موافقة البرهان على الآلية الرباعية.. مناورة أم توجّه حقيقي؟

اجتماع للرباعية الدولية في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاركة وزراء خارجية الولايةات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات وبحضور مستشار الرئيس الأمريكي لشءوون افريقيا 24 سبتمبر 2025-حساب مسعد بولس على منصة إكيس
أمستردام: 19 أكتوبر 2025 – راديو دبنقا
أثار البيان الرسمي للرئاسة المصرية يوم الأربعاء، بشأن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ردود فعل واسعة، خاصة ما يتعلق باتفاق البرهان والرئيس المصري على أهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب.
وأشار البيان إلى أن الطرفين أعربا عن تطلعهما لأن يُسفر اجتماع الآلية الرباعية، الذي سيُعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري، عن نتائج ملموسة بغية التوصل إلى وقف الحرب وتسوية الأزمة.
وأثارت التصريحات ردود فعل واسعة وسط الأطراف المساندة للقوات المسلحة خلال الحرب الدائرة، بين مؤيد ومتحفّظ، بينما لم يُشر وزير الخارجية في تصريحاته عقب وصول الوفد إلى الخرطوم إلى الرباعية. وأكد وزير الخارجية والتعاون الدولي تطابق وجهات النظر بين الرئيسين حول مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أوقفت القتال في غزة، مبينًا أنها أوجدت أجواءً طيبة تهيئ لسلامٍ مستدام في المنطقة، وأن من المصلحة الاستفادة منها في المنطقة بأسرها، بما في ذلك إيقاف الحرب في السودان.
وقالت مصادر إن اجتماعات وزراء خارجية الآلية الرباعية ربما تنعقد يوم الجمعة المقبل في الولايات المتحدة. وفي 12 سبتمبر، دعا وزراء خارجية الرباعية الدولية – الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات – في بيان، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر مبدئيًا، لتمكين وصول المساعدات الإنسانية بسرعة إلى جميع أنحاء السودان، تمهيدًا لوقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، يعقبها إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُختتم في غضون تسعة أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية.
وتباينت ردود فعل الأطراف السودانية آنذاك حول مبادرة الرباعية، حيث أعلنت وزارة الخارجية رفضها للمبادرة، بينما أعلن تحالف صمود وتحالف تأسيس موافقتهما عليها. وفي نهاية سبتمبر عقد وزراء خارجية الرباعية الدولية اجتماعًا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بحثوا خلاله الأوضاع في السودان، ولم يصدر عن الاجتماع أي بيان.
موقف جديد
أمس السبت، وخلال مخاطبته مجلس عزاء في ولاية نهر النيل لأحد الضباط الذين قُتلوا في الفاشر، أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عدم ممانعتهم في التفاوض مع الرباعية وغيرها لإنهاء هذه الحرب بما يضمن للسودان كرامته ويبعد أي احتمال لتمرد جديد، لكنه أعلن في الوقت ذاته أنهم لن يتفاوضوا مع أي جهة تفرض عليهم شروطًا.
وقال البرهان خلال مخاطبته مجلس العزاء: “نرحب بأي جهة تأتي من أجل السلام وهي خاضعة للشعب السوداني”، مضيفًا: “لا أحد يفرض علينا سلامًا أو حكومة أو شخصيات رفضها الشعب”.
وأكد أنهم لن ينسوا دماء الشهداء ولن يبددوا آمال الشعب السوداني.
وتباينت تفسيرات المراقبين لحديث البرهان، إذ اعتبره البعض رفضًا للتفاوض، بينما رآه آخرون موافقة مشروطة على الآلية الرباعية.
فرصة ذهبية
من جانبه، قال الدكتور بكري الجاك، القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، إن الآلية الرباعية تمثل فرصة ذهبية للسودانيين في ظل إرهاق الجميع من الحرب ورغبتهم في إيقافها، عدا المستفيدين منها.
وقال لراديو دبنقا إن تحالف صمود سيواصل الدفع في اتجاه الرباعية وصولًا إلى هدنة إنسانية وترتيبات لإنهاء الحرب في السودان.
من جانبه، توقّع بابكر فيصل، القيادي في تحالف صمود، أن يُصدر اجتماع دول الرباعية نهاية الشهر الجاري مواقيت زمنية واضحة وآليات محددة لتنفيذ الهدنة الإنسانية. وأشار إلى أن الجيش والدعم السريع أعطيا الرباعية الضوء الأخضر للمضي قدمًا في تطبيق خارطة الطريق المعلنة في 12 سبتمبر الماضي.
وأكد أن الاختبار الحقيقي لنجاح خارطة الطريق يتمثل في العملية السياسية التي يجب أن تُعالج جذور الأزمة السودانية.
من جانبه، قال جعفر حسن، الناطق الرسمي باسم التحالف، إن القوات المسلحة والدعم السريع وافقا على العودة إلى الحوار في منبر جدة.
تحوّل جوهري
وصفت الكاتبة والمحللة السياسية ورئيس مجلس إدارة صحيفة الأهالي المصرية أمينة النقاش الإعلان خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة عن انعقاد المفاوضات تحت مظلة الآلية الرباعية لتسوية الأزمة السودانية بأنه تطور مهم في مسار الأزمة.
وأشارت إلى أنه يمثل تحولًا واضحًا في موقف رئيس مجلس السيادة السوداني من هذه المظلة، إذ وافق هذه المرة على التحاق السودان بجهود الآلية الرباعية بعد أن كان متحفظًا عليها.
وقالت النقاش لراديو دبنقا إن هذا التغير مهم لأنه يجب على كل الأطراف، ومن بينها مصر، أن تطرق كل السبل لوقف الحرب وطرح حلول عملية ترضي الأطراف المتحاربة وتجمعها على طاولة واحدة لإنهاء الحرب.
وأكدت أن الأولوية الآن يجب أن تكون لوقف إطلاق النار وتهيئة بيئة تفاوضية حقيقية تضمن دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، وبدء محادثات سلمية واسعة تمهد للمرحلة الانتقالية القادمة.
ودعت النقاش إلى أن تتجه الجهود خلال المرحلة المقبلة نحو تشكيل حكومة توافقية تحظى برضا الأطراف كافة، وتعمل على إعادة إعمار المناطق المدمرة، ووضع جدول سياسي مستقبلي يقود إلى بناء السودان الحديث.
وتحفظت النقاش على الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان السيسي قد أبلغ نظيره السوداني رسائل أمريكية أم لا، لكنها أكدت أن موقف مصر ثابت في سعيها لحل الأزمة على أسس تؤمن بوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه ووقف التدخلات الخارجية في شؤونه.
وقالت إنه بما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان في زيارة إلى مصر، فمن المرجح أن الجلسات الثنائية قد تطرقت إلى هذا الموضوع، من باب إقناع ترامب بأن التوصل إلى تسوية سياسية في السودان سيُضاف إلى جهوده في وقف الحرب في غزة، وهو معني بهذا المسار بشكل شخصي.
وأكدت أن هذه المحادثات بين الرئيسين ستكون جزءًا من الحوار المقرر عقده خلال شهر أكتوبر، من أجل حل سلمي لمشاكل المنطقة ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها.
وربطت ذلك بتوحّد مواقف الحركات المدنية في السودان ودعم الدولة فقط في اتخاذ قرار الحرب وجمع السلاح في يدها وحدها.
اتفاق وشيك
في تعليقها على أبعاد زيارة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان الأخيرة إلى مصر، وموافقته على الرباعية كمظلة لتسوية الأزمة السودانية، توقعت الكاتبة والصحفية المصرية الدكتورة أماني الطويل اتفاقًا قريبًا على وقف إطلاق النار في السودان، لكنها قالت في الوقت ذاته إن العملية السياسية ما زال ترتيبها بعيدًا.
وأشارت إلى أن داعمي قوات الدعم السريع على المستوى الإقليمي سيعيدون حساباتهم في ضوء زخم الدعم الدولي لمصر، كما توقعت انشقاقات في صفوف الدعم السريع وتحالفات جديدة لصالح الجيش السوداني.
مناورة ومراوغة
من جهته، قال القيادي في حزب البعث صديق تاور لراديو دبنقا إن سلوك البرهان وتحالفه يعكسان ميلًا دائمًا إلى المناورة والمراوغة، بين إظهار الرغبة في وقف الحرب والرهان على استمرارها لكسب الوقت دون تحقيق أي هدف واضح.
وفي المقابل، رأى تاور أن قوات الدعم السريع وحلفاءها يتجهون إلى فرض واقع انقسامي جديد في السودان، ما ينذر بتقسيم البلاد، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والعالمي على غرار ما حدث في مناطق صراع أخرى.
وأوضح أن الزيارة يمكن فهمها بوصفها استجابة لدعوة أو استدعاء من القاهرة ضمن التحركات الإقليمية والدولية المتصاعدة للبحث عن سبل لوقف الحرب في السودان، خاصة بعد أن باتت تداعياتها الأمنية والإنسانية تتجاوز حدود البلاد.
وأضاف تاور أن الحرب، التي اندلعت منذ أكثر من عامين، لا يمكن حسمها عسكريًا لأي طرف، مؤكدًا أن استمرارها يمزق السودان ويهدد الأمن الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى ما أفرزته من ظواهر خطيرة مثل الإرهاب، وانتشار المخدرات، والجريمة العابرة للحدود، فضلًا عن تحولها إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم.
واتهم تاور ما وصفه بـ”مجموعة بورتسودان” – في إشارة إلى قيادة الجيش والحركة الإسلامية – بعدم الجدية في البحث عن حلول سلمية، معتبرًا أن العلاقة بين البرهان وتيار الإسلاميين تمثل زواج مصلحة قائمًا على تبادل الحماية: إذ يحافظ البرهان على نفوذ الإسلاميين في السلطة والاقتصاد، بينما يوفرون له الغطاء السياسي والدعم في مواجهة خصومه، مضيفًا أن الطرفين يسعيان إلى الإفلات من المساءلة عن الجرائم والانتهاكات التي صاحبت الحرب.
وبيّن تاور أن الحرب في السودان أصبحت ثالث بؤرة توتر عالمية بعد غزة والكونغو، مشيرًا إلى أن المبادرة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة تمثل تجسيدًا للاهتمام الإقليمي والدولي المتصاعد بالأزمة السودانية.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا في الضغوط الدولية على معسكر بورتسودان، بما في ذلك دعوات لإنهاء “زواج المصلحة” بين البرهان والحركة الإسلامية، تمهيدًا للتوصل إلى تسوية توقف الحرب وتمنع انزلاق البلاد نحو التقسيم أو الفوضى الشاملة.
غياب الإرادة الوطنية
ورغم وجود مبادرات دولية واضحة المعالم، اعتبر تاور أن غياب الإرادة السودانية المستقلة، المتمثلة في القوى المدنية الموحدة، يُعد العقبة الأساسية أمام تحقيق سلام دائم. ودعا إلى تشكيل سلطة انتقالية قصيرة الأجل لا تتجاوز عامًا واحدًا، تُهيئ البلاد لانتخابات حرة تقود إلى حكومة مدنية ديمقراطية.
وأكد صديق تاور أن الضغوط الإقليمية والدولية وحدها لا تكفي لإنهاء الحرب، ما لم تُستكمل بتوحيد الصف الوطني الرافض للحرب والساعي إلى السلام والحفاظ على وحدة السودان واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، مشددًا على أن ذلك هو الطريق الوحيد لإنقاذ البلاد من التفكك والانهيار.