اتفاق البرهان وحمدوك هل ينتشل السودان من الانزلاق(2-3)
فاقم وقوع هذا الانقلاب من حالة عدم الثقة بين أطراف العملية الانتقالية بشكل يجعل من الصعوبة بمكان توقع عملها بتوافق مجددًا سواء على أساس الوثيقة الدستورية التي يتنازعون على تفسيرها، أو حتى أي ترتيبات سياسية جديدة، وعلى مدى عامين ونصف العام من عُمر الفترة الانتقالية مرَّت بتعقيدات وعقبات بسبب الصراع بين مكوناتها كافة: الصراع بين المكونين العسكري والمدني من جهة، وبين مكونات المكون المدني نفسه، وكذلك بين المكون المدني وقوى الكفاح المسلح التي انضمت إلى أجهزة الحكم الانتقالي، من جهة ثانية،هذه الصراعات القاتلة قد صرفت الأنظار عن مهام العملية الانتقالية برمتها، لاسيما إعادة بناء مؤسسات حكم فعالة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة تفرز قوى ذات قدرة تمثيلية حقيقية، والتأسيس لشرعية دستورية جديدة بالبلاد، بجانب وضع البلاد على طريق المسار الديمقراطي.
الخرطوم:حسين سعد
فاقم وقوع هذا الانقلاب من حالة عدم الثقة بين أطراف العملية الانتقالية بشكل يجعل من الصعوبة بمكان توقع عملها بتوافق مجددًا سواء على أساس الوثيقة الدستورية التي يتنازعون على تفسيرها، أو حتى أي ترتيبات سياسية جديدة، وعلى مدى عامين ونصف العام من عُمر الفترة الانتقالية مرَّت بتعقيدات وعقبات بسبب الصراع بين مكوناتها كافة: الصراع بين المكونين العسكري والمدني من جهة، وبين مكونات المكون المدني نفسه، وكذلك بين المكون المدني وقوى الكفاح المسلح التي انضمت إلى أجهزة الحكم الانتقالي، من جهة ثانية،هذه الصراعات القاتلة قد صرفت الأنظار عن مهام العملية الانتقالية برمتها، لاسيما إعادة بناء مؤسسات حكم فعالة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة تفرز قوى ذات قدرة تمثيلية حقيقية، والتأسيس لشرعية دستورية جديدة بالبلاد، بجانب وضع البلاد على طريق المسار الديمقراطي.
(أولا) صعوبات الانتقال إلى نظام ديمقراطي بعد عقود من الحكم الاستبدادي، لاسيما إرث الماضي وتعقيداته كافة.
(ثانيا)انقسامات وصراعات القوى التي يفترض أن تنجز مشروع الانتقال خلال المرحلة الانتقالية، والطبيعة غير الديمقراطية لهذه المكونات وقابليتها للتضحية بأسس ومقدمات الانتقال الديمقراطي من أجل مكاسب حزبية ضيقة.
(ثالثا) غياب مشروع وطني حول الانتقال الديمقراطي يستوعب أهم الفاعلين من دون إقصاء، وكذلك الافتقار إلى رؤية واضحة تجاه أهم محددات الانتقال، لاسيما التعاطي مع المؤسسة العسكرية وإرث النظام السابق.
مبادرات حمدوك:
أدخل غياب التوافق، وانعدام الثقة بين مكونات المرحلة الانتقالية، سواء التي كانت داخلها أو تلك القوى التي دخلت فيها لاحقًا، كالمجموعات الموقِّعة على اتفاق سلام جوبا أو ما عُرفت بشركاء السلام لاسيما عقب الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة الموقِّعين على هذا الاتفاق، في 8 فبراير 2021. أدخل الصراع مرحلة جديدة ،حيث اتسمت هذه المرحلة باستحكام الأزمات والصراعات بين شركاء العملية الانتقالية، حيث وجد رئيس الوزراء نفسه بين شقي الرحى ما دفعه الى تقديم مبادرتين ؛ الأولى في 23 يونيو وحملت اسم "تحصين المسار الديمقراطي"، والثانية باسم "مبادرة حل الأزمة الوطنية في 15 أغسطس 2021.
في الواقع، أدى صعود شركاء السلام إلى انقلاب جوهري في معادلات القوة السياسية داخل الفترة الانتقالية لمصلحة المكون العسكري؛ حيث تزامن ذلك الصعود مع احتدام حدَّة الصراع على السلطة بين المكونين العسكري والمدني (قوى إعلان الحرية والتغيير) وتحديدًا ما يطلق عليها "مجموعة الأربعة"، وتجلَّى ذلك الصراع بصورة أكثر وضوحًا بعد تأسيس ما عُرف بـ"مجلس شركاء الفترة الانتقالية"من 29 عضوًا، برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، وعضوية المكون العسكري بالمجلس إلى جانب رئيس مجلس الوزراء، عبد الله حمدوك، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وأطراف العملية الشركاء في اتفاقية سلام جوبا برعاية الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).
أذن ما المطلوب من المجمع الدولي :
تحتل الجهات الخارجية اليوم، وأكثر من ذي قبل، مكانة تخوّلها التأثير في مجرى الأحداث في السودان إذا واءمت سياساتها وجمعت مواردها. ويرد على رأس قائمة أهدافها المباشرة رسم معالم التوقعات وهيكليات تحفيز الفئات العسكرية والمدنية الرئيسة، وذلك عبر الاتي…
(أولًا) على الجهات الخارجية التشديد على ضرورة احترام الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، بدءًا بنقل رئاسة مجلس السيادة الانتقالي إلى سلطة مدنية
(ثانيا) تحديد تاريخ المؤتمر القومي الذي ستصاغ في إطاره مسودة الدستور الدائم والنظام الانتخابي.
(ثالثا)دعم المجتمع الدولي للخيار المدني في حال قرّر العسكر المماطلة، وذلك من خلال تقديم أي من التواريخ السابق تحديدها. إذًا، الغاية المنشودة هي إقناع القوات المسلحة بأن قبولها بهذه العملية هو الخيار الأقل كلفة من سائر البدائل المتاحة.
(رابعا)يساعد المجتمع الدولي في تهدئة الأزمة السياسية بطرق تستنزف التأييد الذي يحظى به التدخل العسكري. فعندما تبادر هذه الدول إلى تعزيز الدعم الاقتصادي، وتخفيف عبء الديون، وتوفير المساعدات الاجتماعية الهادفة، تخفف بذلك من حدة المشاكل المالية التي تواجهها الحكومة ومن الأعباء الملقاة على كاهل المواطنين نتيجة رفع الدعم الحكومي وتدابير التقشف الأخرى التي يفرضها صندوق النقد الدولي والدائنون الأخرون،وستؤدي المساعدات في تسديد تكاليف تنفيذ اتفاق سلام جوبا فضلا عن المساعدة الفنية في تسريح .
أفراد رفاق الكفاح المسلح أو إعادة دمجهم، وتخفيف التوترات ووضع حدٍّ للعناصر المخرّبة المحتملة
(خامسا) على الولايات المتحدة والقوى الأخرى في المعسكر الديمقراطي الضغط بقوة للحصول على دعم دول الجوار المترددة مثل مصر التي تحرص على تفادي عداء أكبر تجاهها داخل الكونغرس الأميركي على خلفية سجل انتهاكات حقوق الإنسان. كذلك، إن الفرصة سانحة أمام السعودية – التي تملك مصلحة خاصة في الحفاظ على استقرار البحر الأحمر والإمارات، لإبداء استعدادهما للتعاون مع واشنطن من أجل تخفيف وتائر التوترات الإقليمية. تملك هذه الدول الثلاث مصالح كبرى في الحفاظ على استقرار السودان، لذا ينبغي إقناعها بأنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال تدخل عسكري جديد. وحتى إذا اكتفت بإبداء حياد نسبي، فهذا كفيلٌ بإقناع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بضرورة تعديل مواقفهما
لطالما كان السودان جزءًا من المعادلات الجيوسياسية الإقليمية طيلة العقود الثلاثة من حكم البشير، لكن العقوبات الدولية المفروضة عليه تركته معزولًا نسبيًا عن باقي العالم. لكن هذه العزلة انتهت الآن، إذ تشهد السياسات المحلية حالة من التقلّب والتجاذب لم تعرفها البلاد منذ منتصف الثمانينيات، حين عاد الحكم المدني لفترة وجيزة.
(أخيرا) إذا فشل المجتمع الدولي في اتّخاذ إجراءات فعّالة واستباقية لترسيخ عملية الانتقال الديمقراطي في السودان في هذا المنعطف التاريخي ت، فسيغرق هذه المرة في أزمة أعمق لا تُحمد عقباها(يتبع)