د. عبد الله علي إبراهيم: البشير: دولة سفهاء البِطانة ..

يقال إن لكل مسألة معقدة حل بسيط وسهل وخطأ. وأختار عمر البشير في لقائه مع اتحاد عمال العلوج في الأسبوع الماضي واحداً من هذه الحلول البسيطة …

 بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

 

يقال إن لكل مسألة معقدة حل بسيط وسهل وخطأ. وأختار عمر البشير في لقائه مع اتحاد عمال العلوج في الأسبوع الماضي واحداً من هذه الحلول البسيطة السهلة والخاطئة للثورة التي طوقت نظامه. فقد نسب الثورة لمندسين. والمؤسف أنه لم يخطئ بهذا الحل البسيط السهل وحسب بل اجتر نفسه مما يجعل من الخطأ كارثة. فخلال هبة سبتمبر 2013 قال إن الذين من ورائها "جهات متربصة" بوحدة صف الأمة. ووصفهم بأنهم مجموعة حرامية أطلقها المتربصون (وهي هنا الأحزاب . . دائماً) من طمعوا في سقوط الحكم. وترحم على شهداء الهبة. ونسي ذلك هذه المرة أو أنه ينتظر الجرد النهائي.

يقول السودانيون إن الملوية ما بتحل رقبتها. ومتى تشرقطت البهيمة في حبلها احتاجت إلى حلّال. وبذل أفاضل السودانيون وقتاً غالياً في تخليص بهيمة الإنقاذ من حبلها. ولكنها صعرت خدها. وبدا أن آخر الدواء الكي. وما اندلعت الثورة من حوله حتى عاد إلى عادة العمى عن عاهته مع سبق الإصرار. فطاف بأجهزة أمنه العسكرية والمدنية مثل اتحاد العمال يستعين بها على الثورة. وهو في هذا كمثل من ضاع منه شيء وراح يبحث عنه تحت لمبة مضاءة لأنه لا يريد البحث عنه في موضع آخر. وهذه الأجهزة من العلوج والتبع هي لمبة البشير المضاءة له (أو كما تصور).

ولا أعرف شخصاً أساء لواقعة من حياته استدعاها لكي تسعفه في الكرب التي هو فيها. فصار حديث سِنه لدى سقوطه من السقالة مشهوراً واختلفت الروايات حول وقت استدعائه له. فقال إنه لم يرقع سنه المكسورة لأنه أراد أن يظل يذكر نشأته الأولى فقيراً لأب عامل. ولكنه لو هبش جيبه، كما يقول السودانيون، بدلاً عن سنه لبدا عيبه. لقد منى اتحاد العمال العلوج للقاء المزنوق بزيادة للأجور من 500 جنيه (10 دولار) للحد الأدنى (450 جنيها) متصعدة إلى 2500 (52 دولار). وهي الزيادة التي رفض التصديق بها منذ عام 2012. وكان البشير الواقف خطيباً أمامهم يمنيهم بالدنية في رزقهم قد صرف مع ماهية ديسمبر ألف دولار ونيف بدل كتب. فمن شروط خدمته أن ينال مرتب 6 شهور في السنة لشراء الكتب الرئاسية. وهي علاوة معروفة ب "بدل مراجع". والواضح أن سن البشير ما أجدته في تذكر أصله الفقير. والفيهو اتعرفت.

أكثر البشير التعلل بالحصار الاقتصادي المفروض من المستكبرين على السودان. ولم يفوت سانحة لم يدفع فيها بهذه الحجة علاوة على خروج البترول من مواردنا بانفصال الجنوب. وكلها حجج مردودة في مسماها. ونقبل بها مع ذلك جدلاً لنقول إنه لمن وهن العزيمة أن يتعلل بالواقعتين وقد انقضى عقد من السنين منذ 2011 إلا قليلا. ألا يصح أن نسأل اين همة القيادة التي نقول إنها تأتي بالمركب من قرونه.

وتمثلت ركاكة البشير ونظامه في وجهين. الوجه الأولى هو استهوانهم خروج نفط الجنوب من الميزانية. فمنوا الناس الأماني أن لا خوف ولا وجل. فاقتصادنا الإسلامي، كما قالوا، مصمم لامتصاص مثل ذلك النقص علاوة على أن كنوز الأرض ستتفتح آبار نفط في مربعات ذكروها. أما الوجه الثاني فهو فشلهم الأغر في ضبط ولاية الدولة على المال العام لتلافي عواقب خروج نفط الجنوب من مواردنا. مثلا: زاد الانفاق الحكومي إلى 36 في المائة في 2014 وقد وعدت ميزانية العام بتحفيضه ب 45 في المائة. وزاد الانفاق الجاري التشغيلي (مرتبات وامتيازات) من 35 مليار جنيه في 2103 إلى 46 مليار في 2014 بزيادة 31%.

وليس هذه الإسراف مجرد كبوة أو حتى فساد لأنه إنفاق في بنية الدولة المعروفة بدولة البطانة الجديدة (Neopatrimonial) التي سادت في أفريقيا. فيها يتدبج الحاكم ليدوم حكمه ببطانة ينفق عليها من استئثاره بالمال العام. وتُسخر البطانة الوظيفة العامة بشكل رئيس لصالح شاغلها و جماعته التي تأويه. وعليه تصبح هذه الوظيفة للعرض والطلب بدلاً من الاحتكام للوائح والقوانين المنظمة. وزاد البشير عن ذلك في ملاحظة ألكس دي وال، الكاتب البريطاني المختص بالشأن السوداني والدرافوري، بأن جعل مطايب الوظيفة العامة مستديمة للفرد في البطانة لا تنقطع بتركه الوظيفة لسبب أو أخر. فقد ينتقل إلى وظيفة أخرى ولكن بنفس مخصصاته بل ويضمن له عقده تلك المخصصات لعامين بعد تركه الوظيفة لا ينقص منها شيء. فيلقى حتى الامتيازات على نفقة الدولة من علاج بالخارج له ولأسرته، وتعليم الأبناء والبنات، وقضاء عطلة بالخارج كل سنتين، وبدل اللبس والمراجع.

إن وعد البشير بإصلاح الأمر هراء. فوعد العمال في اجتماعه بالنقابيين العلوج وعود مفلس لمستحق. قال إن سيعتني بالعمال في حين خصص لتعليم أبنائهم وبناتهم العام 4 مليار جنيه بينما خصص لجيشه الإنكشاري المستحدث 8 و7 من المائة مليار. وهذه قسمة ضيزى. وهو مضطر إليها لأنه مشرقط في دولة البطانة. والملوية لا تحل رقبتها.

ودولة البطانة دولة سفهاء. وقال الله في محكم تنزيله: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5). ". وطلب البشير في خريف نظامه أن نقتدي بالصحابة في المصابرة على البأساء فنأكل الصفق. وجعل من هذه البسالة الصحابية هزؤة قريباً مما يسميه السودانيون "تاكلو نيم". فإن كان لنا أن نقتدي بالصحابة كما طلب البشير صح أن نقتدي منهم ب"الحِجر". وهو منع الإنسان عن التصرف في ماله خوف اتلافه. والحكومة أولى بحجب المال العام عنها للسفه. فقد حجر سيدنا عثمان بن عفان على عبد الله بن جعفر بسبب التبذير. والثورة المباركة الناشبة لإزالة حكم البشير هي الحجر. فهي تقوى أيضاً.

[email protected]

Welcome

Install
×