المبادرة الأمريكية لتوصيل الإغاثة في المنطقتين.

غض النظر عما اذا كانت المبادرة الامريكية لتوصيل الاغاثة للمنطقتين في جنوب كردفان و النيل الأزرق تعتبر مبادرة تصب في خانة الحكومة او المعارضة

 

بقلم  / عمر قمرالدين إسماعيل   

 

غض النظر عما اذا كانت المبادرة الامريكية لتوصيل الاغاثة للمنطقتين في جنوب كردفان و النيل الأزرق  تعتبر مبادرة تصب في خانة الحكومة او المعارضة، فان المراقب لا يملك الا ان يري محاولات تسييس الامر من الجانبين مما يضيع الفرصة علي الروية الواضحة للنجاحات او الإخفاقات المُحتملة للمبادرة  و من ثم تقييمها بموضوعية. 
فالحكومة قد رأت في قبولها للمبادرة الامريكية كرتاً رابحاً يَصْب في خانة تفاوضها مع الادارة الامريكية حول رفع العقوبات الجزئي اذ انها و من البداية قد ركزت علي هذا الامر و لم تَر في تفاوضها مع الحركة الشعبية في عديد الجولات الا طاولة جانبية للتفاوض الرئيس مع الادارة الامريكية. و بما ان الحكومة قد استعملت الاغاثة كوسيلة ضغط علي المجتمع الدولي اتباعا لسياستها الثابتة في استعمال سلاح التجويع دون مراعاة لحقوق الانسان، فلا غرابة في انها بقبولها لتوصيل الاغاثة قد كسبت جانباً من المجتمع الدولي و الذي أهمل النظر إلي سجل الحكومة في الانتهاكات و العنف غير المبرر. 
فاهتمام المجتمع الدولي بالملف الإنساني هو الاخر يخضع لمنطق الاستفادة من رافعة الوضع المزري علي الارض للضغط علي الحكومة فيما يليه – اي المجتمع الدولي – من مكاسب و التي هي ليست بالضرورة لصالح المتضررين من شعوب السودان. 
و اذا نظرنا إليّ جانب الحركة و التي شاركت في كل جولات التفاوض المشار اليها بنية كسب الوقت وتسجيل النقاط علي نظام عرف العالم بسجله الإنساني المخزي، عوض ان تحاول وضع استراتيجية للتفاوض تفضي لوضع الحكومة في خانة الدفاع. فالحركة تعاني من إشكالات هيكلية و قصرت قياداتها عن الاختراق الدبلوماسي و السياسي في بنية قاعدة قوية من مؤيديها في المنطقتين اضافة للمعارضة التي تشاركها فلسفة السودان الجديد و التي تعد في فهم الكثيرين التربة الخصبة للتحول الديموقراطي و وقف نزيف الدم بالبلاد. فهي في نزاعها مع الحركات الدارفورية حول أحقية قيادة التحالف المسمي بالجبهة الثورية – و التي أصبحت جبهةً صورية – فقدت رصيداً محفزاً في الهامش علاوة علي ضعف حليفها المعتمد في جنوب السودان و دخول عمقها الجنوبي في دايرة الخلاف الماحق و من ثم الحرب الأهلية. وهكذا تركت الحركة الشعبية الشمالية الباب مشرعاً لتهب عليها رياح التساؤلات الكبيرة حول شرعية القيادة من جانب قواعدها في المنطقتين و الشكوك التي ساورت قطاعاً مقدراً من هذه القواعد في أهلية القيادة للتحكم في دفة المسار المستقبلي للمنطقتين و من ثم السودان علي إطلاقه. فتمسك الحركة بفرض نسبة من الاغاثة تمر عبر اصوصا إليّ اجزاء من المنطقتين، و ان بدا ان له ما يبرره في سبيل التحكم في جزء من حركة العون الإنساني، الا انه في ضوء المستجدات الدولية و الإقليمية يبدو الامر كأنه محاولة للتعلق بأمل قد يعيد المجتمع الدولي للتفاعل الإيجابي مع الحركة و تحريك ملف التفاوض علي ضوء خارطة الطريق المتعثرة. 
و هكذا نجد ان توصيل الاغاثة قد أضحي عظمة نزاع حول القضايا السياسية و اركس الجانب الإنساني إليّ خلفية الموقد، مما أضر بمحاولات فتح كوة للضوء في هذا الظلام الدامس. 
في هذه اللحظات التي يبدو فيها ان ظهر الحركة قد استند علي الحائط، لا تزال هناك فرصة لها للدخول في محاولة التشبيك مع المجتمع الدولي بقبول العون الإنساني علي علاته و التركيز علي ما يليه في نقطتين:
١- الأولي هي الذهاب إليّ التفاوض حول وقف العدائيات تمهيدا لوقف إطلاق النار الدائم المفضي الي عملية السلام الشامل، وفق استراتيجية واضحة تاخذ في الاعتبار تطلعات عضويتها و امال حلفائها و…
٢- التركيز علي ٥+١ و هي عملياً اضافة بند التحول الديموقراطي و قضايا الحوكمة و التي تعتبر البند السادس المضاف للبنود الامريكية الخمس و التي ستراقب فيها الادارة الامريكية اداء حكومة السودان فيما يتعلق برفع العقوبات. 
فبالرغم من ابتهاج نظام الخرطوم بالرفع الجزئي و اشتراطاته، الا ان هناك سانحة للحركة – و المعارضة عامة –  في تحدي النظام داخلياً في مناطق سيطرة الحركة و في السودان عامة و إجباره علي التعامل بالحسني علي صعيد الاحتجاجات المتواترة و وقف العنف و المطالبة بحقوق الأفراد و الجماعات لوضع النظام في المحك، و محاولة افشال خططه بالمرور بسلام في فترة الستة أشهر القادمة دون دفع استحقاقات تخفيف العقوبات. هذا علاوة علي الضغط الدبلوماسي و الذي رأينا ملمحاً منه في خطاب الحركة لبعض أعضاء مجلس الأمن الدولي، وإلا، فان الزمن في تسارع و سنقف امام الامر الواقع في أواسط يونيو في مواجهة ادارة ترامب المتخبطة والتي لا يعلم الا الله من أين والي أين ستهب رياحها القادمة.