الذكاء الاصطناعي والشباب السوداني: فرصة العبور إلى المستقبل

الشباب السوداني والذكاء الاصطناعي

صورة جرى توليدها بالذكاء الاصطناعي لشباب سودانيين يستخدمون الحواسيب


راديو دبنقا – أمستردام، 17 يونيو 2025م

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشكل فيه ملامح الحياة اليومية من جديد، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أعمدة المستقبل الذي يُعاد بناؤه الآن. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة نظرية أو ترفٍ تقني، بل أصبح لغة العصر، وأداةً سترسم ملامح موقع الأفراد والمجتمعات على خارطة التطور. فكيف يمكن للشباب السوداني أن يكون جزءاً من هذا التحوّل؟ وما التحديات والفرص التي تنتظره؟

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

قالت د. حنان الهادي، الناشطة في مجال منظمات المجتمع المدني، في حديثٍ لراديو دبنقا، إن الذكاء الاصطناعي هو قدرة الأنظمة الرقمية على “التفكير” واتخاذ قرارات تُشبه تلك التي يتخذها الإنسان، من خلال تحليل البيانات والتعلّم منها. وأوضحت: “نُعلِّم الآلة كيف تتعلم، فتنفذ مهام مثل الترجمة، التحليل، الكتابة، بل وحتى المحادثة، دون أن نوجّهها خطوة بخطوة.” ووصفت هذا التطور بأنه “ثورة في طريقة التعامل مع التكنولوجيا، من استخدام الآلة إلى الشراكة معها.”

الشباب السوداني والذكاء الاصطناعي: أين نحن من العالم؟

قالت د. حنان إن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت مكوّناً رئيساً في قطاعات التعليم، الصحة، الزراعة، والاقتصاد العالمي، إلا أن استخدامها في السودان لا يزال محدودًا، وغالباً ما يقتصر على تطبيقات بسيطة مثل الترجمة أو بعض أدوات التعلُّم الإلكتروني والتسويق الرقمي. وأكدت أن هذا التأخر لا يجب أن يُفهم كعائق، بل كـ”فرصة ذهبية” للشباب السوداني لصنع الفارق وابتكار حلول تلائم واقعه المحلي.

كيف يمكن للشباب السوداني الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي؟

شدّدت د. حنان على ضرورة اعتماد الشباب السوداني على التعليم الذاتي، مشيرةً إلى توفُّر آلاف الدورات المجانية على الإنترنت، بالعربية والإنجليزية، في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. وأكدت أن بإمكان أي شاب أن يبدأ رحلته من هاتفه المحمول فقط.

ونوّهت إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات المحلية، مثل إدارة الزراعة الذكية، وتطوير التعليم في المناطق النائية، وتنظيم البيانات الصحية. ودعت إلى ربط الجامعات والشباب السوداني بالمؤسسات العالمية التي تقدم التدريب والدعم الفني، ما يعزز فرصهم في هذا المجال.

عقبات تواجه توطين الذكاء الاصطناعي في السودان

أشارت د. حنان إلى أن أبرز التحديات تشمل ضعف البنية التحتية الرقمية، وخاصة من حيث سرعة الإنترنت وانتشاره، بالإضافة إلى نقص المحتوى التدريبي باللغة العربية واللهجات المحلية، وقلّة الوعي والدعم المؤسسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مؤسسات التعليم والإنتاج، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى الأجهزة والتقنيات الحديثة في بعض المناطق.

ما هي الحلول الممكنة؟

دعت د. حنان إلى اعتبار الإنترنت والتعليم الرقمي حقًّا أساسيًّا يجب توفيره للجميع، مع دعم المبادرات الشبابية العاملة في المجال التقني، ودمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بالجامعات والمدارس العليا. كما شدّدت على أهمية بناء شراكات استراتيجية بين الحكومة والجامعات والمبادرات العالمية المهتمة بنشر التكنولوجيا.

هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر؟

أكدت د. حنان أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف الروتينية والمتكررة، مثل إدخال البيانات والردود الآلية. لكنها شددت في المقابل على أنه لن يُقصي الإنسان، بل سيعيد تعريف دوره. ولفتت إلى ظهور وظائف جديدة، مثل: مبرمجي الذكاء الاصطناعي، محللي البيانات، مدربي الخوارزميات، ومطوري الأنظمة الأخلاقية. وأبدت تفاؤلها بهذه الوظائف الجديدة، التي تتطلب مهارات مختلفة، وتجعل الإنسان أكثر إبداعاً وتأثيراً، لا أقل أهمية.

الجوانب التشريعية والأخلاقية

قالت د. حنان إن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يستدعي وضع قوانين واضحة لحماية البيانات ومنع التحيّز والتمييز. وأوضحت أنه عند استخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف أو الطب، ينبغي التأكد من أن القرارات لا تعتمد على بيانات غير متوازنة أو مغلوطة. وأشارت إلى خطوات يجري اتخاذها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، داعيةً الدول النامية، ومن ضمنها السودان، إلى أن تكون جزءًا من هذا الحوار العالمي لضمان العدالة والشفافية.

الذكاء الاصطناعي فرصة… لا تهديد

واعتبرت د. حنان أن المرحلة الحالية من تطور الذكاء الاصطناعي تُشبه مرحلة ظهور الكهرباء أو الإنترنت. وقالت: “صحيح أنه غيّر شكل بعض الوظائف، لكنه فتح أبواباً لا حصر لها للابتكار والتطور.” ولفتت إلى أن من يُتقن الذكاء الاصطناعي اليوم ويوظفه في واقعه المحلي، هو من سيقود المستقبل، مناشدةً الشباب السوداني بعدم انتظار التغيير، بل بصناعته، بدءًا من هواتفهم.

تجارب شخصية:

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الشباب السوداني بين التحدي والفرصة

تقول ابتسام أحمد، الناشطة في مجال التواصل الاجتماعي، لراديو دبنقا:
“بصفتي خبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، أرى أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة عظيمة لتسهيل الحياة اليومية، خاصة في المهام المتكررة أو التي تتطلب سرعة استجابة ودقة، مثل إدارة الحسابات، والردود التلقائية، وتحليل بيانات التفاعل.”

واعتبرت أن الشباب السوداني هو الأكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع هذه التغيرات، نظرًا لكونه شغوفًا ومتابعًا للتطورات العالمية، حتى أن العديد من صديقاتها، رغم عدم تخصصهن في المجال التقني، أصبحن يستخدمن أدوات الذكاء الاصطناعي في حياتهن اليومية، سواء في الدراسة أو البحث أو حتى الترفيه.

ووصفت هذا التوجه بالظاهرة الإيجابية، التي تعكس وعيًا متزايدًا لدى الشباب بأهمية التكنولوجيا، مؤكدةً أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على المختصين، بل متاح للجميع، بشرط وجود الرغبة في التعلُّم والانفتاح على الجديد.

من الهندسة الكهربائية إلى الذكاء الاصطناعي:

رحلة تحوّل يقودها الشغف بالتطوّر

أواب ياسر، خريج كلية الهندسة بجامعة الخرطوم – تخصص الهندسة الكهربائية، دفعة 2022، قال لراديو دبنقا:
“منذ تخرّجي، بدأت حياتي المهنية في مجال الكهرباء، وتحديدًا في المدرسة الكهربائية، حيث اكتسبت خبرة عملية قيّمة. إلا أنني، ومع مرور الوقت، لاحظت محدودية هذا المجال من حيث التطور والابتكار مقارنة بالمجالات التقنية الأخرى.”

وتابع: “في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، شعرت بحاجة إلى التوجّه نحو تخصص يواكب متطلبات العصر. ومن هنا بدأت رحلتي نحو الذكاء الاصطناعي، الذي يُعد اليوم من أكثر التخصصات تأثيرًا، من الطاقة والتحكّم، إلى تحليل الصور والرؤية الحاسوبية.”

وأضاف: “اتخذت قرارًا جريئًا بالتحوّل إلى دراسة الماجستير في الذكاء الاصطناعي بجامعة ماسترخت الهولندية، إحدى الجامعات الرائدة في هذا المجال. وخلال دراستي، انفتحت أمامي آفاق جديدة، مثل رؤية الحاسوب، التي تُمكّن الآلة من تحليل الصور وفهمها بطريقة تُحاكي القدرات البشرية.”

واعتبر أواب هذا التحوّل ليس مجرد تغيير أكاديمي، بل نقلة في الرؤية والطموح، قائلاً:
“وجدت في الذكاء الاصطناعي مساحة تجمع بين خلفيتي الهندسية وأدوات التحليل الذكية، لصناعة حلول تقنية تخدم مجتمعاتنا وتواجه تحدياتها. وأسعى اليوم إلى توظيف هذا المزيج من الخبرة والمعرفة في مشاريع تعزز البنية التحتية الرقمية في العالم العربي.”

Welcome

Install
×