هل يرفع مجلس السلم والأمن الإفريقي تعليق عضوية السودان؟

مجلس السلم والأمن الافريقي- المصدر: موقع الهيئة القومية للاستعلامات المصرية
أمستردام – 31 يوليو 2025 – راديو دبنقا
سليمان سري
يعقد مجلس السلم والأمن الإفريقي اجتماعًا يوم الاثنين الرابع من أغسطس المقبل لمناقشة ملف السودان، وفقًا لإفادات مبعوث الاتحاد الإفريقي لدى السودان محمد بلعيش يوم الثلاثاء 29 يوليو. وجاء ذلك في اليوم نفسه الذي أصدر فيه المجلس بيانًا أعرب خلاله عن رفضه وإدانته لتشكيل حكومة “تأسيس”، داعيًا الدول إلى عدم الاعتراف بها، ومؤكدًا أن الجهات المعترف بها لديه في السودان هي مجلس السيادة والحكومة الانتقالية “إلى حين التوصل إلى ترتيبات توافقية تجسد تطلعات الشعب السوداني نحو العودة السلسة للنظام الدستوري”.

وكان الاتحاد الإفريقي قد جمّد عضوية السودان عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، مشترطًا عودة الحكم المدني كشرط رئيسي لرفع التعليق.
وقال رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس، خلال لقائه بلعيش، إن السودان استوفى شروط رفع التعليق عبر تشكيل حكومة مدنية من كفاءات مستقلة. فيما وصف المبعوث الأمريكي الحكومة الجديدة بأنها “مدنية كاملة الدسم”، مؤكدًا أنها تتكون من شخصيات مستقلة. كما أشار في تصريحه إلى أن الجيش “دحر التمرد”. وأثار البيان الإفريقي والتصريحات المرافقة لهما ردود فعل متباينة بين الخبراء والسياسيين والمحللين حول الموقف المتوقع من مجلس السلم والأمن الإفريقي في اجتماعه المقبل ومدى قانونية ما ورد في بيانه بشأن الاعتراف بمجلس السيادة والحكومة الانتقالية.
وسارعت الحكومة السودانية إلى الترحيب ببيان المجلس، وقالت وزارة الخارجية في بيان رسمي إن الاتحاد الإفريقي أكد اعترافه فقط بمجلس السيادة الانتقالي والحكومة المدنية الانتقالية التي تم تشكيلها مؤخرًا في بورتسودان، داعيًا المجتمع الدولي لعدم التعامل مع حكومة “تأسيس” الموازية.

هواجس وتعقيدات
قالت البروفيسور زحل محمد الأمين، أستاذة القانون الدستوري، لراديو دبنقا إن استمرار تعليق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي منذ أكتوبر 2021 يشكّل هاجسًا كبيرًا للحكومة، إذ يمس شرعية الوضع الدستوري ويحرم البلاد من موقعها الطبيعي كعضو كامل الحقوق في المنظمة القارية.
وأوضحت أن تعيين رئيس وزراء مدني وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة يمثلان خطوة أساسية نحو استيفاء شروط الاتحاد لرفع التعليق، لكنها شددت على أن الأمر لا يقتصر على إعلان حكومة مدنية، بل يتطلب قناعة الاتحاد بأن الشرعية قد عادت عبر ترتيبات توافقية وشاملة.
البروفيسور زحل الأمين:الأمر لا يقتصر على إعلان حكومة مدنية، بل يتطلب قناعة الاتحاد بأن الشرعية قد عادت عبر ترتيبات توافقية وشاملة.
دلالات وتوقعات
وأضافت البروفيسور زحل الأمين أن بيان الاتحاد الإفريقي في 29 يوليو، والذي رفض تشكيل حكومة موازية، قد يحمل إشارة إلى جدية النظر في طلب السودان لرفع التعليق. لكنها أكدت أن الموقف النهائي سيظل مرهونًا بمدى التزام الحكومة الانتقالية بقيادة إدريس بالمعايير التي وضعها الاتحاد، وبإمكانية الوصول إلى ترتيبات دستورية ضامنة للتوافق.
سيناريوهات محتملة
من جانبه، توقع الصحفي عثمان فضل الله، في حديث لراديو دبنقا، أن يركز اجتماع المجلس المقبل على الدفع نحو إيقاف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة وتوسيع قاعدة المشاركة المدنية، دون أن يصل بالضرورة إلى قرار مباشر بإعادة عضوية السودان. وأشار إلى تجارب مشابهة (مصر 2013، موريتانيا 2008) حيث اشترط الاتحاد انتخابات تنتهي بسلطة مدنية منتخبة قبل رفع التجميد.
وقال: “مع ذلك، قد يميل الاتحاد الإفريقي – في ظل ضغوط إقليمية ودولية – إلى تبنّي موقف مرن، عبر دعم الحكومة المدنية كإطار انتقالي، والمطالبة بخارطة طريق واضحة تنتهي بانتخابات، مع التأكيد على وقف الحرب وضمان وحدة الدولة”.
وأشار إلى أن استعادة العضوية قد تُربط بسلسلة خطوات قادمة، تبدأ بالاعتراف الدولي التدريجي بالحكومة المدنية، ونجاحها في توحيد الجبهة المدنية، ووقف التصعيد العسكري، ما يجعل القرار النهائي رهينًا بتوازنات السياسة أكثر من كونه استجابة إجرائية لتشكيل حكومة مدنية فقط.
عثمان فضل الله:”استعادة العضوية قد تُربط بسلسلة خطوات قادمة، تبدأ بالاعتراف الدولي التدريجي بالحكومة “المدنية
اعتراف وظيفي
أما المحامي حاتم الياس فرأى، في مقابلة مع راديو دبنقا، أن الاعتراف الصادر عن الاتحاد لا يمثل شرعنة كاملة لحكومة بورتسودان، بل هو اعتراف “وظيفي” يقتصر على تكليفها بمهام محددة، وعلى رأسها استكمال عملية الانتقال المدني. واعتبر أن أنصار الحكومة يبالغون في تفسيره كاعتراف شامل، مؤكدًا أن الفرق بين الاعتراف الوظيفي والكامل جوهري في القانون الدولي.
“المحامي حاتم الياس :”لاعتراف بحكومة بورتسودان وظيفي وليس شرعنة كاملة
خلفيات رفض حكومة “تأسيس”
قال المحامي والكاتب حاتم الياس إن موقف الاتحاد الإفريقي الرافض لحكومة “تأسيس” يعكس إشكالية تاريخية تتمثل في مخاوف الحفاظ على وحدة أراضي الدول الإفريقية على حساب مبادئ تقرير المصير وحقوق الشعوب.
وأضاف: “هذه الحساسية تجعله يتعامل بحذر مع أي وضع قد يُفهم على أنه مدخل لانفصال أو تمرد داخلي، حتى لو ارتبط بمطالب إنسانية عاجلة أو بمتطلبات التحول الديمقراطي”.
وأشار الياس إلى أن الاتحاد الإفريقي، رغم موقفه المتحفظ من حكومة “التأسيس”، لا يملك عمليًا منعها من ممارسة سلطاتها إذا استطاعت فرض وجودها على الأرض وبناء مؤسساتها، مستشهدًا بتجارب مثل جمهورية الصومال التي تتعامل دوليًا رغم محدودية الاعتراف بها، والجمهورية الصحراوية التي تحظى بمقعد داخل الاتحاد الإفريقي رغم افتقارها لمقومات الدولة الكاملة.
انتقادات وتناقضات
انتقد الخبير الإعلامي د. خالد عبده دهب ، في مقابلة مع راديو دبنقا، ما وصفه بتناقض الاتحاد، إذ علّق عضوية السودان عقب انقلاب 2021 ثم عاد ليصف حكومة بورتسودان بالشرعية. واعتبر أن ذلك يضع الاتحاد في موقع غير محايد، مما قد يضعف قدرته كوسيط مقبول في الأزمة.
وأشار د. دهب إلى أن الاتحاد الإفريقي لم يعلن رسميًا، حتى الآن، عن إعادة عضوية السودان، ما يعني أن وصفه لحكومة بورتسودان بأنها “شرعية” لا يستند إلى مرجعية قانونية واضحة وفق ميثاقه الخاص، مضيفًا: “الحكومة الموجودة في بورتسودان، حسب لوائح الاتحاد الإفريقي نفسه، جاءت عبر انقلاب على حكومة شرعية، ولا يمكن أن تصبح فجأة هي الجهة الشرعية الوحيدة المعترف بها”.
واعتبر أن موقف الاتحاد الإفريقي يجعله طرفًا غير محايد في الصراع السوداني، محذرًا: “إذا مضى الاتحاد الإفريقي في هذا الطريق، فإن أي جهود وساطة مستقبلية منه لحل الأزمة السودانية ستُقابل بالرفض من أحد أطراف النزاع، باعتباره لم يعد طرفًا محايدًا.”
الخبير الإعلامي الدكتور خالددهب:”بيان الاتحاد الافريقي يضعه في موقع غير محايد، مما قد يضعف قدرته كوسيط “مقبول في الأزمة.
صفقة سياسية
أما القيادي البعثي د. أحمد بابكر فرأى أن الاعتراف بحكومة إدريس كان جزءًا من “صفقة سياسية” تهدف لإعادة السودان إلى الاتحاد الإفريقي وتقديمه لاحقًا للمجتمع الدولي كحكومة شرعية، لكنه وصفها بأنها مجرد “ديكور مدني” لسلطة انقلابية.
وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا” إن بيان الاتحاد الإفريقي احتوى على تضارب واضح، حيث أدان تشكيل حكومة “تأسيس” لكنه اعترف في المقابل بالمجلس السيادي الانتقالي والحكومة المدنية المعينة حديثًا برئاسة د. كامل إدريس، وهو ما يتناقض – حسب قوله – مع ميثاق الاتحاد نفسه، الذي يرفض الاعتراف بأي سلطة قائمة على انقلاب عسكري.
وفسّر د. بابكر هذا التناقض في البيان الأخير بوجود صراعات داخل أروقة الاتحاد الإفريقي نفسه، معتبرًا أن البيان هو نتيجة مباشرة لتوازنات القوى بين الدول الأعضاء في المنظمة الإقليمية تدفع في اتجاهات متعارضة.
وقال إن الاتحاد الإفريقي سيكون مجبرًا في النهاية على التعامل مع طرفي الحرب معًا، لأن الحلول في مثل هذه النزاعات لا تتم إلا عبر إشراك الأطراف المتحاربة. وحذر من أن الانحياز لطرف سيجعل الآخر يرفض أي وساطة.
من جهته، قال السفير جمال إبراهيم لـ”راديو دبنقا” إن الأولى كان رفع تجميد السودان قبل الإدلاء بهذه المواقف.
الدكتور أحمد بابكر:”البيان الأخير بوجود صراعات داخل أروقة الاتحاد الإفريقي”
ضغوط وتوازنات
في المقابل، وصف أسامة سعيد، القيادي في تحالف “تأسيس”، في تدوينة على منصة “إكس”، بيان مجلس السلم والأمن الإفريقي تجاه حكومة “تأسيس” بأنه حاد ولا يمكن فصله عن ضغوط إقليمية مؤثرة داخل أروقة الاتحاد الإفريقي.
وقال إن بعض فقرات البيان تمثل انحرافًا عن روح ميثاق الاتحاد ومبادئه الثابتة وقراراته، مشيرًا إلى ما ورد فيه من إشارة إلى الاعتراف بمجلس السيادة الحالي في بورتسودان.
من جانبه، قال الباشا طبيق، مستشار قائد الدعم السريع، إن البيانات الصادرة عن مجلس السلم والأمن الإفريقي والجامعة العربية تؤدي إلى تعقيد الأزمة السودانية وإطالة أمد الحرب.
وتظل جميع الأطراف في انتظار ما يسفر عنه اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي المزمع انعقاده يوم الاثنين المقبل.