رفض واسع وانتقادات لإنشاء النافذة الواحدة لتصدير الذهب

ذهب مهرب أعلنت السلطات ضبطه -اغسطس 2025-صفحة الشركة السودانية للموارد المعدنية على فيسبوك
بورتسودان: 28 أغسطس 2025م – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أثار القرار الذي أصدره مجلس السيادة الانتقالي بالرقم (106) لسنة 2025 بشأن إنشاء وتنظيم بيع وتصدير الذهب، جدلاً واسعاً في أوساط المصدرين والاقتصاديين.
ونص القرار على إنشاء بورصة رسمية باسم بورصة السودان العالمية للذهب، وتحديد مقرها في الخرطوم، مع إمكانية إنشاء فروع داخل وخارج البلاد.
وحدد القرار اختصاص البورصة بتنظيم عمليات بيع وشراء الذهب داخل السودان وخارجه، وتحديد سعر الذهب في السودان على أن يكون سعر البيع معتمداً من البورصة، إضافة إلى توفير منصة إلكترونية للتداول الدولي.
وشدد القرار على حظر بيع أو تصدير الذهب السوداني إلا عبر بورصة السودان العالمية للذهب، واعتبر أي بيع خارجها مخالفة يعاقب عليها القانون.
كما وجّه القرار بأن تقوم البورصة بتحديد سعر بيع الذهب السوداني بسعر تنافسي أقل من السعر العالمي، بهدف جذب المشترين والمستثمرين من جميع دول العالم، بما يضمن زيادة العوائد الاقتصادية للبلاد.
وجاء قرار إنشاء نافذة موحدة لتصدير الذهب في أعقاب قرار دولة الإمارات العربية المتحدة إيقاف صادر الذهب من السودان إلى أسواقها، في ظل التوتر المتصاعد بين الدولتين، عقب إيقاف الإمارات حركتي الطيران والسفن من وإلى السودان خلال اليومين الماضيين.
لكن القرار وجد رفضاً واسعاً من شعبة مصدري الذهب وانتقادات من بعض الاقتصاديين.
قرار كارثي
وصف رئيس شعبة مصدري الذهب، عبد المنعم الصديق عالم، قرار حكومة السودان بإنشاء النافذة السودانية الموحدة لصادر الذهب بـ”الكارثي”.
وقال عالم في حديث لـ”راديو دبنقا”: “إن القرار سيعمل على تدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني المتهالك، وسيعيد نفس تجربة النظام السابق (الإنقاذ) وسياساته الأخيرة التي أدت إلى تدمير الاقتصاد وانتشار الفساد في استغلال الموارد”.
وأضاف: “قلنا إننا يجب أن نتعظ بألا نسلك نفس النهج في تجربة المجرَّب. هذه التجربة ستؤدي إلى احتكار صادر الذهب لمجموعة معينة ستستأثر به، ما يفتح باب التهريب على مصراعيه، خاصة وأن السودان محاط بالعديد من الدول وحدوده مفتوحة ولا يمكن السيطرة عليها”.
وحذر عالم قائلاً: “عوضاً عن أن يستفيد المواطن والاقتصاد السوداني من الموارد المنتجة والمتاحة، ستتسرب إلى دول الجوار، وتكون النتائج كارثية، وسيدفع المواطن المغلوب على أمره مزيداً من الفقر والمعاناة”.
وأوضح: “طلبنا من رئيس مجلس الوزراء مراجعة هذه السياسات وعقد لقاء معنا لعرض ما نملك من خبرات وتجارب وخطط، يمكن أن تجعلنا جميعاً نستفيد من هذه الموارد”.
وأشار إلى أن الذهب أصبح المورد الرئيسي والحقيقي للاقتصاد السوداني، ويشكل أكبر صادرات البلاد.
قفزة في الفراغ
من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي والكاتب الصحفي كمال كرار أن قرار رئيس مجلس الوزراء، كامل إدريس، بإنشاء النافذة الموحدة لتصدير الذهب ليس جديداً، مشيراً إلى أن الفكرة طُرحت سابقاً في عهد وزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، خلال الفترة الانتقالية، حيث أقيمت المراسم والدعايات ذاتها لتعظيم عائدات الذهب.
وقال كرار في حديثه لـ”راديو دبنقا”: “إن النافذة الحالية صُممت بالطريقة ذاتها داخل الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس، لكنها تحولت إلى ما وصفه بـ(قفزة في الفراغ)”. وأضاف أن النقاش حول هذه النافذة جرى منذ ديسمبر 2024، لكنها بقيت “صفراً على الشمال”.
اسم بلا وظيفة
وأكد كرار أن إنشاء النافذة ليس حلاً لزيادة الصادرات أو منع التهريب، موضحاً أن دورها يقتصر فقط على تسهيل الإجراءات للمصدرين وتمرير العمليات عبر الوثائق الرسمية. واستبعد أن يكون المصدرون في حاجة إليها، لأنها – بحسب قوله – موجودة منذ عام 2020، مشككاً في أن تجد عملاء لها، وتوقع أن تظل مجرد اسم بلا وظيفة.
وأوضح أن المشكلة الأساسية تكمن في عقود التعدين ومنشورات بنك السودان المركزي، فضلاً عن الجهات المتنفذة في قطاع التعدين، التي قال إنها متعددة، وتربطها علاقات بجهات أمنية واستخباراتية ومليشيات. وأضاف أن هذه الجهات تجد في غياب الدولة فرصة لمواصلة تهريب الذهب عبر منافذ متعددة، لتفادي دفع الضرائب والعوائد للدولة، مؤكداً أن النافذة لن تعالج تهريب الذهب.
وأشار إلى أن القليل جداً من المصدرين يلتزمون بالضوابط، بينما الغالبية تتعامل بالتهريب “تحت سمع وبصر الجهات المعنية، بل وبواسطتها نفسها”. وأوضح أن أرقام صادر الذهب في الوثائق الرسمية لا تعكس حجم الإنتاج الحقيقي، إذ يُقدّر الإنتاج بـ260 طناً، بينما تظهر الوثائق حوالي 60 طناً فقط.
تحصيل حاصل
واعتبر كرار أن التجارب الاقتصادية العالمية تثبت أنه إذا وُجدت منافذ تهريب دون مخاطر جدية على المهربين، فإن التهريب يصبح أفضل من التصدير المنظم لتفادي الرسوم والضرائب. لافتاً إلى أن تعدد المنافذ في السودان يجعل النافذة الموحّدة تحصيل حاصل، خصوصاً في ظل الحرب وغياب الرقابة حتى على صادرات أخرى مثل الصمغ العربي والمواشي.
ولفت إلى أنه إذا كان الهدف حماية الذهب كثروة قومية، فيجب تعديل عقود الامتياز بحيث تصبح الدولة شريكاً بنسبة 51% مع المستثمرين، بما يضمن حقوقها في الإنتاج والتوزيع. لكنه انتقد غياب الدولة عن مواقع الإنتاج مقابل رغبتها في الحضور فقط عند التصدير، معتبراً أن ذلك “لن يضيف جديداً”.
وأشار إلى أن بعض دول غرب وجنوب إفريقيا وضعت قوانين منظمة لاستخراج الذهب وحددت حجم الإنتاج للحفاظ على احتياطياته للأجيال المقبلة. وأضاف أن معظم هذه الدول تعتمد اتفاقيات تنص على قسمة الإنتاج مناصفة بين الدولة والمستثمر.
وقال: “لكن في السودان يهيمن القطاع الخاص على الذهب بنسبة 100% باستثناء الضرائب”. وحذّر من أن استمرار هذا الوضع يهدد هذه الثروة غير المتجددة بالنفاد كما حدث مع البترول.
إشراف جهات مدنية
وطالب المحلل الاقتصادي كمال كرار بضرورة أن يخضع قطاع الذهب لإشراف جهات مدنية مثل وزارة المعادن، وبنك السودان، ووزارة المالية، باعتبارها حارسة للمال العام، بدلاً من سيطرة الجهات الأمنية والعسكرية. وشدّد على مراجعة الامتيازات والعقود التي مُنحت في عهد “النظام البائد” على أساس الولاء السياسي.
وأضاف أن أي إصلاح حقيقي لهذا القطاع مشروط بوجود وضع سياسي واقتصادي مستقر في السودان، بينما في ظل الحرب الحالية يبقى القطاع عرضة للنهب والفوضى.
وأكد كرار أنه حال جاء نظام سياسي مستقر، فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون إلغاء العقود القديمة وإبرام عقود جديدة مع مستثمرين حقيقيين، على أن تدخل الدولة مباشرة في الإنتاج عبر شركة حكومية، تحدد حجم الإنتاج السنوي، وتعرف حجم الاحتياطيات الفعلية.
ورأى كرار أنه من الأهمية الآن إنشاء بورصة داخل البلاد لتجارة الذهب وبيعه، وتحديد نصيب المستثمرين الأجانب والشركاء، بما يضمن عودة الفائدة على الاقتصاد الوطني.