اسر نازحة من الفاشر تروي تجارب عنف مروّعة
طفل ففر مع اسرته من الفاشر الى طويلة تبدو على جسمه اثار الضرب والاصابات : مصدر الصورة :موقع للجنة الدولية للصليب الاحمر
طويلة : 19 نوفمبر 2025 :راديو دبنقا
بعد أشهر من القتال العنيف، اضطرت آلاف الاسر إلى الفرار من مدينة الفاشر خلال الأسابيع الماضية، ووصلت إلى مدينة طويلة، وقد أنهكها الجوع والإرهاق، وغالبًا دون أي متعلقات شخصية.
ووصف الفارّون من مدينة الفاشر هجماتٍ عنيفة ومشاهد من الذعر والرعب أثناء مغادرتهم المدينة. تتذكر جميلة إسماعيل، وهي أم لسبعة أطفال، لحظات من اليأس خلال بحثها المحموم عن ابنها عقب هجوم استهدف سوقًا محليًا، قائلة: “ظننتُ أنه ربما قُتل. بحثت عنه بين القتلى في السوق. كانت الجثث متناثرة في كل مكان. كان المشهد في السوق فوضويًا ومؤلمًا للغاية. كان البعض يبكي، ويتوسل لتلقي العلاج، لكن لم يهبّ أحد لمساعدتهم، إذ كان همّ الجميع إنقاذ من يعرفونهم. واصلت البحث عن ابني على أمل العثور عليه، لكنني لم أستطع.”
روايات مشابهة عن الموت
وفي نهاية المطاف، عثرت جميلة على ابنها إبراهيم حيًّا، لكنه كان مصابًا بجروح خطيرة. وقد نُقل إلى أحد المرافق الطبية القليلة التي ما زالت تعمل في المدينة. وبمساعدة أحد الجيران، تمكنت جميلة واسرتها من مغادرة الفاشر والفرار من العنف. وهم الآن في مدينة طويلة، حيث انضموا إلى آلاف الناجين الآخرين الذين يروون روايات مشابهة عن الموت والانتهاكات المروعة وفقدان الاتصال بأحبائهم.
كويلة مركز للاستجابة الإنسانية
تحوّلت مدينة طويلة سريعًا إلى مركزٍ للاستجابة الإنسانية في شمال دارفور، حيث تستقبل المخيمات المؤقتة المدنيين النازحين يوميًا من الفاشر. بيد أن الأوضاع الإنسانية في المدينة ما تزال شديدة الصعوبة، إذ تكافح الاسر للحصول على الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الطبية.
وتفيد فرق اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، التي تقدّم الدعم للوافدين الجدد، بأن تدفّق النازحين يزداد يوميًا، إذ يفر المدنيون من تصاعد أعمال العنف، وشحّ الغذاء، وانهيار الخدمات الطبية في المناطق التي فرّوا منها.

ظروفً قاسية
وفي هذا السياق، أشار حسين إبراهيم رسول، نائب منسق الأمن الاقتصادي في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان، إلى حجم الأزمة وجوانب الاستجابة الجارية قائلًا: “لقد اضطرت آلاف العائلات إلى الفرار من منازلها بسبب النزاع، ووصلت إلى طويلة التي تستقبل يوميًا موجات جديدة من النازحين. معظم الوافدين من النساء والأطفال وكبار السن، وهم يعيشون ظروفًا قاسية للغاية. لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ فهم يعانون الجوع والعطش والإرهاق والصدمات النفسية. كما أن بعضهم مصاب أو مريض، وكثيرون فقدوا الاتصال بأفراد عائلاتهم.”
مساعدات مالية لـ 10,000 اسرة
بدورها، كثّفت اللجنة الدولية للصليب استجابتها الإنسانية في طويلة لتلبية الاحتياجات الحيوية للمجتمعات المتضررة. وبالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني، قدّمت فرق اللجنة الدولية مساعدات مالية لـ 10,000 اسرة – أي نحو 60,000 نازح – وتعمل على توسيع نطاق الدعم ليشمل العائلات الوافدة حديثًا، ليصل إجمالي المستفيدين إلى نحو 12,000 أسرة إضافية – نحو 72,000 شخص.
7,000 شخص مفقود
يشمل الدعم بجسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقديم اللوازم الطبية الأساسية ومساعدات ميدانية إلى المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود والنقاط الصحية القريبة، بما في ذلك مواد التضميد، وحوافز للكوادر الطبية، ومساهمات في تكاليف التشغيل.
وسجلت اللجنة الدولية نحو 7,000 شخص مفقود على خلفية النزاع في السودان. كما يسرت ، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني، إجراء مئات المكالمات الهاتفية في طويلة لمساعدة الاسر على البقاء على اتصال بأحبائها.

يوم ضائع
وفي جنيف قال المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في أفريقيا باتريك يوسف، إن كل يوم يمر دون الوصول إلى الفاشر هو “يوم ضائع”، مؤكدا أن منظمته لا تحتاج فقط إلى تقديم المساعدة ومغادرة عاصمة شمال دارفور، بل إلى تقييم الوضع على الأرض “والاستماع إلى السكان هناك” مباشرة حول المعاناة التي مروا بها.
وقال يوسف في مؤتمر صحفي عقده في جنيف يوم الثلاثاء، إن اللجنة كانت تدق ناقوس الخطر منذ أشهر لإيلاء الاهتمام بالفاشر، وإن الوضع في المدينة وما حولها أصبح الآن “مأساويا للغاية”.
وأشار إلى أن فرق اللجنة الدولية للصليب الأحمر متفرقة في المناطق المحيطة – حيث يتحرك النازحون داخليا في اتجاهات مختلفة – ولديها وجود قوي في طويلة، حيث ستقدم في الساعات المقبلة مساعدات نقدية لـ 75 ألف شخص، وتوفر الإمدادات الطبية الأساسية والمساعدة التشغيلية للمستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود.
وقال يوسف إن المنظمات بحاجة إلى “مساحة إنسانية مناسبة لتتمكن من التواصل مع السكان، وليس مجرد تقديم المساعدة والمغادرة”. وأضاف: “لسنا منظمة خيرية، ولا الأمم المتحدة. ما نحتاجه هو الجلوس مع الناس لمعرفة مدى معاناتهم، تماما كما نفعل الآن في طويلة”
لا تنحدعوا
وأشاد المدير الإقليمي بالعمل الشجاع الذي تقوم به جمعية الهلال الأحمر السوداني، التي فقدت 27 من متطوعيها منذ بداية الصراع. وبينما ينصب التركيز على الفاشر، قال يوسف إن المطلوب هو “نهج يشمل السودان بأكمله”.
وقال: “لا تنخدعوا. الفاشر اليوم. بالأمس كانت الجزيرة. وقبل ذلك كانت أم درمان والخرطوم. ولذلك نحتاج إلى اتباع نهج يشمل السودان بأكمله وأن نوفر المساعدة والحماية بشكل مناسب على جميع الأصعدة”.
الازمة لم تنس، بل أُهملت تماما
وأضاف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتفاعل مع أطراف الصراف، وكذلك مع المجموعة الرباعية – التي تضم الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. ورحب بالمشاركة الأوسع، بما في ذلك من خلال الاتحاد الأفريقي، “لكسر حلقة الحرب المفرغة”، وأعرب عن أمله في التوصل إلى وقف إطلاق نار يسمح بوصول مزيد من المساعدات الإنسانية.
وقال يوسف إن الأزمة في السودان “لم تنس، بل أُهملت تماما”، وأعرب عن أمله في أن تربط كلمة السلام بـ”احترام المدنيين، لأن احترام المدنيين يعني تحويلهم من ضحايا إلى عوامل تغيير إيجابي”.



and then