حظر مكالمات واتساب في السودان: مساس بالحقوق ودوافع اقتصادية وسياسية وأمنية

تطبيق واتساب

تطبيق واتساب

أمستردام، 21 يوليو 2025 – راديو دبنقا

أثار قرار السلطات السودانية بحظر المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق واتساب موجة واسعة من الجدل وردود الفعل، لما له من أبعاد أمنية وسياسية واقتصادية وتجارية معقدة. تباينت آثاره المباشرة تبعًا لاختلاف الجهات المتأثرة به. وستدخل قرارات جهاز الاتصالات والبريد، التي استنكرتها قطاعات واسعة، حيز التنفيذ اعتبارًا من يوم الجمعة المقبل. وقال الجهاز إن القرار يأتي في إطار الحفاظ على الأمن القومي بالبلاد.

مزيج من الأمن والسياسة والاقتصاد

أفاد المهندس عمار حمودة، في مقابلة مع راديو دبنقا، بأن القرار ينم عن مزيج من الأسباب الأمنية والسياسية، إلى جانب دوافع اقتصادية وتجارية. وأوضح أن السلطات كانت تميل سابقًا إلى تغليف مثل هذه القرارات بأسباب اقتصادية، مع التعتيم على الخلفيات السياسية والأمنية لحساسيتها، خاصة فيما يتعلق بالتعقب والمراقبة. أما اليوم، وفي ظل ظروف الحرب، أصبحت الحجج الأمنية تُعلن بصراحة، بينما يتم إغفال البعد الاقتصادي رغم حضوره القوي.

يرى أحد الناشطين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لراديو دبنقا، أن القرار جزء من محاولات مستمرة للسيطرة على الفضاء العام، ومنع الناس من التواصل والتنظيم ونقل المعلومات، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاحتجاجات. وأضاف أن القرار يهدف لحماية النظام الحالي من النقد والمحاسبة، ولا يمثل حماية حقيقية للبلاد، مؤكدًا: “الموضوع ما أمني بقدر ما هو سياسي، والهدف منه كتم الأصوات وربط أيدي الناس، في وقت البلد محتاجة فيه للشفافية وللناس تكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة”.

مساس مباشر بالحقوق

اعتبرت “مبادرة استعادة نقابة المهندسين”، في بيان اطلع عليه راديو دبنقا، أن القرار “مساس مباشر بحق المواطنين في التواصل الحر والمفتوح، وتراجع إضافي في فضاء الحريات الرقمية، ويفتح الباب أمام تضييق ممنهج على الحقوق المدنية في الفضاء الإلكتروني”.

وشددت المبادرة على أن الأمن القومي لا يُبنى على حجب الخدمات وتقييد الوسائل التقنية، بل على تعزيز الثقة والمشاركة المجتمعية وتوفير بيئة رقمية آمنة ومتوازنة. وأشار البيان إلى أن هذا القرار سيكون له “أثر كارثي على المدنيين العزل” في ظل الحرب الدائرة، حيث يعتمدون بشكل كبير على تطبيقات التواصل، وخصوصًا واتساب، للتنسيق وطلب الدعم وتلقيه وتوزيعه على الأسر والمواطنين المحتاجين داخل البلاد وخارجها.

مطالبة بالتراجع الفوري

طالبت “مبادرة استعادة نقابة المهندسين” بالتراجع الفوري عن القرار الذي وصفته بالجائر، وعدم المساس بالحريات الرقمية، إلى جانب احترام الحقوق الرقمية كمكون أساسي من حقوق الإنسان المكفولة بموجب الاتفاقيات الدولية والدستور السوداني. وأعلنت رفضها “إقحام هذا المفهوم في إجراءات تضييقية لا تراعي مصالح المواطنين ولا تعكس روح العدالة والشفافية”.

آثار على المواطنين

توقع حمودة أن يؤثر القرار بشكل مباشر على المواطنين، لا سيما من يستخدمون واتساب وسائر تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت للتواصل مع الداخل والخارج. وأشار إلى زيادة تكلفة الاتصال الدولي بشكل كبير، حيث سيضطر المواطنون إلى الاعتماد على المكالمات التقليدية، خاصة الذين لا يستطيعون التعامل مع التطبيقات الأخرى، مما يمثل عبئًا اقتصاديًا واضحًا.

وأوضح أن كثيرًا من المستخدمين باتوا يلجؤون إلى شبكات VPN لتجاوز الحظر، وهو ما يتطلب معرفة فنية أو تكاليف إضافية، ويزيد من تعقيد عملية التواصل. ويرى خبراء اتصالات أن استخدام VPN يؤدي إلى زيادة في استهلاك بيانات الهاتف مما يضاعف التكلفة الاقتصادية.

من المتوقع أن يؤثر القرار على السودانيين المقيمين في الخارج، حيث سيؤدي إلى زيادة تكلفة التواصل مع ذويهم في الداخل، بسبب الاعتماد على المكالمات الدولية مرتفعة التكلفة، في ظل تراجع فاعلية واتساب وسواه من التطبيقات المجانية.

شركات الاتصالات ومنظمو الخدمة

قال عمار حمودة لراديو دبنقا إن القرار يمثل معادلة معقدة من “الربح والخسارة” لعدة أطراف، منها هيئة تنظيم الاتصالات والبريد التي قد تحقق زيادة في الإيرادات من المكالمات الدولية الواردة، ما يُعد مكسبًا مباشرًا. كما يمكن أن تستفيد شركات الاتصالات من زيادة عدد المكالمات المدفوعة، لكنها في المقابل قد تخسر جزءًا من إيرادات خدمات البيانات، التي كانت تستفيد من استهلاك التطبيقات المحجوبة. وقد تشهد مصلحة الضرائب نموًا في الإيرادات نتيجة تحصيلات أعلى من المكالمات التقليدية.

أبعاد أمنية واقتصادية

بشأن الجانب الأمني، قال المهندس عمار حمودة لراديو دبنقا إن القرار يمثل معضلة في ظل غياب تشريعات واضحة تجرّم استخدام VPN، ما يجعل الحظر فعليًا “تحصيل حاصل”. إذ يمكن للمستخدمين بسهولة تجاوز القيود والوصول إلى التطبيقات المحظورة دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من تتبعهم بدقة.

ولم يستبعد حمودة أن يُفضي القرار إلى فتح ساحة صراع جديدة في قطاع الاتصالات، خاصة بين الأطراف المتنازعة. وأضاف: “خلال الحرب، كانت خدمات الاتصال متوفرة في العديد من المناطق، بغض النظر عن الجهة المسيطرة عسكريًا. لكن لاحقًا ظهرت مؤشرات على عمليات قطع تغطية ممنهجة، خاصة في المناطق الخاضعة لقوات الدعم السريع، ما طرح تساؤلات حول قدرة تلك القوات على إدارة وتشغيل الشبكات”.

بدائل وخيارات

من المتوقع أن يلجأ المواطنون إلى بدائل عديدة لتجاوز آثار هذا القرار. ويرى المهندس عمار حمودة، في حديثه لراديو دبنقا، أن من بين الحلول البديلة: المكالمات عبر الإنترنت الفضائي باستخدام خدمات مثل ستارلينك، والتي تمثل بديلًا عالي الكفاءة وإن كان مكلفًا. واستخدام أرقام هواتف دولية كبديل للرقم المحلي، ما يُضعف قدرة الدولة على مراقبة الاتصالات. بالإضافة إلى استمرار استخدام شبكات VPN لتجاوز الحظر رغم تعقيداتها الفنية وتكاليفها الخفية.

خلاصة القول، إن قرار حظر المكالمات الصوتية والمرئية عبر واتساب في السودان يعتبر امتدادًا لتعقيدات الحرب والسياسة والاقتصاد، وهو قرار ستكون له تداعيات على مختلف الأطراف: المواطن، وشركات الاتصالات، والدولة. وبالنظر إلى استمرار غياب التشريعات المتعلقة باستخدام الشبكات الخاصة (VPN)، يبقى تحقيق الأهداف الأمنية للقرار محل شك، بينما تبقى الآثار الاقتصادية والتقنية واقعية ومباشرة على المواطن العادي.

Welcome

Install
×