تمديد مهمة بعثة تقصي الحقائق : إقرار دولي بخطورة الأوضاع في السودان

مؤتمر صحفي لبعثة تقصي الحقائق حول حقوق الانسان في السودان- جنيف-17 يونيو 2025- لقطة شاشة من تسجيل فيديو بموقع الأمم المتحدة-

أمستردام، الأربعاء 8 أكتوبر 2025م – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

توالت ردود الأفعال المؤيدة والناقدة لقرار اعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في جلسته اليوم الإثنين، برئاسة المندوبة الدائمة لسويسرا السفيرة يور قلوبر، مشروع القرار رقم A/HRC/60/L.18 الخاص بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان لمدة عام آخر، وذلك بأغلبية 24 صوتًا.

وبين ممارسات الأطراف المتقاتلة في عدم التعاون مع البعثة، ومنعها من الوصول إلى الحقائق، والتضييق عليها في عملها، وعدم تمكينها من الوصول إلى مواقع الأحداث وإجراء مقابلات مع الضحايا والشهود، يبرز دور الصحافة والمجتمع المدني.

فالأولى يُعتمد عليها بوصفها شاهدة عيان على الأحداث، في كل ما يُنشر ويُبث، باعتبارها أدلة موثقة يمكن للبعثة الاستناد إليها في تقديم البينات والوثائق. بينما يكمن دور المجتمع المدني في توفير المعلومات، والتعاون المباشر، وتسهيل الاتصالات للوصول إلى الشهود والضحايا.

الخطورة والضرورة

وفي هذا السياق، قال الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان، عمرو شعبان، إن التفويض الأخير للبعثة الدولية لتقصي الحقائق في السودان، المقر من مجلس حقوق الإنسان، لا يُظهر أي تغييرات جوهرية أو توسع في الصلاحيات مقارنةً بالتفويض السابق الصادر في أكتوبر 2023، إذ يتطابق التمديد الجديد مع التجديد الذي تم في عام 2024، وقرار الإنشاء الأساسي الذي صدر في أكتوبر 2023.

وأضاف في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن العنصر الأساسي الذي يمنح هذا التمديد مدلوله الحقيقي، هو كونه اعترافاً دولياً باستمرار حالة ما سماه بـ”الضرورة والخطورة” في السودان، مشيراً إلى أن البعثة لديها مهام تتعلق بالرصد والتوثيق للانتهاكات وحفظ الأدلة، “خاصة ونحن مقبلون على العام الثالث من الحرب العبثية، فبالتأكيد سيكون هناك حاجة إلى استمرار عملية الرصد والتوثيق، حتى وإن لم يكن لذلك تأثير مباشر على الوضع الميداني أو السياسي”.

وأرجع شعبان أهمية التمديد إلى ثلاثة أبعاد رئيسية في ظل استمرار التفويض، مشيراً إلى أن أولها هو استمرار عملية جمع الأدلة والبيانات والمعلومات، بوصفها الأدلة الوحيدة ذات المصداقية والموثوقية العالية بالنسبة للمجتمع الدولي.

وأضاف أن البعد الثاني يتمثل في حق البعثة في تقديم التوصيات بشأن أي مساءلة بعد التأشير على الطرف المنتهك، وتابع قائلاً: “بالطبع، الطرفان ارتكبا فينا ما ارتكبا من جرائم”.

أما البعد الثالث، فيتعلق بتحديد طبيعة الجرائم المرتكبة وتصنيفها، سواء كانت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية أو تطهيرًا عرقيًا أو انفلاتًا فرديًا أو هوسًا غير منطقي. وقال إن هذا النوع من الجرائم تستطيع البعثات من هذا النوع تحديده بناءً على الأدلة المتوفرة.

الإيجابي والسلبي في التمديد

ورجّح شعبان أن تمديد مهمة البعثة في هذا التوقيت يحمل أيضاً رسالة واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن حالة خطورة الأوضاع في السودان ما زالت تراوح مكانها، وأن الأوضاع الأمنية والإنسانية في تدهور مستمر.

وقال إن البعض ينظر إلى التمديد من بعدين: فهناك من يرى فيه جانبًا إيجابيًا، باعتباره مؤشرًا على استمرار الأزمة في السودان، وأهمية جمع الأدلة. بينما يعتبره آخرون قرارًا سلبيًا أو إجراءً روتينيًا ذا طبيعة رمزية؛ طالما أن هناك صراعًا، فلا بد من وجود البعثة واستمرار عملها، حتى وإن لم يكن لها تأثير فعلي.

وأضاف قائلاً: “هذا بالإضافة إلى البطء الشديد الذي يلازم عمل مثل هذه البعثات، نتيجة لعدم تعاون الأطراف المسيطرة، سواء من جانب الحكومة في بورتسودان أو من جانب قوات الدعم السريع في دارفور، وهو موقف يعيق ويبطئ عمل البعثة ويؤثر على أدائها، كما يحدث مع المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية”.

ولفت شعبان إلى أهمية النظر إلى الظروف التي عملت فيها البعثة الدولية لتقصي الحقائق، وما إن كانت قد قامت بواجبها على الوجه الأكمل. وتابع قائلاً: “نحن نتفق على أن عدم القدرة على الوصول الميداني يلازم المنظمات الإنسانية أيضاً، وهي نفسها تعاني من مثل هذه الصعوبات”.

ونوّه أيضًا إلى أن عدم التعاون الحكومي يمثل عقبة إضافية أمام عمل البعثة، مشددًا على أن نظرة السودانيين أنفسهم – سواء من الضحايا أو اللاجئين أو المهاجرين – تجاه عمل البعثة تتفاوت.

وقال: “بعض الناس ينظرون إلى عمل البعثة من منطلق انحيازاتها، فعلى سبيل المثال، إذا كنت أقف اليوم مع طرف من أطراف الحرب، فأنظر إلى تقاريرها أو تصريحاتها إن كانت تدين الطرف الذي أؤيده، نظرتي للبعثة ستكون سلبية، وأعتبر وجودها انتهاكًا للسيادة الوطنية وغيرها من المصطلحات الرنانة. وبالتالي أبحث عن إدانة لأدائها ووجودها في السودان”.

وأضاف: “بالمقابل، إن كانت تقاريرها تخدم الطرف الذي أؤيده، وذلك بإدانتها للطرف الآخر، فحينها ستكون نظرتي لها إيجابية، وتقييمي لها سيكون مختلفًا”.

البعثة كأمر واقع وضروري

وأشار شعبان إلى أن النشطاء والضحايا يتعاملون مع البعثة كأمر واقع وضروري، مضيفًا: “إذا كان المجتمع الدولي نفسه يتعامل معها كضرورة، فهذا لا يعني أننا راضون عنها، في ظل عدم وجود بديل، كما لا توجد آلية وطنية مستقلة وفاعلة وموثوق بها يمكن الاعتماد عليها في ظل التشتت القائم. وبالتالي، مع استمرار الفظائع، فإن البعثة الدولية تُعتبر ملاذًا آمنًا”.

وأكد أن تقارير البعثة تتمتع بشرعية دولية، باعتبارها صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وتُعد مرجعية أساسية في تصنيف الانتهاكات وتقييم الوضع، ولها قدرة على تحديد نوع الجرائم المرتكبة.

ولفت إلى أن وقف سفك الدماء في السودان مرهون بعدم الإفلات من العقاب، مؤكدًا أن تقارير مثل هذه البعثات تُعتمد لاحقًا عند تهيؤ الظروف لإجراء المحاكمات، سواء على مستوى القضاء الوطني أو الدولي. وأوضح أن وجود البعثة، وإن شابه بعض القصور أو بدا رمزياً، يظل ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، في ظل غياب آليات العدالة المحلية.

الصحافة منقسمة

وتطرق شعبان إلى الدور الذي يجب أن تقوم به الصحافة في هذه المرحلة، مؤكداً أن الصحافة الحرة والمستقلة تُسهم في إلقاء الضوء على الانتهاكات وتوثيق الجرائم التي تُرتكب في المناطق التي لا تستطيع البعثة الوصول إليها.

لكنه تساءل قائلاً: “هل ما زالت هناك صحافة حقيقية بعد ثلاث سنوات من الحرب؟”، مشيرًا إلى أن الصحافة في السودان باتت منقسمة بين معسكرين، في ظل انتشار فيروسي أو أميبي للمواقع الإلكترونية والمنصات الإعلامية، التي تنتمي إما إلى معسكر مؤيد لقوات الدعم السريع أو آخر مؤيد للقوات المسلحة السودانية.

واعتبر أن القنوات الإعلامية باتت مرتبطة بالسياسات الخارجية للدول المالكة أو التي تستضيف القناة أو الشركة التابعة لها، مشيرًا إلى أن الصحافة الحقيقية معنية أساسًا بتوثيق ورفض الانتهاكات، وتقديم الأدلة والمستندات بوصفها شاهدة عيان، أو من خلال الوصول إلى مصادر من العسكريين أو المعاشيين أو دوائر اتخاذ القرار للحصول على تسريبات أو وثائق أو أدلة.

وأكد على دور الصحافة في نشر الوعي ورفع صوت المطالبة بوقف الحرب، مبينًا أن الصحافة مرتبطة ارتباطًا وجوديًا وجدليًا بالمجتمع المدني السلمي والديمقراطي، وقاطعًا بأنها لا تنمو إلا في ظل مجتمعات ديمقراطية، ويُفترض أن ترفض الاصطفاف مع أطراف الحرب، بل أن تكون في معسكر الدفاع عن قيم المدنية، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، المرتبطة بشعارات الثورة السودانية.

من مربع الثورة إلى الحرب

وحذّر من أن انتقال الصحفي إلى معسكر “الدعم السريع” أو “الجيش” يعني أنه انتقل من مربع الثورة والدولة المدنية الديمقراطية إلى مربع الحرب. وقال: “بهذا يكون من فجروا الحرب قد نجحوا في نقلك من معسكر الثورة إلى معسكرهم، وهدموا بداخلك مشروع قيم الثورة السودانية، وبالتالي، أنت كصحفي، تصبح جزءًا من خيارات المكون العسكري، وتكون الثورة قد ماتت في داخلك”.

وخلص إلى أن المخرج الوحيد من هذا الوضع هو تكوين مجموعات إعلامية بديلة، والحصول على مساعدات من المنظمات المعنية بحرية الصحافة لإنشاء منصات مستقلة في هذه الفترة العصيبة.

وأضاف أن خيارًا آخر تم اللجوء إليه من قبل بعض الصحفيين المرتبطين بقوى سياسية، هو تحويل صحفهم الحزبية إلى صحف يومية وطنية تتناول الشأن السوداني عمومًا، بتخصيص نسبة 20% من إنتاجها اليومي من أخبار وتقارير وحوارات ومقالات لقضايا الشأن العام، مما يسهم في كسر دائرة التشويش والإشاعات، مع استقبال كتابات من أشخاص غير منتمين لنفس المشروع السياسي، لصالح تثبيت الحقيقة واستمرار الخصوبة الصحفية.

وأشار إلى أن منع الصحفي من العمل أو شطب اسمه من المؤسسات الإعلامية يمثل خصمًا كبيرًا عليه، لكنه أكد أن هذا هو الحد الأدنى من الجهد الذي استطاع الصحفيون تقديمه خلال هذه المرحلة الصعبة من الحرب، حفاظًا على المهنة.

بطء وعدم فاعلية عمل البعثة

من جهته، وصف رئيس منظمة سدرة العالمية في هولندا، محمد جمال الدين حامد، مهمة البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان بأنها “خطيرة وكبيرة”، لكنه انتقد أداءها في الوقت ذاته.

وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا” إن عمل البعثة بطيء وغير فعّال، ومعظم الناس لا يرون لها أثرًا على أرض الواقع، مشددًا على ضرورة تفعيل دورها لوقف أو الحد من “الانتهاكات البشعة” التي تحدث في جميع أنحاء السودان.

واعتبر أن التنسيق المطلوب بين الفاعلين المدنيين في الداخل والخارج يتطلب ضمان فاعلية التوثيق وتوصيل صوت الضحايا، من خلال شراكة تقوم على الثقة المتبادلة.

ونوّه إلى أهمية توحيد منهجيات التوثيق، بحيث تعتمد المنظمات على معايير موحدة لجمع الأدلة وحفظها، مع إنشاء منصات رقمية آمنة لتبادل المعلومات، بما يضمن سلامة الموثقين والضحايا.

ودعا إلى تحديد نقاط اتصال واضحة بين المجموعات المحلية التي تمتلك المعرفة الميدانية، والمنظمات الدولية التي تمتلك الخبرة القانونية والتقنية، لتحقيق التكامل وتجنب التكرار.

ورأى أن تدريب الكوادر المحلية على آليات التوثيق الرقمي وإدارة البيانات الحساسة يُعد خطوة ضرورية لتعزيز هذا التنسيق.

وختم قائلاً إن العمل المشترك يجب أن يقوم، على المستوى القيمي، على مبدأ “عدم الإضرار”، واحترام خصوصية الضحايا، وتمكينهم من التعبير عن روايتهم بكرامة، بحيث يكون صوتهم هو محور كل جهد توثيقي. وأكد أن هذا النوع من التنسيق المتوازن يضمن دقة المعلومات، ويحافظ على مصداقية القضية السودانية أمام المجتمع الدولي.

Welcome

Install
×