نساء اليونسيف (ارشيفية )

امستردام: 31 اكتوبر 2025: راديو دبنقا
بين الرجاء والخوف والغضب، تتقاطع أصوات نساء سودانيات عشن الحرب من أعمق تفاصيلها، وواجهن تبعاتها على أجسادهن وأرواحهن ومجتمعاتهن. شهاداتهن، التي جاءت عبر برنامج “كنداكات وميارم” في راديو دبنقا، تعكس صورة شديدة التعقيد للمشهد الإنساني والسياسي، وتكشف عن انقسام واضح في الموقف من مبادرة الآلية الرباعية الداعية لهدنة ثلاثة أشهر بين طرفي الحرب في السودان.
في سياق حرب مدمّرة تجاوزت عامها الثاني، وتسببت في حصار مدن وتجويع سكان وانتهاكات واسعة النطاق، وخاصة ضد النساء، تبرز هذه الأصوات كوثيقة إنسانية وسياسية نادرة، تُظهر ما تعنيه الحرب عندما تتجسد في حياة الناس اليومية، وليس فقط في البيانات العسكرية والتحليلات السياسية.


فرصة للحماية


فاطمة الطاهر أحمد، ناشطة نسوية من ولاية الخرطوم، ترى في بيان الآلية الرباعية خارطة طريق للخروج من دائرة الدم. تقول إن الهدنة تمثل ضرورة عاجلة، خصوصاً للنساء اللواتي كنّ الأكثر تضرراً من الحرب والانتهاكات القائمة على النوع. وترى أن وقف إطلاق النار المؤقت يمكن أن يفتح نافذة لرصد الانتهاكات وتوثيقها بشكل مهني، وهو أمر تقول إنه ظل غائباً بسبب استحالة الوصول إلى الضحايا والناجيات.
وتشير فاطمة إلى أن الحرب كشفت هشاشة الحماية المتوفرة للنساء، مؤكدة أن المبادرة الدولية تمنح فرصة لالتقاط الأنفاس ومعالجة آثار العنف، شرط أن تترافق مع جهود سياسية فعلية وعدم الانجرار إلى إعادة إنتاج شراكة عسكرية كالتي عصفت بمسار الانتقال المدني بعد ثورة ديسمبر.
لكن الطاهر لا تُخفي قلقها من العقبات، فـ”المقاومة المتوقعة من معسكر الإسلاميين” وسعي طرفي الحرب لرفع سقف تفاوضهما عبر التصعيد العسكري، قد يقوضان فرص الهدنة. لذلك، تدعو القوى السياسية المدنية وقوى الثورة لاستعادة زمام المبادرة، قبل أن تُفرض تسويات تعيد السودان إلى الحلقة المفرغة ذاتها.


رفض مطلق


على الضفة الأخرى، تأتي شهادة فاطمة فضل جاسر، المتحدثة باسم اللاجئين في مخيم تلوم شرقي تشاد، مشحونة بالغضب والحزن والدم. فاطمة التي تتحدث من موقع الضحية واللاجئة، تعتبر أي هدنة خيانة لدماء المدنيين، خصوصاً بعد سقوط الفاشر وما رافقه من قتل وتشريد وانتهاكات جسيمة. تسأل بحدة: أين كانت الرباعية عندما كنا نصرخ لفك حصار الجوع؟ ولماذا الآن؟
ترى فاطمة أن الهدنة المقترحة لن تكون إلا تمكيناً لقوات الدعم السريع لتثبيت سيطرتها واستقبال الدعم الخارجي، ما يمهد ـ بحسب قولها ـ لتقسيم السودان. وترفض حتى وضع الجيش كبديل مقبول، معتبرة أن كليهما مسؤول عن المأساة. بنبرة قاطعة: “مافي هدنة، ما في تفاوض، والرباعية خليها تبل بيانها وتشربو”. هذه الشهادة تعبّر عن قطاع من المجتمع السوداني فقد الثقة في المجتمع الدولي وكل الأطراف المتحاربة، ويرى أن العدالة تسبق السلام، وأن أي تهدئة الآن لا تعني سوى مزيد من الألم لاحقاً.


أصوات تبحث الحياة


في المقابل، تأتي شهادات أخرى تدعم الهدنة بوصفها ضرورة إنسانية، لا خيار سياسي. إحدى المشاركات تقول إن أجساد النساء تحولت إلى أحد ميادين الحرب، وإن البلاد بحاجة إلى التقاط أنفاسها، ووقف نزيف الدم، ومنع تدفق مزيد من السلاح. تشدد على أن الهدنة ليست نهاية الطريق، بل بداية لمسار أطول لوقف إطلاق النار بشكل دائم واستعادة الحياة الطبيعية. وذكّرت بضحايا الاعتداءات الجنسية والانتحار والصدمة النفسية، مستشهدة بتقارير تتحدث عن أكثر من 148 امرأة تعرضن لاغتصاب موثق، إضافة إلى حالات حمل قسري وعنف وتعذيب، ما يجعل وقف الحرب ضرورة حماية وليس خياراً تفاوضياً.
النازحة بمدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان بثينة حماد تضيف صوتها لهذا الاتجاه، معتبرة أن الهدنة الإنسانية ضرورية لفتح الممرات وتخفيف الجوع وضمان وصول الدواء والمساعدات، مؤكدة أن وقف الحرب يعني وقف الانتهاكات بحق النساء والفتيات.


بين السقوط واليأس


شهادة أخرى تمثل حالة الغضب الشعبي العارم بعد سقوط مدينة الفاشر، حيث ترفض المتحدثة ــ التي فضلت حجب اسمها ــ الهدنة رفضاً قاطعاً بعد أن فقدت أبناءها وذويها، وتقول إن فرص السلام كانت عندما كان الناس يصرخون طلباً للمؤن والدواء، قبل المجازر والجوع والملاحقات. وأضافت “اليوم، لم يعد للهدنة معنى، والجمرة تحرق الواطيها”.
هذه الأصوات لا تعكس فقط مواقف سياسية متباينة، بل وجعاً إنسانياً عميقاً، وغضباً على العالم الذي ترك الضحايا وحدهم. بين من ترى في الهدنة أملاً، ومن تعتبرها تنازلاً خطيراً، تمتد خريطة المشاعر والآراء، وكلها مشحونة بتجارب فقدٍ وخوفٍ ونجاةٍ.
في نهاية المطاف، تبدو الحقيقة الأبرز أن النساء، رغم اختلاف مواقفهن، يختبرن الحرب بأعمق مستويات القسوة، وأن مصرع السلام لا يعني سوى استمرار هذه المأساة. وبين الهدنة كفرصة للحياة، أو كفصل جديد في الألم، يبقى صوت النساء وثائق حيّة لواقع يبكيه السودان كل يوم.

نازحون من الفاشر وما حولها الى طويلة بولاية شمال دارفور ر: المنسقية العامة لمعسكرات النازحين

Welcome

Install
×