حملة وديتوهم وين لمناهضة الاختفاء القسري- مصدر الصورة: صفحة الحملة على فيسبوك

منتدى الإعلام السوداني

الفاشر 22 سبتمبر 2025، (جبراكة نيوز)- فقدت سُلافة شقيقها عثمان المختفي قسريًا منذ ما يقارب السنة. كان عثمان البالغ من العمر (42 سنة) يعمل موظفًا لدى وزارة البنية التحتية والتنمية العمرانية بولاية شمال دارفور، لكنه الآن ضمن 50 ألف مفقود لا يعرف أحد مصيرهم، بعضهم فقد بسبب تداعيات الحرب المندلعة لما يقارب الثلاث سنوات.

ويعد العثور على ضحايا الاختفاء في السودان أحد أبرز التحديات التي تواجه الأسر والمنظمات العاملة في هذا المجال.

وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد وثقت في أبريل الماضي اختفاء 1140 شخصًا، تتوزع حالاتهم على 998 رجلًا، 27 من الأطفال القُصّر (منهم 20 طفلًا و7 طفلات) و116 فتاة، و11 شخصًا من ذوي الاضطرابات النفسية.

وتقول سلافة إن شقيقها المفقود متزوج وأب لبنتين، إحداهما لم ترَ والدها منذ ولادتها، إذ كانت والدتها حاملًا بها وقت اختفائه، وأكدت سُلافة أن عثمان اختُطف قسريا يوم 19 ديسمبر 2024.

وتتابع قائلة: “خرج عثمان من المنزل لمواساة أبناء جيراننا بعد سقوط قذيفة صاروخية على منزلهم أدت إلى مقتل ستة من أفراد الأسرة. وكان أحد أبنائهم صديقه المقرّب، فذهب عثمان لزيارتهم في المستشفى، وللتعزية في القتلى. وبعد الزيارة استأذن من أسرة صديقه قائلًا إنه ذاهب إلى مزرعته جنوب الفاشر، قرب البوابة الجنوبية. وبحسب الرواية الأخيرة، فقد استقل عربة متجهة إلى سوق المواشي، ومنذ تلك اللحظة لم نعرف مصيره”.

إلى جانب مأساة اختفاء الشقيق، تروي سُلافة لـ”جبراكة نيوز” رحلة نزوح أسرتها وتقول: “كنا نسكن في حي الأسرة في الفاشر، ثم نزحنا إلى حي القاضي، ومنه إلى مركز إيواء مدرسة تمباسي، ثم إلى الاتحاد، وعدنا إلى القاضي مرة ثانية، ومنه إلى بلدة شُقرا، ثم عدنا مجددًا إلى الفاشر”.

وتضيف: “بعد معاناة قاسية، وانتكاس حالة شقيقتي المريضة، اضطررنا للتوجه إلى الولاية الشمالية – مدينة الدبة – بحثًا عن العلاج، ومنها إلى أم درمان، حيث أُجريت لها عملية جراحية، ولا نزال حتى الآن نتابع رحلة العلاج”.

تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن المئات من المدنيين، بينهم صحفيون وناشطون وسياسيون، تعرضوا للاختطاف والاحتجاز في أماكن غير معلومة على أيدي القوات النظامية والمليشيات المسلحة.

وتظل معظم الأسر بلا إجابة حول مصير ذويها، في ظل تعثر جهود اللجنة الوطنية التي شُكّلت في 2020 للتحقيق في مصير المفقودين.

تشير سُلافة إلى أن اختفاء شقيقها كان مفاجئًا وصادمًا للأسرة، لكونه إنسانًا مدنيًا صرفًا لا علاقة له بالعمل العسكري.

وأوضحت أن أكثر ما يؤلمهم أن اختفاءه وقع أثناء زيارة عابرة للفاشر، وأنهم لم يتلقوا أي إشارة أو دليل عن مصيره حتى اللحظة.

وتابعت: “بعد إعلان اختفائه، قال بعضهم إنه شوهد في مخيم زمزم، لكننا بحثنا عنه بكل الوسائل وبذلنا كل ما نملك من إمكانات دون جدوى. لا نعرف إن كان حيًا أو ميتًا. غيابه ترك فراغًا هائلًا في أسرته الصغيرة – زوجته وابنتيه – وكذلك في أسرته الكبيرة، خصوصًا والدتنا التي انهارت نفسيًا وجسديًا لشدّة قربه منها”.

وبصوت متهدج ودموع تنهمر من عينيها، تقول سُلافة: “فقدانه أثّر كثيرًا على توازننا النفسي، فهو كان إنسانًا بشوشًا، محبوبًا، متسامحًا مع نفسه ومع الآخرين، لا عداوات له ولا خصومات. منذ اختفائه لم نذق طعم الفرح، والحزن يخيّم على بيتنا. كل جلساتنا تدور حول غيابه القسري الذي لا نعرف سببه ولا الجهة التي تقف خلفه”.

وتشير إلى أنهم وضعوا احتمالًا أن يكون قد قُتل أو أُصيب في إحدى الهجمات على الفاشر، لكنهم راجعوا جميع قوائم الجرحى والقتلى في المستشفيات دون أن يجدوا اسمه، رغم أنه كان دائمًا يحمل أوراقه الثبوتية وبطاقته الوظيفية، وهو ما يجعل العثور عليه أمرًا ممكنًا إن كان بين الضحايا.

وتضيف: “ظاهرة الاختفاء القسري أصبحت مهددًا حقيقيًا للأسر في الفاشر، ولم تتوقف عند شقيقي عثمان. فقد فُقد أيضًا ابن خالي – شقيق والدتي – وتأكد لاحقًا أنه معتقل لدى قوات الدعم السريع، وهو أيضًا مدني لا علاقة له بالجيش. كما فُقد ابن أختي البالغ من العمر 16 عامًا، وتبيّن أنه معتقل لدى القوات نفسها”.

وترى سُلافة أن من يعيش تجربة الاختفاء القسري لأحد أحبائه، يدرك مرارتها: “حين يُقال إن الشخص قد مات، فهذا قدر معلوم. لكن الغياب القسري أشد قسوة، إذ تبقى الأسرة في قلق دائم، تتخيل ظروفه ومعاناته وأين يقبع وكيف يُعامَل، وهل يتحمل التعذيب والجوع والخوف”.

ودعت سُلافة جميع المنظمات المعنية بالبحث عن المفقودين إلى تضافر جهودها وتسريع خطواتها للعثور على المفقودين والمختفين قسرًا في الحرب الدائرة، خصوصًا في مدينة الفاشر المحاصرة بقوات الدعم السريع.

واعتبرت أن الاختفاء القسري من أسوأ نتائج الحرب، لأنه يدفع ثمنه الأبرياء من المدنيين، ووصفت الظاهرة بأنها “كارثة حقيقية تؤرق مضاجع الأسر، بعد أن فقدت غالبية العائلات أبناءها”.

أما رامي سامي محمد قال إن التواصل انقطع مع عمه الستيني عصام محمد الرضي، الذي يعمل ميكانيكيًا في صيانة الشاحنات الكبيرة، وذلك منذ يونيو الماضي عقب سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان.

وأوضح أن عمه كان يعمل مع إحدى شركات التنقيب عن الذهب في تلك المناطق.

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في يونيو 2025 سيطرتها على المثلث الاستراتيجي، واصفة ذلك بأنه “نصر نوعي” يفتح جبهات صحراوية جديدة، بينما أكد الجيش السوداني أنه تراجع ضمن “ترتيبات دفاعية”، موجهًا اتهامات لقوات الدعم السريع بتلقي دعم من حفتر، مما زاد المشهد تعقيدًا.

وأضاف رامي أنهم حاولوا الاتصال بهاتف عمه، إلا أن شخصًا آخر يرد على الرقم ويرفض الإدلاء بأي معلومات صحيحة، ثم امتنع لاحقًا عن الرد نهائيًا.

وأشار رامي إلى أن عمه، رغم خبرته الكبيرة ومهارته في الميكانيكا، إلا أنه يعاني من مشاكل صحية مرتبطة بتقدمه في العمر، منها ضعف النظر ومرض السكري الذي يتطلب رعاية طبية مستمرة.

 وأكد أنه يخشى على حياته في ظل غياب الاهتمام بصحته من الجهة التي أخفته. كما لفت إلى أن عمه ترك وراءه أعباء منزلية ثقيلة، وأسرته تعيش حالة قلق دائم بسبب فقدانه.

وأوضح أنهم ناشدوا العاملين في مناطق التعدين الأهلي عن الذهب في ليبيا وشمال السودان ومصر وغرب إفريقيا، لكنهم لم يعثروا على أي دليل يحدد مصير عمهم حتى الآن.

وطبقًا للخبير الحقوقي محمد بدوي فإن ظاهرة الاختفاء القسري في السودان ارتبطت بفترات النزاعات المسلحة والأنظمة الديكتاتورية، وامتدت آثارها إلى الفترات الانتقالية.

 وأوضح لـ”جبراكة نيوز” أن هذه الممارسة لا تتوقف عند حرمان الضحايا من حريتهم فحسب، بل تشمل انتهاكات أخرى مثل القتل والتعذيب والعنف الجنسي، كما تطال الأسر من خلال ما يترتب عليها من أزمات نفسية وقانونية.

وأشار بدوي إلى أن السودان صادق في العام 2021 على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكن القوانين الوطنية لا تزال تعاني من ثغرات، أبرزها ربط الجريمة بمدة زمنية طويلة، مما يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب.

ولفت إلى أن الجهود الوطنية لمواجهة الظاهرة ظلت متقطعة، بدءًا من لجنة “سيواك” التي تشكلت في مطلع الألفية لمعالجة قضايا النساء والأطفال المختطفين في الحرب الأهلية الثانية، مرورًا بلجنة التحقيق في المفقودين التي أنشأها النائب العام السابق تاج السر الحبر في 2020، التي تعثرت أعمالها بسبب ضعف قدرات الطب العدلي وعدم الاستقرار السياسي، وصولًا إلى الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 وفاقمت أعداد المفقودين.

وأكد بدوي أن استمرار حالات الاختفاء القسري في السودان يستوجب مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقية الدولية، وإنشاء آلية مستقلة للتحقيق، إلى جانب تعزيز دور المجتمع المدني والأمم المتحدة في التوثيق والمناصرة، مع التشديد على أن وقف الحرب يشكّل شرطًا أساسيًا لإنجاح أي جهد في هذا الصدد.

بدورها، قالت المتحدثة باسم مبادرة مفقود، عبير سليمان، إن ضحايا الاختفاء القسري في السودان تجاوزوا 50 ألف شخص، من دون أن تكون هناك إحصاءات رسمية دقيقة. وأوضحت أن بعض المفقودين أُطلِق سراحهم، فيما قُتِل آخرون، بينما ما يزال مصير كثيرين مجهولًا.

وأكدت عبير، في حديثها لـ”جراكة نيوز” أن الغالبية من المفقودين معتقلون لدى قوات الدعم السريع في مدينة نيالا، وينتمون إلى فئات مختلفة؛ من بينهم متقاعدون وعسكريون ومدنيون، وُجِّهت إليهم اتهامات بالتخابر لصالح الجيش. وأضافت أن الدعم السريع يحتجز آلاف المعتقلين، وفقًا لإفادات أسرهم التي تواصلت مع المبادرة.

وأشارت إلى أن أسر بعض المعتقلين لدى الجيش أيضًا تواصلت مع المبادرة، لافتة إلى أن بعض المفقودات من النساء والفتيات كن محتجزات داخل سجن (سوبا) ومنطقة (الرياض) خلال فترة سيطرة الدعم السريع على العاصمة، وهو ما أكده معتقلون سابقون بعد إطلاق سراحهم.

وشددت على أن الاعتقالات التعسفية بحق المواطنين لا تزال مستمرة، لافتة إلى أن عددًا كبيرًا من المفقودين قضوا داخل المعتقلات نتيجة تردي الأوضاع الصحية ونقص الغذاء والمياه، وما ترتب على ذلك من مشكلات في الكلى وضعف الدم وسوء التغذية وأمراض مناعية.

وأضافت عبير أن الطريقة الوحيدة التي تعرف بها الأسر أخبار ذويها هي من خلال شهادات المعتقلين الذين أُطلِق سراحهم بعد أن كانوا محتجزين معهم.

قال عثمان البصري عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، إن جرائم الاختفاء القسري في السودان أعدادها كبيرة جدًا، وذلك لوجود صعوبات عديدة، منها أن العديد من منظمات المجتمع المدني لا تعمل في مجال الرصد والتوثيق لهذه الجرائم، حيث توجد فقط منظمة أو اثنتين من الوطنيات التي تعمل في هذا المجال.

وتابع: هناك فرق بين الاثنين: هناك مبادرة “مفقود” التي تهتم بالمفقودين بشكل عام، في حين أن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري متخصصة في ضحايا الاختفاء القسري.

وأكد البصري أن الجهد المبذول في العثور على الضحايا هو أحد التحديات، لأن الوضع الأمني كان في غاية الصعوبة.

وقال كانت مسألة وجود راصدين على الأرض لرصد وتوثيق حالات الاختفاء القسري غير متاحة، وذلك بسبب الظروف الأمنية المعقدة، وانقطاع سبل المواصلات بين مناطق سيطرة الأطراف، بالإضافة إلى انقطاع شبكة الاتصالات والإنترنت، وهي عوامل حدت من الحصول على أرقام حقيقية.

وذكر عثمان أن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري وثقت في عام واحد 1140 حالة.

وأشار البصري في إفادة لـ”جراكة نيوز” إلى أن الصليب الأحمر تحدث عن حصوله على 8000 طلب للمساعدة للعثور على المفقودين، التي تشمل المفقودين والمختفين قسريا، لكنه لفت إلى أن الصليب الأحمر لم يفصل بينهما. وهناك منظمات تتحدث عن أرقام كبيرة، ولكن من الصعب تحديد رقم دقيق نتيجة للصعوبات والتحديات الموجودة.

تعمل المجموعة السودانية في الجانب القانوني بفتح بلاغات في النيابات المتوفرة في المناطق الآمنة، وتقوم بإجراءات عاجلة للجنة الخاصة بالاختفاء القسري في جنيف.

أما على المستوى الحكومي السوداني، فلا توجد أي جهود إطلاقًا في هذا المجال، حيث يوجد غياب كامل للمؤسسات العدلية ومؤسسات إنفاذ القانون، لأن عددًا كبيرًا من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع لا تتوفر فيها هذه الأجهزة.

وأكد البصري أنهم يحاولون، نظرًا لخطورة قضية الاختفاء القسري وانتشارها بشكل واسع جدًا في السودان، “جعلها قضية ذات اهتمام محلي ودولي حتى نعرف مصير المفقودين”.

ولفت إلى أن ظاهرة الاختفاء القسري ليست جديدة في السودان، حيث تعود إلى العام 1989. لدينا حالتا اختفاء قسري وهما الشاعر أبو ذر الغفاري والناشط أحمد ضو البيت، ولا يزال مصيرهما مجهولًا حتى الآن، وقد لا يكون هناك ذكر رسمي لهما، ولم تتبن أي جهة معرفة مصيرهما بشكل رسمي.

يشير البصري إلى تشكيل لجنة للتحقيق حول اختفاء الأشخاص في أحداث فض الاعتصام 2019 كونها النائب العام في الفترة الانتقالية، وعثرت على مقبرة بغرب أمدرمان.

وبعد ذلك استعانت بفريق عمل أرجنتيني للعمل على هذه المقبرة، لكن أوقف العمل من قبل النائب العام والسلطة السياسية الموجودة، وهي حكومة الفترة الانتقالية التي لم تتوفر لديها الإرادة السياسية الكافية لتوفير الضمانات للفريق الأرجنتيني لمواصلة العمل، ثم حدث الانقلاب، مما أدى إلى انقطاع عمل اللجنة، على حد قوله.

إلى جانب مآسي الحرب المستمرة في السودان، لا تزال مئات الأسر تبحث عن أبنائها المفقودين والمختفين قسريًا، سواء من فترة ثورة ديسمبر 2018، أو مفقودي فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019، مرورًا بالانقلاب الذي قاده عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو على الحكومة الانتقالية التي تشكلت إثر الثورة.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز) لمتابعة واحدة من أخطر تداعيات حرب السودان الحالية، وكذلك فترة ما قبل الحرب. تعكس المادة الآلام المقيمة للاختفاء القسري الذي حدث بأعداد مهولة وصلت إلى 50 ألف حالة دونت في سجلات المنظمات والمؤسسات ذات الصلة، وربما أخفت الحالة الأمنية السارية عددا مماثلا لم يشمله التوثيق.

شعار منتدي الاعلام السوداني – ارشيف : المصدر : منتدي الاعلام السوداني

Welcome

Install
×