تقرير “الطلقة الأولى”: خطاب الكراهية في السودان يتحول إلى سلاح موازٍ للحرب

كمبالا – 31 يوليو 2025-راديو دبنقا
أوصى مركز كادن للعدالة وحقوق الإنسان في تقرير جديد بسن قانون وطني يجرّم خطاب الكراهية بوضوح.
وأكد المركز، في التقرير الذي أصدره أمس بعنوان الطلقة الأولى، والذي يرصد يرصد فيه تصاعد خطاب الكراهية في السودان خلال الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، ضرورة توسيع ولاية الآليات الدولية، مثل بعثة تقصي الحقائق والمحكمة الجنائية الدولية، لتشمل خطاب الكراهية كجزء من منظومة الجرائم المستمرة.
ودعا إلى تمكين المجتمع المدني من رصد الانتهاكات والتوعية بمخاطرها.
وشدد التقرير على إلزام منصات التواصل الاجتماعي بتطوير خوارزميات فعّالة لمكافحة المحتوى العدائي في السودان.
وحذر التقرير من تحول خطاب الكراهية إلى “أداة خطيرة تغذي العنف وتشرعن التمييز وتمهد لانتهاكات جسيمة”.
واعتمد على تحليل 337 حالة منشورة علنًا خلال يونيو 2025 على منصات إكس (تويتر سابقًا)، فيسبوك، وتيك توك، باستخدام أدوات تحليل علمي (SPSS وNVivo).
ساحة حرب رقمية موازية
كشف التقرير أن المنصات الرقمية أصبحت ساحة حرب موازية للصراع الميداني، حيث تتكرر أنماط التحريض، التخوين، نزع الإنسانية، والدعوات الصريحة للقتل والإبادة. ورغم أن الخطاب الأخطر لم يتجاوز 105 حالات، إلا أنه حقق أعلى نسب التفاعل والمشاهدة، متجاوزًا 820 ألف مشاهدة.
وفي المقابل، ورغم أن منصة إكس سجلت أكبر عدد من الحالات (145)، إلا أن تيك توك تفوقت من حيث التأثير، إذ جمعت أكثر من 737 ألف مشاهدة و80 ألف تفاعل عبر 66 حالة فقط، ما يبرز قوة الفيديوهات القصيرة في جذب الشباب وتسريع انتشار الكراهية.
من هو المستهدف؟
بيّن التقرير أن الجماعات العرقية كانت الأكثر استهدافًا، وعلى رأسها الزغاوة والمساليت والفور، الذين وُصفوا بالدخلاء والخطر على الدولة. كما شمل الخطاب الرزيقات والمسيرية باعتبارهم “حواضن للجنجويد”، إضافة إلى سكان كنابي الجزيرة الذين جرى نزع سودانيتهم.
كما طالت الكراهية القوى السياسية، مثل قوى الحرية والتغيير التي وُصفت بالخيانة، مع دعوات صريحة لقتل أعضائها، إضافة إلى الإسلاميين (الكيزان) الذين صُوروا كـ”سرطان” يجب استئصاله. حتى حزب الأمة والتيارات المدنية لم تسلم من السخرية والتخوين.
ولم يقتصر الأمر على الأفراد والجماعات، بل وصل إلى المناطق الجغرافية، حيث ظهرت دعوات إلى “دك مدينة الضعين”، و”تفكيك الكنابي”، وحتى “فصل ولايات نهر النيل والشمالية عن السودان”.
من ينتج الخطاب؟
وفق التقرير، فإن الخطاب العدائي يُنتج من أطراف متعددة، حيث يركز أنصار الجيش يركزون على شيطنة الدعم السريع وبعض قبائل دارفور. بينما يطرح أنصار الدعم السريع خطاب “الهامش ضد المركز” ويستهدفون الجيش والنخب النيلية. أما أنصار الحركات المسلحة فيستخدمون سرديات “الأصليين ضد الوافدين”. بدورهم ينتج مواطنون غاضبون خطابًا عاطفيًا متطرفًا يعكس الألم والمعاناة.
آثار مدمرة
يحذر التقرير من أن هذا الخطاب يساهم في تفاقم العنف عبر تصوير القتل كحل مشروع، شرعنة التمييز بإعادة إنتاج ثنائيات “المواطن الكامل” مقابل “الدخيل”. وتبرير الانتهاكات من خلال وصم الجماعات بالخيانة أو النجاسة.
فراغ قانوني
أشار التقرير إلى أن خطاب الكراهية يمثل خرقًا للعديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التمييز العنصري. لكن القانون السوداني لا يتضمن نصوصًا كافية لتجريم خطاب الكراهية، مما يتيح للأطراف المتحاربة استغلاله دون رادع.
خاتمة
خلص تقرير “الطلقة الأولى” إلى أن مواجهة خطاب الكراهية لم تعد مسؤولية أخلاقية فحسب، بل ضرورة قانونية وأمنية ومجتمعية، مؤكداً أن أي سلام مستدام في السودان يبدأ من كبح هذه اللغة المدمرة التي تحول الكلمات إلى رصاص، والخصومة السياسية إلى حرب وجودية.