محمد فاروق: التحالفات في السودان فاشلة منذ مؤتمر الخريجين و”تقدم” وليد للعقل السياسي القديم

محمد فاروق نائب الرئيس السابق بالتحالف السوداني


امستردام: الجمعة 25 يناير 2024: (راديو دبنقا)
دعا نائب الرئيس السابق لحزب التحالف السوداني لترسيخ مفهوم جديد لتأسيس تحالفات سياسية مدنية
في السودان، بتشكيل جبهة واحد تضم كل السودانيين لإنتاج حوار يشملهم جميعهم، رافضًا اختزال التحالفات في النظرة للمشاركة في السلطة، ووصف التحالف الجديد المتمثل في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بأنه وليد نفس العقل السياسي القديم، وعبر عن أسفه لفشل القوى السياسية في تقديم قيادة مؤسسية برغم عظمة ثورة ديسمبر.
وقال المهندس محمد فاروق في مقابلة مع “برنامج ملفات سودانية تذاع صباح غدا السبت” إنَّ وحدة جبهة القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” شعار يمكن استدامته والرهان عليه، لكن يجب أن تتعظ القوى السياسية من التجارب السابقة في تكوين التحالفات، وقال أنه يشعر بأن “تقدم” وليد نفس العقل السياسي القديم وليس شئ مختلف.
واعتبر أن هنالك مشكلة ما؛ في طبيعة الدعوة نفسها وقال: عندما أسمع عن دعوة لوحدة القوى المدنية، وقبل أن تنطلق تلك الدعوة، يجب أن نكون أكثر اتحادًا، مشيرًا إلى أنه مع تلك الدعوة يتم الاستقطاب والإقصاء والعزل، وكأنما السودانيين دائماً أكثر اتحادًا قبل أن يدعوهم أحد ما حول قضاياهم، مثل قضايا السلام، الديمراطية، حكم القانون وتحقيق العدالة وهي قضايا نبيلة ومهمة وأهداف عظيمة، تتحول في النهاية لاشتباك مدني. كأنما يمكن ألا يختلف أحد حول أي من هذه الأهداف.
وأوضح أنه ظل منذ وقت طويل يعكف على مراجعات سياسية تتعلق بتاريخ وماضي التحالفات السياسية، وقال أن هنالك مشكلة ما تبدأ من الدعوة للتحالف، وقال إنَّ أساس الدعوة للتحالفات خاطئ، وأن السودانيين دائماً ما يجتمعون للاتفاق للحد الأدنى، وأضاف “هذه بالأساس لا أعتبرها دعوة للتأسيس وإنما دعوة لاقتسام ومشاركة السلطة فقط.
الدعوة للتحالف يصاحبها دعوة لعزل
وأشار القيادي السابق في التحالف السوداني محمد فاروق إلى أنه دائمًا ما يصاحب مثل تلك الدعوات لتشكيل تحالفات دعوة لعزل هذا أو ذاك، والمطالبة باستثناء كل من شارك في السلطة، وقال كأنما المقصود من الجبهة واتحاد العمل المدني المشاركة في السلطة وليست الإجابة على السؤال الأهم “كيف يحكم السودان ..؟”، وشدد على أن عملية الوحدة هذه يجب النظر إليها بأن تكون اتحاد يضم السودانيين لإنتاج حوار يشملهم جميعهم. دون أن النظر لهذه القضية، لا أن تكون أوعية أو منظومة لتشكيل السلطة وتقديم قيادات.
وقال إنَّ هذه القضية تجعلنا نطرح السؤال عندما نتحدث عن فشل الحركة السياسية المدنية والتحالفات السياسية المدنية، ومن خلال المراجعات التي أقوم بها لست سعيدًا بذلك لكنها تجربتنا وواقعنا ويجب أن ننظر إليه بنظرة ناقدة ونتحمَّل عن مسؤوليتنا تجاه المستقبل.
وعبر المهندس محمد فاروق سلمان الذي كان يمثل حزبه داخل تحالف قوى الحرية التغيير عن أسفه لما وصفه بالفشل في تقديم قيادة مؤهلة تقود المرحلة بنجاح، وقال للأسف ما حدث في ثورة ديسمبر برغم عظمتها لم ننجح منذ أبريل 2019 وحتى اشتعال هذه الحرب، في تقديم قيادة مؤسسية تعبر عن هذه الثورة، وأكد أن الأجسام التي كانت أيقونة لهذه الثورة تم تفكيكها مشيرًا لتجربة تجمع المهنيين والتحالفات الآخرى، ودورها في قيادة الشارع السوداني وتنظيم الاحتجاجات السلمية، وعبر عن استيائه بالقول فشلنا بشكل واضح في الشعار.
واعتبر أن المشكلة أكبر من الانقسامات السياسية داخل التحالفات، مشيرًا إلى أن النظرة الطبيعية عادة ما ننظر إلى القوى الرسمية أو النظامية في الدولة، كتعبير عن الاجماع السياسي المدني وقال إنَّ فشلها وكونها تتحول هي نفسها لمهدد وخطر أمني وهذا مرتبط بقضايا في الأساس سياسية ومرتبط بالعقل المدني نفسه.
واستبعد أن تكون هذه القضية مرتبطة برأي في المدنيين والسياسيين أو برأي حتى في العسكريين الذين لديهم قدرة على الدوام على تهديد الحراك السياسي المدني، منذ 11 أبريل 2018 المكون العسكري بدأ يتحول كفاعل سياسي بشكل واضح في المشهد، في السابق حتى تهديد الجيش للحياة السياسية والدستورية في السودان باختراقات تتم من قبل حركة سياسية مدنية، وأشار إلى أن ذلك حدث في انقلاب 1958 بقيادة الفريق ابراهيم عبود، فقد أعاد التذكير بأنه كان انقلاب تسليم وتسلم من أول حكومة بعد الاستقلال والجيش السوداني. وتكرر في 1969 ثم انقلاب 1989 انقلاب الجبهة الإسلامية القومية.
الحركات خاطبت قضاياها
وعبر عن أسفه إلى أن الحركة السياسية التي حملت السلاح من أجل النضال لقضايا بشكل واضح أرادت أن تتحول هي نفسها وتخاطب قضاياها، مثل ما حدث في اتفاق سلام جوبا وغيره، من خلال اعتبارها مكون عسكري ومكون أمني، وبدلًا من أن تستثمر وفق طبيعة الثورة وتتحول لحركة سياسية مدنية، رأينا حركات مسلحة تحاول تعيد تجنيد قوات من جديد حتى تكون كطرف صاحب شوكة أو حظوة في عملية الترتيبات الأمنية، وقال هي أصبحت بشكل واضح مهدد أمني وتحولت لتهديد التحولات بين هذه المكونات العسكرية، بغض الحديث عن الحركة المدنية غير المسلحة، لدرجة واضحة بشكل من أشكال الاستقطاب الكبير حتى داخل الصراع والذي حول المكون العسكري الذي كان يضم الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من مكون واحد، إلى طرفي استقطاب وبشكل واضح قبل الحرب وبعدها وحتى الآن.
وأعاد التذكير بالتجارب الفاشلة منذ الاستقلال وقال إنَّ الفشل لازم التجارب السياسية السودانية حتى داخل هذه الجبهات منذ مؤتمر الخريجين قبل الاستقلال، جبهة الهيئات 1964، والتجمع الوطني والنقابي في 1985، ولاحقًا التجمع الوطني في تجربة الانتقال الأول ضد نظام الإنقاذ وبعد اتفاقية السلام الشامل في 2005 واتفاقية القاهرة، وقال إنَّ هذه القضايا التي نتحدث عنها في الحرية والسلام والعدالة، تسقط وتتحول لشكل من أشكال الشراكة في السلطة والاغفال عن إرث الدولة العنيف عن مهددات وجود هذه الدولة، من خلال الانحراف في مؤسسات هذه الدولة وفساد هذه المؤسسات قبل الحديث عن الغطاء الأمني والعسكري.
وقال إن كل هذه الأزمات تبقى وتظل إلى أن انتهت إلى ما انتهت إليه والآن ما نراه هو ليس تهديد من قوى ثورية أو مشروع ثوري وطني قام بتهديد هذه الدولة، ما نراه من داخل هذا الجهاز لهذه الدولة ومن داخل تشوهاته تشتعل هذه الحرب ليس من شئ آخر.
جنود الدعم سودانيين
في اتجاه آخر رأي القيادي السابق بحزب التحالف السوداني بإمكانية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بتأسيس جيش وطني موحد، وقال أنهم سودانيين ومستقبلهم يعني السودان والدولة السودانية بدرجة كبيرة جداً، وأضاف أن النظر لوجودهم داخل القوة النظامية أو داخل الجيش السوداني، كأنما هذه القوة النظامية بعد الحرب سوف تظل مهددًا للدستور وحكم القانون هذه القضية يجب تجاوزها بالنظر لتاريخنا، وأوضح أنه إذا كانت هنالك نظرة إلى الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع فإن الجيش السوداني نفسه ضالع في انتهاكات منذ العام 1955، ولم يطالب أحد بحله حتى الآن.
وذكر أن الجيش عجز في أول اختبار حقيقي له في المدن عن حماية المواطنين، ظل أقدر على حماية مقاره ومراكزه كأي جيش احتلال، ولكنه قال: يمكن أن يرجع ذلك إلى احتمال أن يكون مرتبط بطبيعة المدنية والمدينة والدولة في مفهومنا، فأصلاً المدينة لدينا كونها مستعمر ولم تتكون نتيجة صراع اجتماعي سياسي سوداني. وقلل من المخاوف من وجود الدعم السريع في الفترة الانتقالية باعتباره مهددًا أمنيًا، وقال هذه القضية بسيطة فليست بالضخامة المطروحة الآن والسؤال المكرر عن هل سنستوعب قوات الدعم السريع في الجيش، واعتبر مثل هذه الأسئلة هي أزمة الدولة السودانية، واستدل بقوله أن هنالك 140 ألف حملوا السلاح على المواطنين السودانيين دعك من حربهم مع الجيش في أي ملمح من الملامح المتعلقة بوجودهم في الجنينة أو في الجزيرة في مناطق كثيرة، لم يكن يشكلوا قوى ممكن ائتمانها على أنها تكون قوة نظامية ورسمية، وهذا الحديث ينطبق على القوات النظامية في أشكال كثيرة من أشكال الفساد في الدولة السودانية.
وونوه إلى أن الممارسات التي كانت تتم من قبل جهاز الأمن السياسي في كثير من مقاره من تعذيب وقتل وحتى ممارسات الجيش السوداني نفسه، ويجب ألا أن ننسى أن بعد خمسين عامًا من الحرب الأهلية عندما تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في 2005، الجيش السوداني لم يسلم أسير واحد من الجيش الشعبي.
وقال إنَّ هذه القضايا غير موجودة في قاموسنا للقوة النظامية عندما ننظر لكل السودانيين مع وجود كامل أشكال وملامح البطولة والشجاعة عن الأفراد في كل الأطراف وليس في منطقة واحدة، وأضاف” يجب النظر إلى أننا نعيد تشكيل جيش وقوات نظامية من خلال هذه الحرب، تابع “فهذه التجربة بعقيدة مختلفة لن تكون هنالك مشكلة بوجود أفراد من الدعم السريع في القوات النظامية مستقبلاً أو أفراد من الجيش، كأساس لهذه القوات ودعا إلى أن هذه القضية يجب أن تكون مثار أسئلة أكثر ويجب النظر إليها في هذا الإطار.
وأشار إلى أنه لم تكن هنالك دعوة لحل الجيش لكن هذه الدعوة لحل الجيش نفسه هي ستسقط في اليوم الذي يكون في مقدور الدولة والحركة السياسية المدنية، أنها إذا استطاعت أن تحل الجيش، هذا يعني أن سلطة الدولة وتراتبيتها أصبحت أوضح، عملياً ستكتشف هذه الدعوة محدداتها مرتبطة بمسألة الأمن القومي الشامل، ووظائفك وحماية المواطنين بخلاف المسائلة المرتبطة بامتلاك وتفوق الدولة للعمق العنفي.