حقوقيون: تقرير تقصي الحقائق حول السودان يضع الاتحاد الأفريقي أمام مسؤولية أخلاقية
اجتماعات اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب - بانجول- وسائل التواصل
امستردام: السبت 25/ أكتوبر/2025م راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
قدمت البعثة الافتراضية لتقصي الحقائق التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان بالتعاون مع إدارة الشؤون السياسية والسلم والأمن بمفوضية الاتحاد الأفريقي، تقريرها غير المسبوق والذي نُشر، الأربعاء، على موقعها الرسمي ضمن جدول أعمال الدورة الخامسة والثمانين للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، المنعقدة في العاصمة الغامبية بانجول، قدمت حزمة من التوصيات العاجلة إلى أطراف النزاع والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.
وأكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان ماجد معالي، إن تقرير البعثة الافتراضية المشتركة لتقصي الحقائق يُعد من أهم الوثائق القانونية والسياسية الصادرة عن المفوضية الأفريقية منذ اندلاع الحرب في السودان.
وقال معالي وهو مسؤول قسم السودان ببرنامج المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا و القرن الإفريقي في حديث لـ”راديو دبنقا” إنّ البعثة أنشأتها مفوضية الاتحاد الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بموجب قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي لعام 2024، استجابةً لتدهور الوضع الإنساني في السودان عقب اندلاع النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023.
وعزا تنفيذ البعثة لإجراء تحقيقاتها بشكل افتراضي بسبب القيود الأمنية وما سماه بالمعيقات اللوجستية، وبينما شملت إجراءاتها، مقابلات مباشرة وغير مباشرة مع الضحايا والشهود ومنظمات المجتمع المدني ومراقبين دوليين.
وقال معالي أن البعثة أجرت تحقيقها خلال الفترة الممتدة من يونيو 2024 حتى مارس 2025، مستندة إلى أدلة مكتوبة وشفوية ورقمية، وغطى التحقيق الأحداث التي وقعت في ولايات الخرطوم، دارفور، جنوب كردفان، الجزيرة، النيل الأزرق، وسنار.
تحميل مسؤولية الانتهاكات للطرفين
وأكد المدافع عن حقوق الإنسان ماجد معالي أن نتائج التحقيق أظهرت بوضوح أن كلًا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى جانب “الميليشيات المتحالفة” معهما، تتحمل المسؤولية القانونية عن الانتهاكات الموثقة في التقرير، وطالبت بمساءلتها وفقًا لذلك.
وأوضح أن التقرير ركّز على النتائج الواقعية والقانونية التي استندت إلى عشرة محاور موضوعية تغطي الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وغيرها من الصكوك الإفريقية ذات الصلة.
وقال معالي إن التقرير يمثل مصدرًا موثوقًا لتوثيق الانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين، خصوصًا النساء والأطفال، في مختلف أنحاء السودان.
وأشار إلى أن أهمية التقرير لا تكمن فقط في كونه سجلًا للوقائع، بل لأنه أيضًا وثيقة قانونية وأداة سياسية في آنٍ واحد، موضحًا أن البعثة جمعت شهادات مفصلة من الضحايا والشهود وقدّمت أدلة دامغة على جرائم القتل خارج نطاق القانون، والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والتمييز العرقي، مؤكدًا أن هذه الأدلة تمثل أساسًا قانونيًا يمكن البناء عليه في الملاحقات الدولية، وعلى رأسها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
البناء عليه في المحاكم الدولية
ولفت معالي مسؤول قسم السودان ببرنامج المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا و القرن الإفريقي في حديثه لـ”راديو دبنقا”، إلى أن التقرير سلّط الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني، بما في ذلك انهيار النظام الصحي والحصار المفروض على المساعدات الإنسانية، ودعا إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي لتقديم الدعم الإغاثي وفتح ممرات إنسانية آمنة تضمن وصول المساعدات إلى المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع.
وأضاف أن التقرير لا يمثل مجرد سرد للوقائع، بل يعد أيضًا وثيقة قانونية أداة سياسية في آن واحد، مؤكداً على أن أهمية التقرير تنبع من أنه يمثل توثيقاً رسمياً لانتهاكات حقوق الإنسان حيث جمع شهادات من الضحايا والشهود. وقدم أدلة دامغة على جرائم القتل خارج نطاق القضاء، العنف الجنسي، التهجيرالقسري، التمييز العرقي.
وعبر معالي، محامي حقوق الإنسان عن اعتقاده بأن هذه الأدلة تشكل أساساً قانونياً يمكن البناء عليه في المحاكم الدولية وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، كما رأى أن التقرير يسلط الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني من انهيار النظام الصحي إلى الحصار المفروض على المساعدات الإنسانية مما يستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لتقديم الدعم الإغاثي وفتح ممرات آمنة.
آداة ضغط دبلوماسي لحظر الأسلحة
ومضى المدافع الحقوقي ماجد معالي إلى قول إلى أن التقرير يعد آداة ضغط دبلوماسي على الأطراف المتحاربة حيث يدعو إلى فرض حظر على توريد الأسلحة وتجميد أصول المسؤولين عن الانتهاكات ويطالب بتحقيق دولي مستقل ومحائد، مشدداً على أن التقرير يمنح صوتا للضحايا ويعيد الاعتبار للمدنيين الذين تم تهميشهم في خضم الصراع ويؤكد أن العدالة لا يمكن أن تتحقق من دون الاستماع إلى من عانوا.
وأشار معالي إلى أن البعثة بعد نشر تقريرها تأمل في تجديد تفويضها بهدف مواصلة التحقيقات من خلال الوصول إلى الضحايا والشهود داخل السودان وفي الدول المجاورة، خصوصًا تشاد وأوغندا، منوهاً إلى إلى أن التقرير ليس نهاية المطاف، بل يمثل بداية الطريق نحو العدالة الحقيقية والانصاف.
وختم ماجد معالي حديثه قائلًا إن المجتمع المدني السوداني لديه مسؤولية كبير في إبقاء هذا التقرير حيًا، والعمل على ترجمة توصياته إلى أفعال ملموسة تُنقذ الأرواح وتعيد الكرامة لمن فقدوها.
قضايا العدالة منذ دارفور
من جانبه قال المدير التنفيذي للمرصد السوداني لحقوق الإنسان مجدي النعيم إن تقرير اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب حول الأوضاع في السودان يُعد من أهم الوثائق الحقوقية الأفريقية التي تناولت قضايا العدالة ومعاناة المدنيين في السودان منذ اندلاع حرب دارفور قبل أكثر من عشرين عاماً.
وأضاف النعيم، في مقابلة مع “راديو دبنقا”، أن التقرير يمثل خلاصة تحقيقات أجرتها البعثة الافتراضية المشتركة لتقصي الحقائق بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، وهي البعثة التي كوّنتها اللجنة الأفريقية العام الماضي.
وأوضح أن التقرير “أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النزاع في السودان لم يعد مجرد مواجهة عسكرية بين طرفين، بل تحوّل إلى أزمة إنسانية عميقة تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي وتقويض مؤسسات الدولة المدنية.”
وأعاد النعيم التذكير بأن المرصد السوداني لحقوق الإنسان كان قد حذر منذ يناير 2024، مع بداية الجرائم الواسعة في ولاية الجزيرة، من أن الحرب تحوّلت إلى حرب ضد المدنيين.
10 أنماط من الانتهاكات
وأشار مجدي النعيم المدافع عن حقوق الإنسان إلى أن التقرير وثّق عشرة أنماط من الانتهاكات بداية من انتهاك الحق في الحياة وانتهى إلى ثمانية توصيات رئيسية وجهت إلى الأطراف المتحاربة، وسبع توصيات وجهت إلى الاتحاد الأفريقي.
وأوضح أن أهم التوصيات التي وجهت إلى الأطراف السودانية هي الوقف الفوري للأعمال العدائية، وإنهاء القتال في الفاشر، ومنع الهجمات ضد المدنيين، ووقف العنف الجنسي وضمان حرية تنقل المواطنين من المناطق المتأثرة، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وتجديد الالتزام بالواجبات المنصوص عليها في إعلان جدة.
أما التوصيات التي قدمت إلى الاتحاد الأفريقي، بحسب النعيم، فقد شملت نشر بعثة أفريقية لحفظ السلام في السودان وفقاً للقانون التأسيسي للاتحاد، وأن تنظم الدول الأعضاء قافلة إنسانية منسقة على مستوى القارة تتوجه إلى السودان، لاسيما المناطق المهددة بالحصار والمجاعة.
ونبه إلى أن التقرير شدد على إنشاء آلية أفريقية مستقلة للمساءلة تقوم بالتحقيق والملاحقات القضائية للانتهاكات الجسيمة التي حدثت في السودان، مع ضمان تكاملها مع آليات العدالة الجنائية الدولية، ونادى بالمساهمة في صندوق متعدد المانحين لتعويض الضحايا والناجين من الانتهاكات في السودان.
تذكير بمبدأ “اللامبالاة”
وقال مدير المرصد السوداني لحقوق الإنسان مجدي النعيم: أن التقرير يشكّل تذكيراً بمبدأ ما وصفه بـ “تجنّب اللامبالاة” الذي تبناه الاتحاد الأفريقي في ميثاقه كبديل لمبدأ السيادة المطلقة، بما يعني أن الاتحاد يمكنه التدخل لحماية المدنيين في حالات وقوع الانتهاكات الجسيمة.
وتابع قائلا: “إن هذا المبدأ القانوني الذي أصبح من مبادئ الاتحاد الأفريقي يعني ببساطة أنه لايجوز أن يقف الاتحاد صامتاً أمام الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب أو الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية في أي دولة من دوله الأعضاء”.
وأشار إلى أن هذا التحول في فلسفة الاتحاد الأفريقي يميّزه عن ما مضى في تجربة منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً فيما يتعلق بحماية المدنيين أوالموقف من السيادة في كل دولة، والتي كانت تميل إلى حماية الأنظمة الحاكمة حتى لوتعارضت مع مصالح شعوبها.
ورأى النعيم أن التقرير لا يضع الأطراف المتحاربة فقط أمام اختبار القانون، وهو بهذا المعنى يضع أيضاً الاتحاد الأفريقي نفسه أمام مسؤولية أخلاقية بعدم التطبيع مع الأوضاع الكارثية الحالية أو تهميش حقوق المواطنين في جهوده لوقف الحرب.
تجاهل التوصيات، اتهام للاتحاد الإفريقي
وأوضح مجدي النعيم، الباحث في قضايا الحقوق والحريات في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن التقرير يمنح الاتحاد الأفريقي “ فرصة أومبرراً قانونياً وأخلاقياً لتبني مواقف أكثر وضوحاً تجاه أطراف الحرب في السودان، ويعيد تحويل تركيز الاتحاد الإفريقي من إدارة الصراع إلى معالجة جذوره المرتبطة بالعدالة والمساءلة. معتبراً أن التقرير يمثل دفعة قوية لجهود العدالة الانتقالية والمساءلة لتكون جزءاً من أي مساعٍ لإنهاء الحرب بشكل يحترم كرامة المواطنين والمعايير القانونية الدولية والأفريقية.
وعبر عن اعتقاده في أنه حال تُرجمت توصيات التقرير إلى إجراءات عملية، مثلاً إنشاء آلية تحقيق أفريقية مستقلة أو دعم برامج العدالة الانتقالية، فقد يشكل ذلك ربما نقطة انطلاق أو تحول حقيقية في الأزمة نحو مسار أفريقي يهتدي إلى القانون وبالمساءلة.
بيد أنه حذرفي ذات الوقت من أن تجاهل هذه التوصيات المضمنة في التقرير سيكرّس الانطباع بأن الاتحاد الأفريقي نفسه أصبح جزءاً من الأزمة وليس وسيطاً لحلها، مما سيقوض مكانته لدى السودانيين والأفارقة عامة.
ورغم ذلك، رأى النعيم من زاية أخرى أن “الجانب الإيجابي يتمثل في أن الاتحاد الأفريقي أصبح في السنوات الأخيرة أكثر حساسية تجاه قضايا المساءلة، خاصة بعد أزمات دارفور وبوركينا فاسو ومالي، وبدأ يستخدم تقاريره كأساس لفرض العقوبات أو تجميد العضوية أو إحالة القضايا إلى مجلس الأمن، مشدداً على أن الاعتبار الأخير مهم لكون الاتحاد الأفريقي وقع في العام 2006 بروتوكولاً مشتركاً مع الأمم المتحدة يتيح رفع تقارير مثل هذا النوع إلى مجلس الأمن عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي، مما يجعلها أداة رسمية لنقل هذه الانتهاكات من المستوى الإقليمي إلى المستوى الدولي.
دور المجتمع المدني
وعبر النعيم عن أسفه لكون الجيش والدعم السريع كلاهما يستندان إلى إرث طويل وهو ميراث نظام الإنقاذ الذي وصفه”بالناجح للأسف” في بعض الأحيان التلاعب بالقانون الدولي والمعايير الأفريقية.
كما عبر عن اعتقاده بإن الاتحاد الأفريقي، رغم محاولاته للتخلص من ميراث منظمة الوحدة الأفريقية التي كانت تعطي الأولوية لمصالح النظم الحاكمة على شعوبها، لكنه لا يزال يتحرك بشكل مرتبك تجاه السودان وتتجاذبه إرادات أفريقية ودولية، فتأتي قراراته أحياناً تابعة لقوى لقرارات قوى كبرى أكثر من منها معبرة عن شرعية أن يدير الأفارقة بأنفسهم الأزمات في إفريقيا، أو أحياناً تأتي القرارات ممالئة لبعض القوى الإقليمية أو الدولية.
وعبر النعيم عن أمله في أن يكون هذا التقرير نقطة ختامية لنقاش سوداني واسع بشأن فاعلية هذه التقارير وحدودها، لكنه في الوقت ذاته ربما يكون تذكير آخر مهم للمجتمع المدني السوداني بضرورة إعادة تنظيم صفوفه وبلورة أفكار واضحة للخروج من الوضع الحالي بناءً على تشاور حقيقي مع المواطن صاحب الشأن، بما يقلّل من فرص فرض حلول جاهزة تفرضها القوى الإقليمية والدولية.


and then