها واسرتها من ويلات الحرب في العام ٢٠١١ ، عادت الى الديار بكادوقلي- جبال النوبة .. مشاهد الدمار كانت طاغية وفي مخيلتها يمر شريط الذكريات قبل عشر سنوات، كانت الجثث ملقاة هنا وهناك، شاهدوها في طريق الهروب الى غير وجهة محددة.. قعقعة البنادق والكلاشات لا زال صداها يصم اذنيها .. خوف حد الرعب وهي تهرول وسط اسرتها الأب والأم واخوتها التسعة، قالت : ” كانت اسرتي مستهدفة .. بلغنا أن قوات في الطريق الى منزلنا وعلينا الهروب بسرعة .. خرجنا من البيت كما نحن وتركنا كل شيء خلفنا وبالفعل وصلت سيارات التاتشر بأسلحة كلاشات فور خروجنا .. رأينا الجثث على الأرض وكان الضرب عشوائي في كل مكان .. ركضنا حتى معسكر شعير وكان أحد اخوتي مفقود وتوجهنا من المعسكر على الفور إلى الخرطوم ” .

صفاء كوكو

 

كانت زيارتها الأولى للمنطقة  منذ فرارها واسرتها من ويلات الحرب في العام ٢٠١١ ، عادت الى الديار بكادوقلي- جبال النوبة .. مشاهد الدمار كانت طاغية وفي مخيلتها يمر شريط الذكريات قبل عشر سنوات، كانت الجثث ملقاة هنا وهناك، شاهدوها في طريق الهروب الى غير وجهة محددة.. قعقعة البنادق والكلاشات لا زال صداها يصم اذنيها .. خوف حد الرعب وهي تهرول وسط اسرتها الأب والأم واخوتها التسعة، قالت : " كانت اسرتي مستهدفة .. بلغنا أن قوات في الطريق الى منزلنا وعلينا الهروب بسرعة .. خرجنا من البيت كما نحن وتركنا كل شيء خلفنا وبالفعل وصلت سيارات التاتشر بأسلحة كلاشات فور خروجنا .. رأينا الجثث على الأرض وكان الضرب عشوائي في كل مكان .. ركضنا حتى معسكر شعير وكان أحد اخوتي مفقود وتوجهنا من المعسكر على الفور إلى الخرطوم " .

إنها الناشطة الكنداكة صفاء توتو، ملكة جمال جبال النوبة لعام ٢٠١٧ . ولدت بمنطقة كرمة – الولاية الشمالية عام ١٩٩٣، بدأت تعليمها الأساسي بكرمة حتى المستوى الثالث لتكمل مرحلة الأساس وتلتحق بالمرحلة الثانوية بكادوقلي . كانت تستعد لامتحان الشهادة السودانية عندما اشتعلت الحرب بمنطقة جبال النوبة في العام ٢٠١١ ، نالت بكالاريوس الصحة العامة من جامعة الأحفاد ٢٠١٩. 

كفاح من أجل البقاء

صفاء توتو قصة تجسد معاني الصمود والكفاح والنجاح تحكيها فصول حياتها التي بدأتها صراعا من أجل الحياة منذ خطوات الفرار من الموت قتلا من كادوقلي الى الخرطوم حيث استقر المقام بالأسرة بمنطقة جبرونا. وفي الخرطوم كان الصراع من أجل البقاء لأسرة لم تحمل شيئا من الموطن المنكوب سوى النجاة بأرواحهم، وتذكر صفاء : " كانت حياة صعبة، غادر أبي الى جوبا وساءت حالته الصحية وسافر الى مصر .. أخي في جوبا كان يساعدنا وخرجنا الى العمل جميعا .. عمل إخوتي في غسيل العربات والورنيش وكنت اعمل أنا بالكافتريات والمصانع .. كنت أدرس وأعمل في ذات الوقت .. رغم قسوة الظروف حرصت على ان لا اتوقف ابدا عن دراستي.. ".
في العمل العام  

ظروف ولحظات الحرب التي عايشتها ولدت رغبة بداخلها بالمسئولية تجاه اسرتها ومجتمع تحس وتعلم معاناته . ومن هنا جاءت مشاركتها في العمل العام عبر الروابط والجمعيات التي تهدف لدعم أهالي جبال النوبة بدء من الخرطوم ، فكانت عضو نشط في اتحاد طلاب جبال النوبة، رابطة اعلامي جبال النوبة، عضو منظمة كداد المكونة من مجموعة اطباء، الى أن رشحت ونالت لقب ملكة جمال جبال النوبة في المهرجان الثقافي لجبال النوبة ٢٠١٧ . لقب أضاف إليها المزيد من الأعباء، فعليها المشاركة في كل المناسبات العامة لأبناء النوبة على اختلاف القبائل وتكوين المبادرات الخاصة بخدمة مجتمعاتهم فكانت (مبادرة الصحة للجميع) التي انطلقت بالتوعية الصحية في المناطق الطرفية بالخرطوم، (مبادرة دعونا نعيش تنوعنا) من أجل التعايش السلمي للمجتمعات المتنوعة للنوبة، شهدت أنشطة لبناء السلام بمشاركة جامعة الأحفاد وجمعية (الحوار المستدام لبناء السلام). 

الكنداكة صفاء

قامت الثورة في ديسمبر ٢٠١٨ جزء من شاباتها الفاعلات فكانت احدى كنداكات لجان المقاومة وتنظيم المواكب. وهناك في ساحة الاعتصام امام القيادة العامة بعد السادس من ابريل ٢٠١٩ كانت حاضرة في خيمة جبال النوبة مشاركة انشطة وحلقات التنوير بقضايا منطقة جبال النوبة ومعاناة انسانها. ليتحول نشاطها ما بعد السقوط الى التوعية بالسلام .
في حضرة السلام ودعم جبال النوبة

 بعد عودتها الى الخرطوم من زيارتها الأولى تحسها اكثر شوقا للديار .. يشدها الحنين من صوتها وتعابير وجهها قالت : " ذهبت الى الجبال .. كان الناس مرحبين شديد وهذا ما افتقده منذ الرحيل بعد الحرب … التقيت أبى للمرة الأولى منذ سنوات .. افتقدنا لمة الاسرة حتى الآن لم نجتمع كأسرة  منذ الحرب تفرقت اراضينا .. الوضع افضل في المناطق المحررة، الأمن والخدمات وكل شيء .. افضل العودة لمنطقتنا ولكن لا نستطيع ما لم يكن هناك سلام حقيقي " .  

وعن السلام تتحدث صفاء توتو، فبرأيها ان عملية السلام الجارية الآن لا تمثلها فهي لم تناقش الاسباب الحقيقية للأزمة، وترفض تماما وجود المكون العسكري في عملية التفاوض باعتبارهم جزءا من النظام السابق و مشاركين في الحرب، قالت : " ما يحدث الآن تفاوض لسلام نخب فلابد من مشاركة الجميع واعتبارهم جزء من التفاوض بعيدا عن العسكر ووفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية .. لابد من حلول جذرية لأزمة الهوية والموارد وكيف يحكم السودان والقبول بعلمانية الدولة ودمج القوات النظامية في جيش موحد " . 
 عادت صفاء توتو من رحلة الى الجبال وفي ذهنها الكثير لإنسان المنطقة " كانت رحلة استكشافية .. اخطط لأكون قريبة من المجتمع .. هناك الكثير من النواقص تحتاج لدعم، خاصة في الجانب التعليمي والصحي للنساء بشكل خاص" .