مع قطع الإنترنت والاتصالات.. هكذا ينسق ناشطو السودان تحركاتهم ويوثقون الاعتداءات بحقهم

دون سابق ترتيب، وجد ناشطو السودان أنفسهم في مواجهة شرسة مع السلطة العسكرية التي قررت -على نحو مباغت صبيحة الاثنين الماضي 25 أكتوبر- قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت، ضمن إجراءاتها ضد شركائها المدنيين بالسلطة الانتقالية، وقبل فرض حالة الطوارئ وتعليق بعض بنود الوثيقة الدستورية.

الخرطوم-  مزدلفة  عثمان 

دون سابق ترتيب، وجد ناشطو السودان أنفسهم في مواجهة شرسة مع السلطة العسكرية التي قررت -على نحو مباغت صبيحة الاثنين الماضي 25 أكتوبر- قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت، ضمن إجراءاتها ضد شركائها المدنيين بالسلطة الانتقالية، وقبل فرض حالة الطوارئ وتعليق بعض بنود الوثيقة الدستورية.

ولاقت مجموعات كبيرة من الناشطين ولجان المقاومة نفسها أمام تحدّ كبير لإعادة التنسيق المشترك، على غرار ما كان يحدث إبان الاحتجاجات في ديسمبر 2018، وامتدت لنحو 5 أشهر إلى أن أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر البشير في 11 أبريل2019.

ثم بعد أقل من شهرين خاض الناشطون تجربة أخرى إثر فض قوات نظامية اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019، قُطعت على إثر ذلك خدمة الإنترنت في البلاد دون أن يمنع ذلك توثيق عشرات الانتهاكات التي استدعت فتح أكثر من تحقيق لم تظهر نتائجه حتى الآن.

آليات جديدة

والآن، وبعد نحو عامين، تعود الأجواء ذاتها للخرطوم وعدد من مدن السودان، كما يقول محمد علي أحد الناشطين في لجان المقاومة، مع فارق أن القبضة الأمنية الحالية أخف وطأة مما كانت عليه خلال احتجاجات 2018، إلا أن تشديدها متوقع مع اقتراب موعد مواكب (مظاهرات) غد السبت لرفض إجراءات الجيش، وفق قول الناشط.

ويتحدث عليّ للجزيرة نت عن "ابتداع المقاومين لانقلاب البرهان آليات جديدة للتواصل والتنسيق لتجاوز قطع الإنترنت والاتصال". لكنه فضّل عدم الخوض في تفاصيلها حفاظا على أمن العشرات من زملائه، ولقطع الطريق أمام احتمال إجهاض الخطط التي قال إن التنسيق فيها وصل مراحل متقدمة دون التأثر بتغييب وسائل التواصل.

بل يذهب علي إلى التأكيد على أن قطع الإنترنت كان محفزا لخدمة الخطط بدرجة عالية. ويقارن بين ما يتم حاليا بين لجان المقاومة والمستوى ذاته من التنسيق في ديسمبر 2018، حيث كان أكثر يسرا، لكن دون أن يأبه الكثيرون بضرورة التأمين الذاتي؛ وذلك بتحديد شخصيات تتولى المهمة حال اعتقال المسؤول الأول عن التنسيق، وهو نظام داخلي متفق عليه بين أعضاء التشكيل الضيق للجان، ويتم بين مجموعة محدودة في تطبيقات وسائل التواصل.

تواصل شخصي

وبينما يتجدد قطع الإنترنت والاتصالات اليوم، تقول الناشطة رؤى خليل إن تجربتَي "فض الاعتصام" و"احتجاجات ديسمبر 2018″، منحتا الشباب إحساسا ثوريا عاليا، فكان أن بدأت عملية التتريس (إغلاق الشوارع) والتجمع للاحتجاج على إجراءات الجيش صبيحة الاثنين الماضي دون سابق تنسيق، وقبل معرفتهم بقطع الاتصالات، وبدافع الوعي الذي يميز الآلاف ممن ناضلوا لأجل التغيير في السودان.

وبعدها، كما تقول خليل، فطن الجميع لقطع الاتصالات، وبدأ التواصل على نحو شخصي، لتوثيق الأحداث الساخنة الذي لم يعد مرهونا بتوفر الإنترنت.

وتذكر الناشطة أن "العديد ممن تعرفهم نجحوا في استخدام تقنيات مشفّرة، في بث مقاطع مخزية لما تفعله القوات النظامية ضد المحتجين السلميين من ضرب بالهروات والعصي وفوهات البنادق"، علاوة على الاستهداف بالرصاص الحي الذي خلّف ما لا يقل عن 5 قتلى ونحو 140 جريحا، وهي حصيلة اليوم الأول للإجراءات العسكرية.

لكنها تشير إلى أن مناطق عديدة في الخرطوم شهدت خلال اليومين الماضيين اعتداءات عنيفة لقوات الدعم السريع والجيش على متظاهرين، وأن تفاصيلها ستكون أمام أعين العالم حال عودة الإنترنت.

دعوات خلال التجمعات

وبحسب الناشط أيمن علي، فإن من يتولون عمليات تصوير الوقائع في الميدان سواء في المواكب السلمية أو لرصد انتهاكات أو غيرها، ليسوا ذاتهم من يبثونها في العالم الافتراضي أو عبر القنوات.

ويشير علي إلى ابتداع لجان المقاومة حلقات لتصل فيها الحقائق إلى الناس كما هي، وهي ذات الأجسام التي تعمل على تنسيق المظاهرات والمتاريس، دون إغفال وسائل تحذير محددة لإبلاغ البقية عند تعرض مجموعة لحملة دهم أو لهجوم عسكري.

ويتفق الناشطون الثلاثة على أن تنسيقا عاليا يجري على الأرض، حيث تم الاتفاق على موعد انطلاق المواكب في العاصمة والعديد من الولايات بزمن محدد وبشعارات متفق عليها، ولوجهات محددة.

ويقول النشطاء إن لجان المقاومة نجحت في الترتيب للأمر بشكل ممتاز دون تأثر بقطع الإنترنت، كما تمت الدعوات لهذه المواكب خلال تجمعات جماهيرية كبيرة شهدتها الخرطوم ومدن أخرى ليل أول أمس الأربعاء.