حين تتكلم النساء بالإيقاع… (الراب) مساحة للبوح والنجاة
الرابرز والمغنية رنا
أمستردام: السبت 20 ديسمبر 2025: راديو دبنقا
في عالمٍ موسيقي ظل لسنوات طويلة محاطًا بالتصورات الجاهزة والقيود الاجتماعية، اختارت
رابرات سودانيات أن يعبرن عن أنفسهن، بحثًا عن مساحة آمنة، بالنسبة لهن، لم يكن الراب مجرد إيقاع سريع ، بل وسيلة للمواجهة وتحويل الخوف والأسئلة المؤجلة إلى كلمات وإيقاعات ولحكي تجارب شخصية وجماعية عن الجسد، والهوية، والحرية، والحرب، والعيش اليومي في بلد تتبدل ملامحه تحت وطأة العنف و تتقلص فيه مساحات التعبير يوماً بعد يوم.
اقتحام نسائي لمساحة مغلقة
تجربة الراب النسائي في السودان لا تزال محدودة العدد، لكن كل صوت يظهر في هذا المجال يحمل معه تحديات مضاعفة، من نظرة المجتمع، إلى صعوبة إيجاد أماكن آمنة للتسجيل، وصولاً إلى الانتقادات والمضايقات. ومع ذلك، تصرّ فتيات على اقتحام هذه المساحة، داخل السودان وخارجه، واضعات الراب في قلب نقاش أوسع حول حق النساء في التعبير، واختيار أدواتهن الفنية دون وصاية
تقول الرابرز والمغنية رنا في إفادتها لبرنامج “دبنقا راب” ، إن علاقتها بالموسيقى بدأت في سن مبكرة ، إذ نشأت في بيت محب للموسيقى، وكتبت أول أغنية راب وهي في العاشرة من عمرها كتعبير عن الذات. وأضافت أنها توقفت لفترة طويلة، قبل أن تعود إلى الراب مع اندلاع ثورة ديسمبر، بدافع التعبير عما كان يحدث في السودان. وأوضحت أنها عادت اليوم إلى الراب كمغنية ومؤدية تعبّر عن نفسها بالطاقة ذاتها، لكن بوعي وتجربة مختلفين.
واعتبرت رنا أن الراب من أقوى الوسائل لإيصال الصوت، خاصة بالنسبة للنساء، مشيرة إلى أن دخول النساء هذا المجال يُنظر إليه غالباً كفعل تمرد، بينما يكمن التحدي الحقيقي في غياب المساحات الآمنة للتسجيل والتعبير دون مضايقات أو استغلال. وأضافت أن كثيراً من الرابرات السودانيات اضطررن للظهور والعمل من خارج السودان بسبب ضيق المساحة في الداخل، داعية الفتيات إلى تعلّم التسجيل الذاتي، ووضع أنفسهن في مقدمة أولوياتهن في كل خطوة.
القضايا أكبر من الفن
من جانبها، قالت الرابر مرام عبد العزيز، ان تجربتها مع مجموعة «جوطة» استمرت نحو ثلاث سنوات، قبل أن يتفرق أعضاؤها بحثاً عن فرص للتطور والعيش الكريم. وأوضحت أن التحديات التي واجهت الرابرز في السودان سابقاً كانت أكبر بكثير، خاصة في ما يتعلق بالإنتاج والدعم وغياب المنصات، مقارنة بما هو متاح اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت مرام أن الراب السوداني مليء بالقضايا التي تستحق أن تقال، مشيرة إلى أن الفنان إذا لم يتحدث عن معاناة الناس، مثل حصار الفاشر أو آثار الحرب، فمن يفعل؟ واعتبرت أن تجربة الراب النسائي لا تختلف جوهرياً عن تجربة الرجال، مؤكدة أنها لم تشعر يوماً بأنها مختلفة عن زملائها، لا من قبل الجمهور ولا من داخل المشهد نفسه، مشيرة إلى أن جمهور الراب غالباً ما يتمتع بوعي مختلف واهتمام أعمق بالقضايا العامة.
وتعليقا على تلك التجارب، رأى بعض المستمعين أن الراب النسائي في السودان لا يزال يواجه تحديات حقيقية، أبرزها غياب المساحات الآمنة للتعبير. وأشار أحد المستمعين إلى أن معظم النساء السودانيات اللواتي يقدمن الراب برزن وانتشرن من خارج البلاد، وهو ما يعكس، بحسب رأيه، صعوبة ممارسة هذا الفن داخل السودان، وافتقار الرابرات لبيئة آمنة تمكّنهن من التعبير عن أنفسهن وعن فنّهن بحرية.
من جانبه، قال أحمد أبو عاقلة إن دخول النساء مجال الراب يمثل إضافة مثيرة وجديدة على المجتمع السوداني، معتبراً أن الراب النسائي يحمل طاقة مختلفة، وأن الأصوات النسائية غالباً ما تُحدث صدى واسعاً، وتلفت الانتباه بقوة، ما يجعل التجربة ثرية ومؤثرة.
من الهامش إلى الثورة
بدأ ظهور الراب في السودان ، متأثراً بثقافة الهيب هوب العالمية، لكنه ظل لسنوات محصوراً. ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، خرج الراب من الهامش ليصبح أداة تعبير واسعة الانتشار، خاصة وسط الشباب، بلغة قريبة من واقعهم اليومي ومفردات الشارع.
وخلال ثورة ديسمبر، لعب الراب دوراً بارزاً في التعبير عن الغضب الشعبي وتوثيق لحظة الاحتجاج، ونقل صوت الشارع بلغة مباشرة وسريعة الانتشار.أ ومن أبرز فناني الراب في ثورة ديسمبر الذين ارتبطت أعمالهم بالمزاج الثوري،أيمن ماو لقب بـ”فنان الثورة” .

ضمن استطلاع أجراه برنامج “دبنقا راب” مع عدد من المستمعين، عبر بعضهم عن أن الراب السوداني بات لغة العصر ولغة الشارع، لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن قضايا الشباب بأسلوب مفهوم وقريب من واقعهم.وقال أحد المستمعين إن تأثير الراب في الشارع السوداني يظل متفاوتاً، مشيراً إلى أنه لا يُعد من المتابعين المنتظمين لهذا اللون الموسيقي، ولا يحرص على البحث عن الأعمال الجديدة، إلا إذا صادفها عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك» أو «فيسبوك» أو «واتساب». وأضاف أنه يستمع إلى بعض الأغاني عند انتشارها على هذه المنصات، دون أن يكون من الجمهور الدائم للراب.
وأوضح أن هناك فناني راب ناجحين يتمتعون بقاعدة جماهيرية واسعة، سواء كانوا سودانيين أو مصريين أو أجانب، وأن بعضهم يعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة. ورأى أن الراب يخدم قضايا عديدة، من بينها قضايا حساسة تتصل بواقع الشباب، معتبراً أن هذا اللون الموسيقي موجّه بالأساس إلى فئة الشباب، وأن تأثيره يبدو أوضح داخل هذه الشريحة العمرية مقارنة بغيرها.
وأشار إلى أن فناني الراب يمتلكون قدرة حقيقية على التأثير في جمهورهم، لما يطرحونه من موضوعات قريبة من اهتمامات الشباب وهمومهم اليومية، حتى وإن لم يكن هو شخصياً من المتابعين المنتظمين لهذا النوع من الموسيقى.
وقالت ميساء محمد إن كثيراً من فناني الراب يستخدمون هذا اللون الموسيقي لإيصال رسائل محددة، مشيرة إلى أن الكلمات والأداء غالباً ما يحملان مضموناً واضحاً وهادفاً، أما إيناس كمال، فرأت أن الراب أصبح من أكثر الأنماط الموسيقية انتشاراً بين فئة الشباب، لكونه يخاطب قضايا المجتمع والسلام بلغة مباشرة، ولأن الإيقاع وطريقة الإلقاء يسهمان في إيصال الرسالة بصورة أكثر قرباً وسلاسة.
فيما ذكرت شهد محمد، بإن الراب أصبح من أكثر أنواع الموسيقى انتشاراً في الشارع السوداني خلال الفترة الأخيرة، لكونه قريباً من واقع الشباب، ويعبر عن قضايا حقيقية يعيشونها يومياً. واعتبرت أن الراب يُنظر إليه بوصفه وسيلة للتعبير السلمي، يحكي من خلالها الشباب عن معاناتهم، وتجارب الغربة، والأحلام المؤجلة، والظلم، وتفاصيل الحياة اليومية في الشارع.
وأضافت أن الراب السوداني يتميّز بلغته وأسلوبه ولهجته المحلية، وبارتباطه بالثقافة السودانية، وهو ما ساعد في وصوله السريع إلى الجمهور، وجعل كثيرين يشعرون بأنه يعبّر عنهم بصورة مباشرة. وأشارت إلى أن عدداً كبيراً من الفنانين وجدوا في الراب وسيلة للتعبير عن أصواتهم وقضاياهم المختلفة.


and then