إزالة مباني الكنيسة الخمسينية في الحاج يوسف.. عهد جديد من استهداف الأقليات

صلوات أمام الكنيسه الخمسينيه في الحاج يوسف بعد هدمها- يوليو 2025- راديو دبنقا
الخرطوم – 20 يوليو 2025 – راديو دبنقا
أقدمت سلطات الأراضي بمحلية شرق النيل بولاية الخرطوم، في الثامن من يوليو الجاري، على هدم مباني الكنيسة الخمسينية السودانية في حي الحاج يوسف الشقلة – شارع 1 مربع 39، بمرافقة قوة أمنية مشتركة من الشرطة وجهاز الأمن. قوبلت الخطوة باستنكار واسع من منظمات مسيحية دولية وجهات مدنية وسياسية سودانية، التي اعتبرت أن ما جرى يمثل بداية عهد جديد من سياسات استهداف الأقليات المسيحية في البلاد.
إنذار مسبق
قال المحامي ديماس خميس، من هيئة محامي جبال النوبة، لراديو دبنقا، إن وفدًا من سلطات الأراضي زار الكنيسة أواخر مارس الماضي وأبلغ بعض المصلين شفويًا بقرار الإزالة دون تقديم إخطار رسمي أو تفاصيل. وبعد يومين، وضعت السلطات علامات الإزالة (×) على جدران الكنيسة.
في 22 أبريل، قدّمت إدارة الكنيسة شكوى رسمية إلى مكتب الأراضي بالمحلية، أوضحت فيها أن مجموعة من الأفراد حضروا وهددوا بالإزالة دون إخطار مكتوب، إلا أن الجهات المعنية لم ترد أو تُعلّق على الشكوى.
عملية الإزالة والتهديد باستخدام القوة
يقول المحامي ديماس: “في يوم 8 يوليو، انتشرت قوة مسلحة حول الكنيسة وأمرت الجميع بالابتعاد. وعندما طلب بعض المؤمنين السماح بإخراج مقتنياتهم من الهيكل وبيت الضيافة، تم رفض الطلب وتهديدهم بإطلاق الرصاص الحي”.
وأضاف أن عملية الهدم تمت بالكامل رغم بكاء عدد من النساء اللاتي كُنّ يسكنّ بالقرب من الكنيسة، مشيرًا إلى أن ما حدث “لا يمتّ لسلوك المسؤولية بصلة، ويُعد سلوكًا انتقاميًا واضحًا”.
وأكد أن الضوابط القانونية للإزالة تقتضي منح فرصة لأصحاب المباني لإخراج ممتلكاتهم، لكن ما حدث يدلّ على نية واضحة لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالمكان.
وتابع: “تمت إزالة جميع الأدوات، بما فيها المقاعد، الطاولات، ومحتويات بيت الضيافة، باستثناء 10 كراسٍ والمنبر، التي تم إخراجها مسبقًا”.





تعليق إعلام الخرطوم
ووفقًا لإعلام ولاية الخرطوم، فإن جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات، بالتنسيق مع المدير التنفيذي لمحلية شرق النيل، قام بإزالة تعديات ومخالفات عشوائية بمربع 39 الشقلة ومربع 2 التكامل ومربع 30 الحاج يوسف، بالإضافة إلى منطقة النسيم العشوائية.
وقال رئيس الجهاز، عبد العزيز عبد الله، إن الإزالة تمت بمشاركة النيابة العامة والقوات النظامية المختلفة والمساحة وموظفي جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات.
نبذة عن الكنيسة
تأسست الكنيسة الخمسينية السودانية بالحاج يوسف في عام 1989، على يد القس إيدي أمبروس، الذي عمل لاحقًا بإدارة شؤون الكنائس بوزارة الإرشاد والأوقاف (من 2004 إلى 2009).
يتكون مبنى الكنيسة من ثلاثة أجزاء: الهيكل بمساحة 20×20 مترًا، وثلاثة مكاتب إدارية وقاعة اجتماعات، وبيت الضيافة الذي يضم 4 غرف وحمامات وهول.
وقد تمّت إزالة جميع هذه المباني بالكامل دون السماح بإخراج أي من محتوياتها تقريبًا.
السياسات الرسمية تجاه الكنائس
يقول مراقبون إن ما حدث يُعيد للأذهان سياسات النظام السابق التي تميّزت بعدم التصديق لبناء كنائس جديدة، وترك الكنائس القائمة في أوضاع عشوائية، حتى بعد تخطيط الأحياء المحيطة بها.
ويؤكد المحامي ديماس أن الكنيسة الخمسينية بالحاج يوسف لم تحصل على تصديق رسمي رغم مرور أكثر من 35 عامًا على وجودها في المنطقة، التي كان يسكنها حينها أغلب المصلين أنفسهم.
سياق أوسع واستهداف مستمر
يرى محللون أن إزالة الكنيسة جاءت في سياق عودة نفوذ الجهات المرتبطة بالحركة الإسلامية، التي كانت تدير شؤون الأراضي خلال العقود الماضية، وهو ما قد يشير إلى استمرار ذات السياسات التمييزية ضد الأقليات الدينية.
إدانات محلية ودولية
من جانب الأحزاب السياسية، أدان الحزب القومي السوداني الخطوة ووصفها بأنها “انتهاك صارخ لحرية العبادة”، محذرًا من خطورة تمزيق النسيج الاجتماعي.
كما أدانت الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي الخطوة أيضًا، مشيرة إلى أن الهدم يعيد تكرار ممارسات النظام السابق، ويكرّس للتمييز الديني والعرقي.
وعلى صعيد المنظمات، أدانت منظمة التضامن المسيحي العالمي (CSW) بشدة العملية، وقالت إن الهدم تم بمرافقة عناصر من القوات المسلحة والشرطة، وهو ما يُعد “جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي”. ودعا المدير التنفيذي للمنظمة، سكوت باور، إلى وقف فوري للهجمات على دور العبادة، وطالب المجتمع الدولي بمزيد من الضغط على أطراف النزاع في السودان لحماية المدنيين وأماكن العبادة.
يُشار إلى أن الكنائس في السودان تعرضت سابقًا لسلسلة من الانتهاكات، بما في ذلك غارة جوية على كنيسة في الخرطوم في ديسمبر 2024 أودت بحياة 11 شخصًا، واعتداءات من قبل قوات الدعم السريع على ثلاث كنائس في مدينة الفاشر خلال يونيو 2025 أودت بحياة القس وإصابة آخرين.