الناقد المسرحي السر السيد لـ(راديو دبنقا): خطاب الكراهية صنع الحرب وأصبح وقودها

الناقد المسرحي السر السيد - مصدر الصورة ( صفحته على فيسبوك)

-الأعمال الخاصة بالحرب وقضاياها المُعقدة ليست في مُخيلة الدرامي السوداني

-انحياز الفنان للشعب يُمكنه من القيام بتنويره بمخاطر الحرب وأهداف الطرفين المتحاربين وعدم اتساقها مع مطالبه

-خطاب الكراهية خطاب مؤسسي صنعته القوى السياسية الحديثة!!

في إطار حُوارات (راديو دبنقا) مع الناشطين والفاعلين في المجتمع السوداني بعيداً عن السياسة وقريباً منها، جاءت هذه المقابلة الخاصة من الناقد المسرحي والإذاعي المعتق الاستاذ السر السيد، حيث حكى لـ(دبنقا) مسيرته خلال الحرب، وناقش بعمق دِلالات خطاب الكراهية ودور الفنانين والمثقفين في وقف الحرب.

حوار: أشرف عبد العزيز

*اين وجدتك الرصاصة الأولى للحرب؟

وجدتني الرصاصة الأولى لهذه الحرب وأنا خارج منزلي بالثورة الواحة غرب والتي تقع بين (الأبراج) و(الصينية)، وكنت متجهاً في ذلك الوقت للإذاعة القومية التي أعمل بها، وأنا في طريقي للإذاعة سمعت من المواطنين بأن هناك شيء ما و(حاجة غريبة)، اتصلت بزميلي المخرج شكر الله خلف الله الذي كان متواجداً بمقر الإذاعة وقتها، وأفادني على ما أذكر بأن هناك (حاجة غريبة) وأن قوات الدعم السريع المسؤولة عن حماية الإذاعة طلبت من الزملاء المتواجدين مغادرتها، وأنهم بالفعل بدأوا في تنفيذ أوامرها وغادروا مباني الإذاعة.

هذه هي الإرهاصات الأولى للحرب، فالرؤى لم تكن واضحة، والحركة كانت عادية وحركة الموصلات طبيعية، ولكن رويداً رويداً اتضحت الحقيقة واتسعت رقعة الحرب، وبعد ثلاثة أشهر شددت الرحال إلى عطبرة وهي موطني الأصلي وهناك واصلت نشاطي الثقافي واندمجت مع المنتديات (المدني – الثقافي – نادي الوطن- السيالة).

هذه المنتديات نشطة وفعالة وقدمت وما زالت تقدم الكثير.. وأخيراً كانت وجهتي إلى العاصمة اليوغندية كمبالا التي وصلتها يوم 11 يناير الماضي، ولن اعتبرها وجهة أخيرة فما زلت أستكشف الأوضاع في كمبالا، وإذا وفقت أوضاعي سأمكث فيها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أو أعود إلى السودان مهما كانت الظروف.

*هذه الحرب أوجدت مناخاً نما فيه خطاب الكراهية، هل تعتقد أنه نتاج لضروراتها أم لتراكمات متجذرة في نفوس السودانيين بسبب جدل الهوية؟

الحرب لم توجد مناخاً لنمو خطاب الكراهية، خطاب الكراهية والحرب حليفان يُكملان بعضهما البعض، خطاب الكراهية أجج الحرب لكنه لم يصنعها. إذا بحثنا عن خطاب الكراهية سنجد انه خطاب مؤسسي صنعته القوى السياسية الحديثة التي تسمي نفسها بـ (النخب)، ممثلة في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والفنانون والأدباء وجميع من ينتمون لهذه القوى. المواطن (العادي) قد يتداول خطاب كراهية لكنه ليس بصانعه، أنظر إلى الحركة السياسية منذ تأسيسها وإلى الآن كيف تخاطب بعضها مثلاً يصفون الإخوان المسلمون بـ(إخوان الشياطين) وأحزاب الاتحادي والأمة بـ(الرجعية) والحزب الشيوعي (الحزب العجوز) وغيرها من الألفاظ (انتهازي) و(عميل). مثل هذه الألفاظ أيضاً لا تقال في إطار وصفها التشخيصي المباشر وإنما لاغتيال الشخصية. موضوع خطاب الكراهية تولد داخل المؤسسات الحزبية وبعد ذلك انتقل إلى السلطة وتجسد في الدولة، السلطة الآن هي الصانعة والمعبرة عن خطاب الكراهية، حقيقة الناس لا تستطيع أن ترى ذلك.

خطاب الكراهية بأبعاده العنصرية ومستوياته اللفظية والمادية لا يصنعها المواطن، ولذلك لن نقول (الحرب أوجدت مناخاً نما فيه خطاب الكراهية، وإنما تصاعد خطاب الكراهية إلى أن صنع الحرب وأصبح الوقود الذي يغذيها) كذلك لا علاقة لذلك بالهوية (هذا من دارفور أو الشمال أو الشرق …الخ) لا توجد هوية ثابتة في الأصل أو منفصلة عن الشروط عن المادية والاقتصادية. لا يوجد نقاء أصلاً. مثلاً الآن مبرر قطع الاتصالات مع السودان.. لأن الشبكة (مقطوعة) في دارفور مبرر غير موضوعي.. فهل سكان دارفور كلهم دارفوريين أو سكان نهر النيل ينتمون لنهر النيل فقط! هذا خطاب جغرافي غير موفق، الشعب اختلط والآن يتجه نحو الهوية العامة.. لكن صناع خطاب الكراهية والمتاجرين بمثل هذه المسائل يحاولون دوماً تقليب المفاهيم والأفكار.

*حتى الآن لم يقدم الدراميون اي أعمال من شأنها وقف الحرب. هل يخافون من التصنيف أم غيبتهم ظروف الحياة وكسب العيش؟

عندما نتحدث عن الدراميين ودورهم في الحرب، هناك ملاحظات لا بد من الوقوف عندها، منذ (الألفينات) وإلى الآن.. الأسئلة الكبيرة التي تتعلق بالحروب والقضايا الأساسية لحقوق الإنسان. الدراما ليست نشطة تجاهها أو خائضة فيها ويظهر ذلك من خلال الأعمال التي تُقدم الآن. موضوع الأعمال الخاصة بالحرب وقضاياها المُعقدة ليست في مخيلة الدرامي ونسبة للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد إذا لم يجد الدرامي داعماً للعمل لن يقدم عليه، وفي الغالب مُعظم (الدراميين) فقراء، هناك عامل آخر هو عدم توفر المناخ للعمل (المسارح – البيوت – الشوارع) محتلة بالذات في المدن التي تدور فيها الحرب فضلاً عن الولايات المستقرة (نهر النيل – الشمالية) التي منعت السلطات الدراميين فيها تقديم أي أعمال عن الحرب.

*لماذا يتخوف الفنانون من الوقوف في محطة الحياد ويؤثرون دعم أحد طرفي النزاع؟

لماذا ينبغي على الفنان ان يكون محايداً؟ على الفنان ان يتخذ موقفاً واضحاً من قضايا الراهن، ليس بالضرورة أن ينحاز لجهة، لكن من رؤاه العامة (نسبياً) قد يرى أن هناك طرف هو الأقرب إلى الحقيقة وعليه مساندته، ليس ملزماً أن يكون المثقفين والفنانين محايدين، أما في وضع الحرب هناك طرف (مخفي) وهو الطرف الذي ينبغي للفنان الانحياز له، والطرف الخفي في هذه الحرب هو الشعب وهو غير متفرج كما يتوقع البعض، انحياز الفنان للشعب يمكنه من تنوير الشعب بمخاطر الحرب وأهداف الطرفين المتحاربين وعدم اتساقها مع مطالبه، وهنا يستطيع الفنانون تكوين جبهة شعبية مؤثرة في وقف الحرب بدلاً من اللجوء إلى جهات دولية فهي مع أهميتها ليست أكثر تأثيراً من الدور الشعبي، وأقول حتى الآن الشعب مُغيب عن كثير مما دار ويدور في هذه الحرب ودور الدراما مفقود في التوعية والتنوير بالمخاطر بل معدوم تماماً.