مزارع بحلفا الجديدة يحمل البنك الزراعي والهيئة مسؤولية توقف المنظمات الدولية عن دعم المزارعين

الزراعة في حلفا الجديدة

مشروع زراعي في حلفا الجديدة- دياب للإعلام الزراعي

حلفا الجديدة – الجمعة 10 أكتوبر 2025م – راديو دبنقا

وجَّه أحد قيادات المزارعين بمشروع حلفا الجديدة الزراعي نداءً عاجلًا إلى وزير الزراعة والري، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، للتدخل الفوري بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وما آلت إليه من ظروفٍ وُصفت بالحرجة.
وأكد أن القطاع الزراعي بات بحاجة ماسة إلى دعمٍ مباشر، مشددًا على أنهم شركاء في الهم الوطني ويقفون في خندقٍ واحد مع الحكومة للخروج من الأزمة الراهنة.

وخاطب العضو البارز في صفوف المزارعين عادل محمد صالح “بابا” من تفتيش هاجر (1018) وزيرَ الزراعة والري خلال زيارة أجراها وفدٌ حكومي رفيع برفقة عددٍ من الوزراء نهاية سبتمبر، مؤكدًا أن الزيارة كانت فرصةً لعرض بعض المؤشرات التي تعكس حجم التحديات في القطاع.

“غيط البصالوة”

وأوضح عادل بابا، في رسالةٍ مطوّلة سلّمها لوزير الزراعة والري، وتحصل “راديو دبنقا” على نسخةٍ منها، أن موقع مشروع “غيط البصالوة” يتمتع بميزاتٍ جغرافية مهمة لقربه من بدايات القناة (الترعة 34)، وخلوه من إشكالات الري.
وأشار إلى أنه يتبع لفئةٍ مجتمعية من ذوي الدخل العالي الذين يقومون بتشييد منشآتٍ خاصة بالدولة من مواردهم الذاتية، مستشهدًا بـ”كبري زمقان” على الميجر الرئيسي.

وبيّن أن ذلك يجعل المشروع مؤهلًا لإنتاج غلاتٍ زراعية تسد احتياجات المجتمع من ذوي الدخل المحدود وتخفف الضغوط على الدولة.

وأشار عادل بابا إلى أن “غيط البصالوة” يمتد لمسافة خمسة نمر طويلة مضروبة في مساحة تبلغ ستةً وثلاثين حواشة، أي ما يعادل مئةً وثمانيةً وثمانين حواشة، بما لا يقل عن ثلاثة آلاف فدان، تُشكّل نسبة 5% من المساحة الكلية لمكتب تفتيش المدينة، الذي يُعد واحدًا من تسعة عشر مكتب تفتيش في عموم المشروع بشقَّيه: المهجّرين والمواطنين.

وأوضح أن المقصود من ذلك هو توضيح إمعان إدارة الهيئة في اختيار “غيط البصالوة” كنموذجٍ عند زيارة أي مسؤول، واصفًا ذلك بـ”دفن الرؤوس في الرمال” لتجنّب مواجهة المخاطر.

وقال إن العروة الصيفية للموسم الحالي، بمحاصيلها المختلفة، قد تجاوزت مراحل الإعداد والتأسيس بشق الأنفس، موضحًا أن القصور الشديد والخلل الأكبر تمثّلا في تعثر سريان الري، مشيرًا إلى أن هذا المرفق ظل “مشلولًا تمامًا” بسبب ضعف الكادر البشري وعدم كفاية معينات العمل.

كما اعتبر أن العطل الكامل والغياب التام لآليات الحفريات، وإرسالها لإسعاف مشروع الجزيرة، كان له أثرٌ سلبيٌّ كبير في الإخفاق والفشل المتوقع لحصيلة الموسم، معتبرًا أن جلّ محاصيل العروة الصيفية في أمسِّ الحاجة إلى الريّ المكمل للنضج بنهاية موسم الأمطار.

التربة ومخاطر البيئة

ولفت الناشط في صفوف المزارعين عادل بابا إلى أن الغرض من المشروع في الأساس هو استقرار المهجّرين والمواطنين، لكن غياب الرؤية جعل المشروع يواجه تحدياتٍ تهدد استمراريته، مؤكدًا أن أبرزها زحف الرمال على الغيط والإهمال التام لأعمال الصيانة، مما جعل المشروع عرضةً للفشل.

وأبدى القيادي وسط المزارعين عادل بابا مخاوفه من أن تؤدي هذه التحديات إلى خسائر جسيمة، خاصةً أن الموسم الحالي يقترب من نهايته دون بوادر تحسّن في الأوضاع، مشيرًا إلى أن استقرار المشروع مرتبطٌ بصورةٍ وثيقة بتوفير التمويل والدعم الحكومي لمواجهة المتطلبات الأساسية.

وكشفت الرسالة عن أزماتٍ كبيرة واجهت الموسم الزراعي، أبرزها ما سمّاه بتخاذل البنك الزراعي السوداني وقصوره في إمدادات الأسمدة بأنواعها (الداب واليوريا)، مشيرًا إلى أن الكميات التي وُردت هذا الموسم كانت ضئيلة جدًا ولا تتناسب مع المساحات المزروعة، خاصة القطن والذرة ومزارع الخضر بأراضي البساتين وأراضي مصنع سكر حلفا و”نعمة الله” امتداد جروف العطبراوي شرقًا وغربًا، وهي خارج حسابات الدولة في التخطيط.

وأوضح عادل بابا في رسالته المطوّلة لوزير الزراعة والري أن المشكلة لم تقتصر على تسعيرة الأسمدة فحسب، بل إن الندرة والشح أسهما في ارتفاع الأسعار إلى مستوياتٍ غير منطقية.

تحديات في مشروع القمح

وأكد القيادي عادل بابا أن مشروع القمح يواجه تحدياتٍ كبيرة رغم توفّر أكثر من 85 ألف فدان قابلة للزراعة، مبينًا أن العروة الشتوية هي الأهم لأنها تمثل فرصةً لتعويض الإخفاق السابق.

وأشار إلى أن التجارب الناجحة السابقة أثبتت أن الدولة كانت تقوم بواجباتها على نحوٍ أمثل، مستشهدًا بما حدث في موسم 2018 – 2019م، حين كان ملف زراعة القمح يُدار عبر لجنةٍ قومية سُمِّيت “لجنة توطين زراعة القمح بالسودان”، وكانت تضم أجهزة الدولة المختلفة من وزارات الزراعة والمالية وبنك السودان، إلى جانب البنك الزراعي السوداني، بإدارة المهندس فتح الرحمن عثمان، أحد الزراعين السابقين ومدير البنك الزراعي آنذاك.

وأضاف أن هذه اللجنة بدأت عملها بالتحليل والمتابعة الدقيقة موسمًا بعد آخر، مما ساهم في معالجة العقبات، لكن بعد حلّها وإنشاء مؤسسةٍ جديدة للزراعة، واجهت التجربة كثيرًا من الإخفاقات، وأدى تعطيل أعمال اللجنة السابقة إلى صعوباتٍ كبيرة في التوافق مع إدارات البحوث والهيئة في تقليل التحديات.

كما تطرق عادل بابا إلى المستجدات التي شهدتها المواسم الثلاثة الأخيرة، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية سمحت لبعض المنظمات الدولية بالعمل ضمن برامج دعم منتجي القمح بالسودان للمواسم 2022 – 2023 و2023 – 2024م عبر برنامج الغذاء العالمي (WFP)، وتمثلت هذه المساعدات في دعم المزارعين بنسبة 20% من المدخلات (أسمدة وتقاوي)، بينما ارتبط الموسم السابق 2024 – 2025م ببرامج “صمود” الممولة من منظمة “مرسي كوربس” وتم تغييرها لاحقًا إلى برنامج “ثبات”.

قصور البنك الزراعي

وأوضح المزارع عادل بابا في رسالته لوزير الزراعة والري أن أبرز ما واجهه المزارعون في موسم 2022 – 2023م كان دفع نسبة 20% من قيمة التقاوي عن كل مزارع نقدًا لإدارة الهيئة لتُخصم من مديونية المزارعين.

وقال: “حين كان البنك الزراعي السوداني صاحب التمويل بتوفير السماد بنوعيه (الداب واليوريا)، رفض استلام الدعم المقدم للمزارعين بنسبة 20% من الأسمدة عينًا، وترتّب على ذلك اعتذار برنامج الأغذية العالمي (WFP) عن تسديد القيمة نقدًا نتيجة عدم معقولية الأسعار مقارنة بالأسعار العالمية”.

وأبدى عادل أسفه لأن تلك السياسات أدت إلى فقدان المزارعين الدعمَ المخصص لهم من قبل برنامج الأغذية العالمي لموسم 2023 – 2024م، مؤكدًا أن إدارة الهيئة استلمت مدخلات إنتاج لمساحة 20 ألف فدان من التقاوي والأسمدة، رغم أن المساحة المقترحة كانت مئة ألف فدان، بينما لم تتجاوز المساحة الممولة 27 ألف فدان فقط.

وقال إن الهيئة أجرت معالجاتٍ حسابية وقت الحصاد، كانت نتيجتها أن المزارع تلقى دعمًا أكثر من قيمته الفعلية بتخفيض كبير في أسعار التقاوي والأسمدة، مشيرًا إلى أن إدارة الهيئة وفّرت من هذه الفروقات مبالغ مالية تُقدّر بعشرة مليارات جنيه سوداني لحساباتها الذاتية، ما أدى إلى توقف برامج الغذاء العالمي في الموسم التالي.

وأوضح عادل بابا أن الموسم السابق (2024 – 2025م) شهد تغيّرًا في المشهد، إذ وفرت الإدارة مدخلاتٍ لأكثر من عشرين ألف فدان، معظمها في التفاتيش الشمالية بالمشروع، تماشيًا مع الممارسات الزراعية المعتادة.
وقال إن منظمة “مرسي كوربس” موّلت مساحة 23 ألفًا و600 فدان، رغم فوات التوقيت الأمثل، وهو ما جعل نجاح المحصول محدودًا للغاية.

واختتم عادل محمد صالح بابا رسالته بالتنبيه إلى أن الهدف من هذا السرد المفصل هو تلافي الأخطاء السابقة، والعمل على استغلال الموارد المتاحة لهذا الموسم بصورةٍ مثلى، مشددًا على أهمية الإعداد المبكر، والتسميد بالجرعات الكافية، وإحكام الري، والالتزام بالمواقيت الموصى بها لضمان إنتاجيةٍ أعلى تصل إلى نحو طنين من الحبوب للفدان الواحد، في وقتٍ تبلغ فيه المساحة المتاحة للمشروع أكثر من 85 ألف فدان.

Welcome

Install
×