صورة من المحكمة الجنائية الدولية عقب صدرو الحكم على كوشيب حقوق النشر لراديو دبنقا.

لاهاي : إبراهيم حمودة
الأربعاء 8 ابريل 2025 : راديو دبنقا

انفقت القاضية رئيسة الدائرة الأولى بالمحكمة الجنائية السيدة جوانا كورنر قرابة الساعة والنصف من الزمن لتلاوة حيثيات الإدانة بحق علي كوشيب، مؤشر لضخامة الملف الذي امامها والذي استغرق سنوات من اجمل اعداده لأجل هذه اللحظة.

في قاعة المحكمة جلست رئيسة المحكمة ومساعدوها من مختلف الاعمار في المنتصف. على يمينها فريق الاتهام وعلى يسارها المتهم علي كوشيب في بدلة رصاصية، شعر اشيب ونظارات طبية سميكة، احتل مقعده مؤخرة الفريق، علي يمينه ويساره اثنان من شرطة المحكمة بالزي الأسود وسلاحهما الفردي. مع ان المحكمة تقع في هولندا وفي لاهاي الا انها منطقة مستقلة ليس للشرطة الهولندية أي دخل بما يجري فيها في الداخل.

صمت رهيب ساد القاعة العمومية التي احتل الصف الامامي منها رجال الصحافة وجمهور غفير اغلبه من السودانيين الذين تقاطروا نحو مباني المحكمة منذ وقت مبكر من صباح الاثنين السادس من أكتوبر 2025 .
وصف الجرائم وتفاصيل الوقائع التي صاحبتها تبدو وكأنها فيلم طويل متخيل لقرى محروقة ورجال وأطفال يتم جمعهم وتكديسهم في مكتب صغير للشرطة قبل اقتيادهم لمنطقة خلوية وبدء اطلاق النار عليهم من قبل الجنجويد الذين احتازوا على العديد من التسميات وقتها: الفرسان، المجاهدين، البشمركة. ومن ثم المشي فوق الجثث التي سلبوها الحياة في انتهاك صريح لآدمية الضحية حيا وميتا.
كوشيب لم يكن يأخذ دور القائد المصدر للأوامر ولكنه كان يحمل سلاحا وفأسا استخدمها في قتل اثنين من عمد الإدارة الاهلية في منطقة مكجر.

علي كوشيب المدان من قبل المحكمة الجنائية الدولية خلال جلسة المحاكمة في لاهاي الهولندية - 6 اكتوبر 2025- المحكمة الجنائية
علي كوشيب المدان من قبل المحكمة الجنائية الدولية خلال جلسة المحاكمة في لاهاي الهولندية – 6 اكتوبر 2025- المحكمة الجنائية

وفي قمة الاستغراق في الانصات سردت القاضية الشكاوى مرقمة بحق كوشيب وإعلان أنه مذنب في 27 من التهم، وتم التغاضي عن التهم الأربع الأخرى لأن محتواها تم تجريمه في الشكاوى الأخرى بحقه.

في لحظة اعلان ادانة المتهم بهذه التهم تحس باحتشاد الاحاسيس في القاعة من خلال أوجه الحاضرين ونظرات عيونهم، جلال المحكمة وتوقيرها هو الذي منع الحضور بالتأكيد من الصياح والتهليل لصدور الإدانة. بجانبي جلس صحفي هولندي معروف يعمل لواحدة من كبريات الصحف، نهض منفعلا بعد انفضاض الجلسة وتوجه نحوي قائلا: حكم عظيم اليس كذلك؟ لحظتها أدركت أن العدالة والاحساس بتنفيذها أمر انساني بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة والشخص الذي ارتكبها.

قبل النطق بالحكم أمرت القاضية كوشيب بالوقوف، هب واقفا ببطء ظهره منحني قليلا ونظره مثبت نحو الأرض في مشهد وصف الأستاذ محمد عثمان، احد السودانيين الذين تحدثت اليهم، بأنه منكسر وذليل مقارنة بأيام ظهوره الأولى في جلسات الاستماع، حيث كان يتحلى بالبرود والنظرة الجامدة.
مؤكد أنه يعلم بأنه بعد النطق بهذا الحكم ستتبدل حاله من السيد المتهم الى المجرم، مما يعني عمليا نقله الى سجن عادي بدلا عن المخفر أو المحبس الوثير الذي ظل فيه طوال فترة الانتظار.

في الخارج انتشر الخبر بسرعة البرق وتناقلته قنوات الاخبار والسوشيال ميديا، وتفاوتت ردود الأفعال بحسب موقف الشخص أو الجماعة السياسي. السودانيون الذين تحدثت اليهم في المحكمة احدهم يشدد على تسليم كل المطلوبين، وآخر يتجاهل الأمر تماما. ضابط شرطة متقاعد قال لي أنه فقد الحماس لهذه المحكمة بسبب احباطه من الحكومة التي تكونت بعد الإطاحة للبشير وعملية الاحتضان والتطبيع التي حدثت من ثم مع الدعم السريع والعسكر، الأمر الذي جعل تسليم المطلوبين الكبار مثل البشير وعبدالرحيم محمد حسين واحمد هرون مستبعدا.

حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور وصفت كوشيب بأنه (ترسٍ) صغيرٍ في ماكينة الإجرام. قالت الحركة في بيان لها بهذا الخصوص، إن الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق المدان علي كوشيب يُعد انتصارًا للعدالة التي طال انتظارها، وإنصافًا لضحايا نظام المؤتمر الوطني.
ووصفت الحكم بأنه تاريخي، مطالبًة بالضغط على السلطات في بورتسودان لتسليم بقية المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، واتّهم السلطات هناك بتوفير الحماية والملاذ الآمن في تحدٍّ سافر لقرارات المحكمة.

من ناحية أخرى، في تصريح صحفي لحركة العدل والمساواة بتوقيع الدكتور محمد زكريا فرج الله على حكم المحكمة الجنائية الدولية بإدانة المجرم علي كوشيب. وصفت القرار بالانتصار للضحايا وللعدالة ولكن الحركة نسيت، او تجاهلت عن عمد من ان كبار قادتها العسكريين لا يزال مطلوبا للمحكمة الجنائية. وهو السيد عبدالله بندا.

رئيس وقائد حركة جش تحرير السودان ـ المصدر ـ موقع الحركة

من ناحيته أعلن الدكتور الهادي ادريس يحي حاكم إقليم دارفور عن حكومة تأسيس عن ترحيبه بالحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية اليوم، 6 أكتوبر 2025، بإدانة المدعو علي محمد علي عبد الرحمن (المعروف بعلي كوشيب)، بارتكاب سبعٍ وعشرين تهمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في مناطق مكجر وديليج وبنديسي و مناطق اخرى في وادى صالح خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2004.

وقال في بيان أصدره إن هذا الحكم يمثل انتصاراً للعدالة، وإنصافاً لضحايا دارفور الذين صبروا طويلاً طلباً للحق والمساءلة. وهو رسالة واضحة بأن الجرائم الجسيمة لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة وإن تأخرت فإنها لا تُهزم.
ويؤكد حاكم إقليم دارفور أن تحقيق العدالة الكاملة يستوجب تسليم جميع المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من قادة النظام البائد، والذين ما زال بعضهم يتمتع بالحماية من قبل السلطة القائمة في بورتسودان.

بناء على ردود الأفعال هذه، يمكن للمرء التوصل لخلاصة أن مسألة العدالة تخضع للمنظور السياسي لمحتواها. احد المحامين الذين استطلعت رأيهم في مقر المحكمة يخلص الى أن الحرب الحالية والانتهاكات الحاصلة فيها هي امتداد لانتهاكات الجنجويد التي تحولت لقوات الدعم السريع لاحقا والتي تم ضمها للقوات المسلحة بنص قانون صادر عن برلمان الرئيس السابق عمر البشير، قبل ان يعود البرهان لفك ارتباط هذه القوات مع الجيش.

في معسكرات النزوح كانت الفرحة كبيرة والارتياح واضح، واجمع معظم الأشخاص الذين استطلعهم راديو دبنقا في المعسكرات أن الخطوة القادمة هي التعويض المالي وجبر الضرر. يقول القانونيون انه بعد اصدرا العقوبة النهائية يمكن للمحكمة ان تحكم على كوشيب بالسجن والغرامة ومصادرة الممتلكات من اجل تعويض الضحايا. ولكن مسألة تعويض الضحايا وجبر الضرر عملية ضخمة وتتطلب إمكانية مالية كبيرة لا يمكن لموارد كوشيب ان تفي بها وأن تدخل الدولة يصبح أمرا واجبا.

قضاة الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية-6 اكتوبر 2025-المحكمة الجنائية
قضاة الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية-6 اكتوبر 2025-المحكمة الجنائية

من المؤكد من كل ردود الأفعال أن صدور الحكم بالإدانة على كوشيب أدى لسيادة مزاج شعبي عريض يدعو لملاحقة بقية المتهمين والقبض عليهم وتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية. الكثير من القانونيين مقتنعون بأن محاكمة المطلوبين في السودان في الظرف الراهن امر غير ممكن بسبب انهيار نظام العدالة في السودان وتركيز الجنرال البرهان للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يده كحاكم مطلق.

يجدر بالذكر ان القاضية كورنر ذكرت في قرارها وبشكل متكرر أسماء عبدالرحيم محمد حسين وزير الداخلية الأسبق وأيضا اسم السيد احمد هرون وزير الدولة بالداخلية وقتها وأيضا اسم حكومة السودان باعتبارهم المسئولين الحقيقيين عن هذه الجرائم.

في هذا الصدد قال المحامي عثمان صالح في حديث لراديو دبنقا: “إن الأدلة التي قادت إلى إدانة علي كوشيب، أمام المحكمة الجنائية الدولية هي كافية لإدانة أحمد هارون عبد الرحيم محمد حسين بنفس الجرائم التي ارتكبها علي كوشيك، مسألة المحاكمة والمحاسبة والمسائلة، أنا أفتكر إنه الآن بقت واضحة بالنسبة لكل الأشخاص، بس نحنا محتاجين تعاون أكبر. مع المحكمة الجنائية الدولية، على أساس إنه يتم القبض على المطلوبين وتقديمهم للمحاكمة والأدلة والشهود جاهزين على أساس إنه تكون فيه إدانات أكتر في مواجهة كل الأشخاص المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية”.

لاجئون سودانيون في إحدي معسكرات شرق تشاد – أرشيف

Welcome

Install
×