بعد نحو عامين ونصف من الحرب ..هل تهيأت الخرطوم لاستقبال ساكنيها؟

استعادة 35% من خدمات المياه وتعثر في الكهرباء… تفش لحمى الضنك وقرارات بمنع الدراجات البخارية
الخرطوم – 7 سبتمبر 2025 – راديو دبنقا
تتواصل الجهود الحكومية من أجل تهيئة ولاية الخرطوم لعودة ساكنيها من مناطق النزوح واللجوء والمهاجر المختلفة، في الوقت الذي يتواصل فيه انقطاع التيار الكهربائي والامداد المائي عن أجزاء واسعة، مع استمرار مظاهر حمل السلاح والانفلات الامني وتفشي الملاريا وحمى الضنك .
وعلى الرغم من هذه الأوضاع، فقد كشفت منظمة الهجرة الدولية عن عودة نحو 607 الف سوداني إلى الخرطوم في الفترة من نوفمبر من العام الماضي حتى نهاية يوليو الماضي، بينما لا يزال أكثر من ثلاثة ملايين شخص من الخرطوم قيد النزوح واللجوء.
ويقول الطيب سعدالدين وزير الثقافة والإعلام والسياحة المكلف الناطق الرسمي باسم حكومة الولاية، في حديث لـ”راديو دبنقا”: “إن العودة الطوعية الآن تسير بصورة جيدة ونستقبل يوميا عشرات البصات القادمة من مصر ومن الولايات بمعدل (90) الف في الأسبوع”.
وتتعالى الدعوات الحكومية لعودة المواطنين إلى الخرطوم، في الوقت الذي يتصاعد فيه الحديث عن التلوث رغم نفي وزارة الصحة القاطع.
وكانت القوات المسلحة قد أحكمت سيطرتها على ولاية للخرطوم في ابريل الماضي.

الطاقة الإنتاجية للمياه 35 في المائة
أكدت اللجنة العليا لتهيئة البيئة لعودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم، في مؤتمر صحفي اليوم الأحد بالخرطوم، أن الطاقة الإنتاجية للمياه بلغت الآن 35%.
وقالت اللجنة، التي يترأسها الفريق مهندس بحري مستشار إبراهيم جابر إبراهيم، عضو مجلس السيادة الانتقالي، إن الطاقة الإنتاجية كانت قبل الحرب 965 ألف متر مكعب، بينما يبلغ الإنتاج الفعلي الحالي للقطاع 339 ألف متر مكعب، بعدما تراجع أثناء الحرب إلى ما بين 50 ألفًا و250 ألف متر مكعب.
وأشارت اللجنة إلى دخول 13 محطة نيلية الخدمة، باستثناء محطة بري التي ستدخل قريبًا، موضحة أن بالخرطوم 1776 بئرًا، منها 793 تعمل حاليًا، وأن محطة بحري تنتج 300 ألف متر مكعب يوميًا.
وكشفت اللجنة أن قوات الدعم السريع دمّرت 9 محولات مع كوابلها، وأن محطة المقرن تعمل بنسبة 33% من الكهرباء العامة، مشيرة إلى أن الدمار كان ممنهجًا، لكن التحسينات بدأت. كما استعرضت تضرر محطة سوبا وسرقة كوابلها، مؤكدة أنها الآن تعمل بكامل طاقتها، إضافة إلى محطة بري.

عقبات تواجه عودة الكهرباء
أوضحت اللجنة أن ولاية الخرطوم تحتاج إلى 14 ألف محول حتى تصل الكهرباء إلى المواطنين، مؤكدة أن الدمار تم بطريقة احترافية ممنهجة بالاستعانة بمتعاونين. وبيّنت أن تعرفة الكهرباء متدنية، وأن الدفع المقدم لا يغطي التكلفة.
وأشارت إلى أن جملة الأضرار في قطاع الكهرباء بلغت 468 مليون دولار، وأن هناك جهودًا حثيثة لإيصال الكهرباء إلى جميع المحطات، بالاعتماد على الكفاءات الداخلية.
ودعت اللجنة المواطنين إلى التعاون وإزالة التوصيلات العشوائية (الجبادات) التي تتسبب في الأعطال وترفع تكلفة الصيانة، مؤكدة ضرورة التزام المواطنين بتركيب التوصيلات النظامية. وأوضحت أنه رغم ظروف الحرب والدمار، يجري التركيز على التوليد المائي لتقليل التكلفة تماشيًا مع الوضع الراهن.
ويقول مواطن من الديوم الشرقية لراديو دبنقا إنهم يضطرون للذهاب إلى متجر يعمل بالطاقة الشمسية لشحن هواتفهم بمقابل مالي وذلك بسبب انقطاع الكهرباء.

مهام جسيمة
قال إبراهيم جابر، رئيس اللجنة العليا لتهيئة بيئة العودة للخرطوم، إن مهام اللجنة تتمثل في ضبط الأمن، وإزالة مخلفات الحرب والمتفجرات، وإخلاء ولاية الخرطوم من القوات المقاتلة، وضبط الوجود الأجنبي، وإزالة السكن العشوائي، وضبط المعابر، ونشر الارتكازات، إلى جانب تقديم الخدمات الضرورية، بما يشمل تأهيل الكهرباء، والصحة، والمياه، وصحة البيئة، والطرق والجسور، ومطار الخرطوم.
وأضاف أن اللجنة، التي شُكّلت بقرار رئيس مجلس السيادة رقم 153، عقدت عدة اجتماعات وزيارات ميدانية عبر لجانها الفرعية، لإسناد جهود حكومة الولاية ودفع العمل حتى تتسنى العودة الآمنة للمواطنين.
ويعتبر مراقبون تشكيل هذه اللجنةةبمثابة افراغ لمجلس الوزراء من مهامه التنفيذية.

ترحيل معظم الوزارات من وسط الخرطوم
وأشار جابر إلى أن مؤسسات الحكومة الاتحادية بدأت فعليًا الانتقال التدريجي إلى العاصمة، وأن جميع الوزارات تسلّمت مقرات بديلة خارج وسط الخرطوم، باستثناء وزارتي الداخلية والصحة إلى حين إيجاد البدائل، مبينًا أن القصر الجمهوري سيبقى في مقره الحالي لرمزيته التاريخية. كما أشار إلى إمكانية عقد اجتماعات مجلسي السيادة والوزراء عبر تقنية الفيديو كونفرنس.
وأعلن جابر عن تنظيم مهرجان رياضي كبير خلال الأيام المقبلة بمشاركة واسعة تشمل جميع الأنشطة الرياضية.
وناشد المواطنين العودة إلى منازلهم، مشيرًا إلى جهود وزارة الصحة في مكافحة نواقل الأمراض.
ويقول الصحفي أيمن محمود “كونتا” إن الأمراض الوبائية تواصل الانتشار في الخرطوم، مشيرًا إلى اكتظاظ المراكز الصحية بالمرضى مع ارتفاع طفيف في أسعار الأدوية.
وأضاف في حديث لراديو دبنقا أن السلطات الصحية قامت بعمليات الرش الضبابي عبر الطائرات في سعيها للحد من انتشار نواقل البعوض.
من جانبه قال المتحدث السابق لغرفة طوارئ جنوب الحزام محمد عبدالله :
” لايخلو منزل في جنوب الحزام من إلاصابة بحمى الضنك والملاريا وفى بعض المنازل إلاصابة لفردين من ألاسرة أو أكثر، المنازل أضحت أشبه بالعنابر، والمؤسف حقا أن الكثير من ألاسر لا تملك حتى ثمن العلاج.
أما الكارثة ألاكبر فإن حالات الوفاة جراء مضاعفات المرض أضحت فى إزدياد مضطرد”
وأشار أيضا إلى وفاة طفلين بمركز القادسية الخيري في السلمة الجديدة الاسبوع الماضي بسبب سوء التغذية.

منع الدراجات البخارية
أوضح وزير الدفاع، الفريق الركن حسن داؤود كبرون، أن اللجنة ماضية في تنفيذ التدابير الأمنية الخاصة باستتباب الأوضاع وفرض هيبة الدولة بولاية الخرطوم، مشيرًا إلى تشديد اللجنة على منع حمل السلاح وارتداء الزي العسكري في الأحياء والأماكن العامة. وأضاف أن اللجنة منعت استخدام الدراجات البخارية والعربات غير المقننة داخل الخرطوم منعًا باتًا، لأن أغلب بلاغات السطو تُستخدم فيها هذه الوسائل.
ودعا كبرون الجنود إلى عدم عرقلة إزالة المساكن العشوائية، ونبّه المواطنين إلى عدم التعامل مع الأجانب غير الحاملين لأوراق ثبوتية.
ويشكو مواطنون من استمرار انتشار حمل السلاح في الخرطوم رغم قرارات الحكومة، مشيرين إلى تواصل عمليات القتل والنهب تحت تهديد السلاح.
و قالت مواطنة لراديو دبنقا إن هنالك تحديات أمنية تتمثل في وجود القوات بزيها العسكري وسلاحها مما يتنافى مع توفر الأمن داعية لنشر قوات الشرطة ، واشارت وجود العصابات الاجرامية وانتشار السلاح في ايادي المواطنين، مما يزيد من ارتكاب الجرائم.
في المقابل، أكد رئيس اللجنة التسييرية للسقيا ومركز صحي حي الزهور بالخرطوم، علي عبدالله، أن قرار رئيس المجلس السيادي الانتقالي، عبدالفتاح البرهان، بإخلاء الخرطوم من كل القوات المسلحة.
وقال في حديث لـ”راديو دبنقا” إن بعض ضواحي الخرطوم تشهد ظهور عصابات “9 طويلة”، مشيرًا إلى أنها أصلا موجودة قبل وبعد الحرب.
وأضاف أن الشرطة تصدت لها بكل قوة وحسم، وأنشأت ارتكازات في مناطق مختلفة لحفظ الأمن، وباشرت مراكز الشرطة عملها بفتح البلاغات ومتابعة كل المجرمين.
من جانبه يقول الطيب سعدالدين وزير الثقافة والإعلام والسياحة المكلف الناطق الرسمي باسم حكومة الولاية إنه لا يوجد انفلات أمني وأن الشرطة الآن انتشرت في الأحياء والشوارع وهناك اطواف مشتركة من كل القوات لضبط المتفلتين ومحاربة الظواهر السالبة بجانب نشاط الخلية الأمنية في ضبط المنهوبات وكشف الخلايا النائمة.
تدشين السوق المركزي بأم درمان
دشّن سيف الدين مختار الطاهر، المدير التنفيذي لمحلية أم درمان، إعادة تشغيل السوق المركزي للخضر والفاكهة (الملجة)، متعهدًا بتوفير خدمات الكهرباء والمياه والنظافة والتأمين، مشددًا على أهمية عمل الفريشة داخل حرم السوق، مع تخصيص الجزء الشمالي موقفًا للعربات المحملة بالخضر والفاكهة من داخل وخارج الولاية.

بداية العام الدراسي
قرع وزير التربية والتعليم الوطني، د. التهامي الزين حجر، اليوم الجرس بمدرسة النوبة الثانوية بنات، إيذانًا ببداية العام الدراسي بولاية الخرطوم، مؤكدًا أن هذه الخطوة رسالة للعالم بأن الخرطوم رمز سيادة السودان وعاصمته.
وأوضح التهامي أن أولويات لجنة قطاع التعليم المنبثقة من اللجنة العليا تشمل سد النقص في الكتاب المدرسي، والإجلاس، والمعلمين، وتهيئة البيئة المدرسية، متعهدًا بمعالجة هذه الإشكاليات بالتعاون مع وزارة التربية بالولاية لضمان عودة جميع طلاب الولاية إلى مقاعد الدراسة، مشيرًا إلى اعتماد توفير 5 آلاف وظيفة معلم أُعلن عنها مؤخرًا.
وقال: “نحن لا نقرع الجرس من مدرسة النوبة فقط، بل من كل مدارس الريف الشمالي، لأن هذه المدرسة حققت نسبة نجاح 100% وتصدرت الريف الشمالي”.

تحذيرات
من جانبه، حذّر الدكتور علي الحاج، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، من مخاطر الدعوات للعودة إلى الخرطوم في ظل الحديث عن تلوث كيميائي نتيجة استخدام أسلحة كيميائية.
وقال في تصريحات إنه كطبيب يجزم باستخدام الجيش أسلحة كيميائية في الخرطوم في فترة سابقة بعلم الحركات المسلحة، منتقدًا ما سماه “صمت الحركات”.
وكانت وزارة الصحة الاتحادية قد نفت وجود أي مؤشرات على تلوث كيميائي أو إشعاعي بالخرطوم، مؤكدة أن الأمراض المنتشرة حاليًا عبارة عن حمى الضنك. وتشهد أجزاء واسعة من الخرطوم تفشي الحميات.
كما أن منظمة الصحة العالمية أعلنت فتح مكتبها في الخرطوم تمهيدا للعودة المتدرجة.
استرداد للحظة الهزيمة
ويرى مدير عام وزارة الرعاية التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق حسن فريني أن العودة لولاية الخرطوم ترتبط بالمشهد الكلي للحظة خروج مواطني الولاية التي كانت مليئة بالرعب والخوف.
وقال في حديث لـ”راديو دبنقا” إن هناك مواطنين فقدوا أرواحهم وآخرين فقدوا أجزاء من أجسادهم وفقدوا كل ممتلكاتهم وأوراقهم الثبوتية، كما تمت ممارسة كل أنواع العنف ضد المرأة.
ووصف العودة الطوعية في غالب الحالات بأنها تمثل استرداد للحظة الهزيمة النفسية الأولى واستردادً لذكرياتهم الجماعية ولممتلكاتهم ولأنفاس أحيائهم التي عاشوا فيها.
وقال في غالب الحالات أن المواطنين العائدين لايتحدثون عن الخدمات الموجودة بقدر ما يريدون أن يروا المنازل التي ولدوا ونشأوا فيها وماتبقى منها ، بعدها يقررون إما الاستمرار في هذا الحي أو يبحث عن منطقة أخرى .
وأضاف أن بعض الأسر أرسلت جزءً من أفرادها خاصة الشباب للوقوف على الأوضاع.