قطع العلاقات بين السودان والإمارات..ردود فعل متباينة وتحذيرات من آثار اقتصادية

البرهان بن زايد

صورة ارشيفية في موقع وكالة الانباء الاماراتية عن اتصال هاتفي بين رئيس الامارات محمد بن زايد ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في يوليو 2024

الإمارات تعلن عدم اعترافها بقرار”سلطة بورتسودان” والسودان يهدد بتصعيد جديد

الخرطوم : 7 مايو 2025م: راديو دبنقا

في أول رد فعل لها على قرار السودان بقطع العلاقات الدبلوماسية معها أمس، أكدت الإمارات العربية المتحدة أنها لا تعترف بقرار ما وصفته ب” سلطة بورتسودان”، باعتبار أن هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه. في حين أثار قرار مجلس الأمن والدفاع السوداني ردود فعل سودانية واسعة ومتناقضة من مختلف القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، عكست الانقسام العميق حول الموقف الرسمي السوداني في ظل استمرار النزاع المسلح الداخلي. كما تزايدت المخاوف من تأثير الخطوة على السودانيين المقيمين في الإمارات فضلا عن تساؤلات حول الآثار الاقتصادية.

رد فعل

وقالت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان اطلع عليه راديو دبنقا، إن البيان الصادر عن مجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات وجمهورية السودان وشعبيهما.

واعتبرت الإمارات قرار ما وصفته ب “أحد الطرفين المتحاربين في السودان” بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، رد فعل عقب يوم واحد فقط من رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من قبل “سلطة بورتسودان”.

وقالت التصريحات السودانية مناورة للتهرب من مساعي وجهود السلام، وشددت على أنّ السودان وشعبه بحاجة إلى قيادة مدنية ومستقلة عن السلطة العسكرية. وأضافت:” قيادة لا تقتل نصف شعبها وتجوّع وتهجّر النصف الآخر”.

وأكدت الإمارات أن الجالية السودانية الكبيرة المقيمة على أرضها والزائرين السودانيين لن يتأثروا بالقرارات الأخيرة.

ويقدر عدد السودانيين في الإمارات بأكثر من 250 الف حيث تصاعد المخاوف في أوساطهم من آثار محتملة بعد قطع العلاقات.

وجددت الإمارات تأكيدها على أنها لن تتوانى عن تقديم يد العون للشعب السوداني.

خطوات تصعيدية أخرى

من جانبه قال وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر في مقابلة مع التلفزيون القومي عقب اجتماع مجلس الأمن والدفاع، إن القرارات التي صدرت اتخذت بالإجماع، مؤكدا ان أعضاء المجلس كانوا على توافق تام حول هذه الخطوات، وأن قيادات الدولة كلها على توافق تام في هذا الأمر، كاشفا عن امكانية اتخاذ خطوات تصعيدية اخرى خلال الفترة المقبلة وقال”ربما نتخذ إجراءات أكثر حدة مستقبلا”.

وتتهم الحكومة السودانية الإمارات بإمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والعتاد الحربي، وتقدمت بشكاوى عديدة للمؤسسات الدولية قبل أن تتخذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية عقب تعرض مدينة بورتسودان لقصف مدفعي عنيف.

قواعد وإجراءات

وقال السفير المتقاعد جمال محمد إبراهيم لراديو دبنقا إن قرار قطع العلاقات يجب أن يكون مدروسا وفق المواثيق التي تلزم السودان بموجب عضويتها في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية وأضاف: “أتوقع أن تكون الجهات المختصة قد درست الأمر”.

وأوضح أن قرار قطع العلاقات من حيث المبدأ حق مكفول بموجب المواثيق الدولية والإقليمية. وأكد ضرورة أن يكون القرار صادر بعد دراسة وإجراءات وليس مجرد خطوة انفعالية انفعال، مشيرا إلى أن هنالك عدة خيارات للتسوية والشكوى مثل الجامعة العربية عبر طلب انعقاد مجلس الجامعة للنظر في الأمر، بجانب مؤسسات المنظمة الدولية.

 وحول الخدمات القنصلية لمواطني الدول في حال قطع العلاقات، أكد السفير جمال محمد إبراهيم أن اتفاقية فيينا تنظم العلاقات بين الدول. مبينا أن هنالك تفاصيل تنظم إجراءات تسيير العلاقات بين الشعوب والحكومات في حال قطع العلاقات، وقال يمكن للدول أن تكلف دولة ثالثة لتمثيلها بموجب بموافقة الدولة المعنية وذلك للقيام بالإجراءات القنصلية.

رفض

أعلن تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) رفضه للقرار، واعتبره “لا يعبر عن إرادة الشعوب السودانية” بل يمثل فقط “جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في بورتسودان”.على تعبير البيان. وأكد التحالف أن العلاقات التاريخية بين الشعبين السوداني والإماراتي “ظلت قائمة على الاحترام والتعاون المتبادل”، محذرًا من أن الخطوة قد تضر بمصالح السودانيين المقيمين في الإمارات. كما اعتبر التحالف أن تصعيد الخطاب الرسمي يأتي في سياق محاولات من وصفهم “بالانقلابيين” لتوزيع الأدوار وإطالة أمد الأزمة السياسية.

من جانبه دعا عبد الرحمن عمسيب، صاحب أطروحة دولة البحر والنهر، المثير للجدل، لمراجعة القرار لأثره الفادح على السودانيين هناك.

وقال إن عدد السودانيين المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة نحو 260 ألف شخص، ويحتاجون للخدمات القنصلية. وحذر من أن يتم اعتبار كل سوداني يعمل في القطاع الحكومي أو شبه الحكومي الإماراتي خادمًا لدولة عدوة، ما يعرّضه لخطر التهم والتضييق أو يُجبره على ترك وظيفته التي يُعيل بها أسرته.

وتوقع أيضا أن يعيق القرار السفر إلى الامارات، أو تحويل الأموال، أو التجارة معها إلا بموافقة أمنية أو سيادية خاصة.

وأكد إن اتخاذ قرار مصيري كهذا يجب أن ينطلق من مصلحة المواطن أولاً، لا من ردات الفعل أو التحالفات الظرفية. وأضاف مخاطبا متخذي القرار: “كل حساباتكم البنكية، وكل ذهبكم، وكل مسار استيرادكم الأساسي… يمر عبر الإمارات”.

تأييد

في المقابل، أعلن كيان غاضبون بلا حدود دعمه الكامل للقرار، واعتبره “خطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح” بعد ما وصفه بـ”تورّط النظام الإماراتي في دعم وتمويل ما اسماها بمليشيا الدعم السريع الإرهابية”. ودعا البيان الشعب السوداني إلى الالتفاف حول ما سماه “الموقف السيادي”، وتصعيد الضغط الشعبي لمواجهة التدخلات الخارجية التي تمس سيادة البلاد.

يعكس تباين هذه المواقف حجم التعقيدات التي تحيط بالأزمة السودانية، في ظل تصاعد التحذيرات من مخاطر الانزلاق نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار، سواء داخل السودان أو في محيطه الإقليمي.

شائعات

وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبرا عن إيقاف الرحلات الجوية لشركتي تاركو وبدر إلى الامارات .

ولكن مسؤولة الإعلام بشركة تاركو للطيران، دينا خضر، نفت الأنباء المتداولة على بعض منصات التواصل الاجتماعي بشأن إيقاف الرحلات الجوية بين السودان ودولة الإمارات، مؤكدة عدم صحة هذه المعلومات.

وفي السياق ذاته، أكدت شركة بدر للطيران أن جدول رحلاتها مستمر بصورة طبيعية، ولم تتلقَ حتى الآن أي إشعار رسمي أو بريد إلكتروني من السلطات الإماراتية بخصوص إيقاف الرحلات، مشيرة إلى أن لديها رحلة مجدولة إلى دولة الإمارات بتاريخ 7 مايو الجاري.

وناشدت الشركتان الجمهور ووسائل الإعلام ضرورة تحري الدقة وعدم الانسياق وراء الشائعات، والاعتماد على المصادر الرسمية في مثل هذه القضايا الحساسة.

آثار اقتصادية

تبلغ الاستثمارات الإماراتية في السودان أكثر من 7.6 مليار دولار، منها 6 مليارات في الزراعة، و17 شركة إماراتية تنشط بقطاعات متنوعة.

كما أن صندوق أبو ظبي للتنمية موّل 17 مشروعاً بقيمة 544 مليون دولار، وأودع 1.4 مليار دولار لدعم السيولة النقدية.

ولم يتسن لراديو دبنقا الحصول حجم التبادل التجاري بين السودان والامارات خلال العامين الماضيين.

مستقبل صادر الذهب

قال وزير التجارة والتموين السوداني السابق، الفاتح عبد الله يوسف، في تصريح له العام الماضي إن التجار السودانيين يميلون بشكل متزايد إلى بيع الذهب في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ نظرًا لسهولة عمليات التحويل في تلك المنطقة، أكد أن الحكومة لا تفرض قيودًا على مكان بيع الذهب السوداني.

ويرى محللون ماليون في مقابلات سابقة مع راديو دبنقا إن السودان واصل التعامل مع الامارات في مجال الذهب، رغم الشكاوى والاتهامات العديدة طيلة العامين الماضيين، لأنها تمتلك بنية تحتية متقدمة في مجال تصفية الذهب باستخدام أحدث التقنيات، كما أنها تمتلك أكبر مراكز لتصفية الذهب مما ينشئ بيئة تنافسية ويقلل التكاليف. كما أنها تمتلك منطقة حرة لتداول الذهب بدون قيود مع تخفيض الضرائب في المناطق الحرة وعدم وجود ضريبة على الأرباح مما يجعلها جاذبة.

مصير تطبيق بنكك

وتتصاعد المخاوف من تأثر تطبيق بنكك الذي يتبع لبنك الخرطوم جراء قطع العلاقات الدبلوماسية بين السودان والإمارات. وبحسب البنك فإن نحو 42% من أسهم البنك تعود لمؤسسات مالية من دول الخليج، على رأسها بنك دبي الإسلامي، إلى جانب مساهمات من بنك التنمية الإسلامي بجدة، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، وبنك الشارقة الإسلامي، أما النسبة المتبقية فهي مملوكة لمستثمرين سودانيين.

وظل تطبيق بنكك يسيطر على الجزء الأكبر من العمليات المالية في البلاد في فترتي ما قبل الحرب وما بعدها. ويفسر الخبراء المصرفيون هيمنة بنك الخرطوم على هذا القطاع بعدد من العوامل ومن بينها الوضع المالي الصلب للبنك المملوك بنسبة كبيرة لعدد من المصارف الإمارتية. كما يمتلك بنك الخرطوم أوسع شبكة من الفروع والمراسلين تغطي كل أنحاء السودان بالنظر إلى أنه البنك الأقدم في السودان حيث تم تأسيسه في العام 1913. وأخيرا، استفاد بنك الخرطوم من أسبقيته في دخول هذا المجال ونجح في استقطاب العملاء والحفاظ عليهم لسنوات طويلة دون وجود منافسة جدية من مصارف أخرى رغم محاولات بعضها مثل بنك فيصل الإسلامي وبنك أمدرمان الوطني.

وكشف بنك الخرطوم أنه أجرى ما يزيد عن 50 مليون عملية مصرفية عبر تطبيق بنكك في العام الأول من الحرب.

تطمينات

بالمقابل قال بنك الخرطوم في بيان اطلع عليه راديو دبنقا إن مجلس إدارة بنك الخرطوم عقداجتماعاً طارئاً يوم الأربعاء الموافق ٧ مايو ٢٠٢٥م لمناقشة عدد من القضايا المحورية، وقد وجه مجلس الإدارة باستدامة تقديم الخدمات المصرفية لعملائه في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، بتميز ومهنية كسائر عهدها .

هذا وقد جدد مجلس الإدارة في هذا الإجتماع بالإجماع وبكامل عضوية فخره وإمتنانه العميق لجميع منسوبي بنك الخرطوم، مبينا أن بنك الخرطوم ظل المؤسسة المصرفية الوحيدة التي حافظت على استمرارية تقديم الخدمات المصرفية لكافة شرائح المجتمع، وذلك من خلال فروعه العاملة بمختلف أنحاء البلاد ومنصته الرقمية بنكك  وأكد التزام البنك بمواصلة تقديم كافة الخدمات بكفاءة وجودة عالية، مع الالتزام الكامل بالتقيد بالقوانين السودانية واللوائح والموجهات المصرفية تحت الإشراف المباشر لبنك السودان المركزي.

ويؤكد مجلس الإدارة أن بنك الخرطوم سيظل مبادراً في مقدمة الصفوف لأداء مسئولياته الوطنية بمهنية تامة وتلبية للإحتياجات المختلفة، وحرصاً على تحقيق تطلعات عملائه الكرام مهما تعاظمت التحديات. ونشر بنك الخرطوم على صفحته في فيسبوك اليوم الأربعاء رسالة تطمينية مفادها ” أن بنكك كان ولا يزال -وسيبقى- في خدمة سوداننا الحبيب، لا تلتفتوا للإشاعات! ثقتكم هي مصدر فخرنا، ونحن على عهدنا معكم؛ بتقديم خدمات مصرفية متميزة تلبي كافة احتياجات عملائنا الأعزاء في ربوع الوطن”.

Welcome

Install
×