شرق النيل بين أنين الفقد وغياب الأمن والخدمات.. مدينة تتطلع لصمت الحرب
جانب من اثار الدمار بمستشفى شرق النيل جراء العارك بين الجيش وقوات الدعم السريع - المصدر وسائل التواصل الإجتماعي (ارشيف)
منتدى الإعلام السوداني
الخرطوم، 12 نوفمبر 2025، (مركز الألق للخدمات الصحفية) – مرغمون على التعايش مع الأوضاع المتردية فلا خيارات امام المواطنين، بعد معانات رحلات نزوح من ولاية لأخرى، دون مساعدات انسانية او اغاثية في ظل فقدانهم لموارد رزقهم ، مفضلين العودة الى منازلهم رغم الخراب . النساء والأطفال أكثر الفئات سعياً لتوفير لقمة العيش، حيث عزت فرص العمل لمعظم الشباب .
انعدام الأمن الخدمات
مازالت الأحياء السكنية بمنطقة الحاج يوسف وعموم محلية شرق النيل تعيش في ظلام دامس وانعدام مياه الشرب، بإستثناء بعض المناطق التي تضافرت جهود ابنائها بالتبرع لتوفير الطاقة الشمسية ومياه الشرب.
المخاوف من زوار الليل والمتفلتين، باتت أكثر الهواجس التي تؤرق المواطنين في أحياء المنطقة، اللذين باتوا في حالة ترقب ورعب دائم بسبب إنعدام الكهرباء، فلازال انتشار السلاح في يد الخارجين عن القانون والفارين من السجون يشكل خطراً قائماً .
المطالب شبه يومية بتعزيز الأمن وعودة الخدمات موجهة الى ولاية الخرطوم والمحليات. لكن الاستجابة ضعيفة ولاتذكر حد قول سكان المناطق المتضررة . فيما تقول الولاية انها تعمل بكامل جهدها لتعزيز الأمن والاستقرار، وقد صرحت في بيان لها هذا الأسبوع بوصول محولات الكهرباء وسيتم توزيعها على الاحياء ذات الكثافة السكانية والمرافق الخدمية الهامة.
مدارس تفتقر لدورات المياه
بفعل التوقف لأكثر من عامين بسبب الحرب التي اندلعت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣، تعاني عدد من مدارس محلية شرق النيل من انهيار جزئي او كامل لدورات المياه. وظلت المناشدات المستمرة لصيانتها دون استجابة، ليقع عبء صيانة المدارس على المجهود الشعبي ، بالرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها الأسر.
مواهب محمد، معلمة اللغة الإنجليزية، أكدت أن مدرسة الأساس التي تعمل بها تعرضت دورات المياه فيها إلى انهيار كامل وقد اضطرت المدرسة لاستئناف العام الدراسي دون إيجاد حل لاعادة تشييد دورات المياة. وقالت: ” وجهنا عدة نداءات إلا أننا لم نجد استجابة لا من الوزارة ولا المنظمات ..” .
واضافت الأستاذة عفاف مصطفى، معلمة بذات المدرسة، بأن معاناة التلاميذ مع انعدام دورات المياه بالمدرسة امر محزن وأكددت انهم ناشدوا أكثر من مرة عدة جهات بالمساعدة في تشييد دورات المياه ولكن لم يجدوا سبيلا .
وفي ظل أوضاع كتلك يشكو أولياء أمور التلاميذ من ارتفاع رسوم الدراسة بالمدارس الخاصة في ظل انعدام مصادر الدخل ومصاعب العيش.
اختفاء قسري وموت بالمعتقلات
عشرات الأسر فقدت أبنائها بمعتقلات الدعم السريع، ما بين موت بالتعذيب أوالجوع أوالتصفية، وآخرين لا يوجد لهم اثر ومازالت أسرهم تبحث عنهم بالمعتقلات داخل وخارج ولاية الخرطوم.
الحاجة فاطمة فقدت زوج إبنتها، الذي توفى بمعتقلات الدعم السريع بعد اعتقاله من منزله بشرق النيل، وهو شرطي سابق ظل عالقاً بجانب زوجته واطفاله ممارضاً لجدتهم. فقط تلقوا خبر وفاته دون تأكيد، ومازالوا يأملون أن يكون الخبر كاذبا. أطفاله الثلاث، لم تتجاوز اعمارهم السابعة، يمنون أنفسهم برؤية والدهم مجدداً .
وهناك أم مازالت في انتظار خبر عن إبنيها المخفيين قسراً لأكثر من عام بعد أن تم اختطافهما من قبل قوات الدعم السريع. وأخرى فقدت ثلاثة من أبنائها اثان تم قتلهم وآخر توفى لاحقا في ظروف غامضة.
الكثير من الأسر في تلك المنطقة اصبح انتظار الغائبين همها، موجة من الاعتقالات من قبل الجيش والدعم السريع طالت أبناءها . ولم تبقى لهم سوى ذكريات أليمة، قصص مأساوية عن ظروف الاعتقال وأساليب التعذيب ممن فك اسرهم، وآخرين تم اعتقالهم فغابوا وطال غيابهم دون معرفة مصيرهم . وذوي حظوة هم من تم إطلاق سراحهم من قبل الجيش بعد اتهامهم ب”التعاون” أطلق سراحهم بعد ثبوت براءتهم لاحقا.
الحميات، جانب آخر من المعاناة
مازالت الحميات، متمثلة في الملاريا وحمى الضنك، تفتك بمواطني شرق النيل. وبالرغم من تراجع حدة انتشار حمي الضنك الا ان الانتشار الكبير للبعوض والحشرات يعد مهددا لحياتهم. وتنفذ وزارة الصحة مسحاً للمنازل للتجفيف ومراقبة المياة الراكدة وظروف تخزينها منعاً لتراكم الحشرات الناقلة للأمراض . المنازل المهجورة باتت أحد مظاهر ما بعد الحرب، وربما مصدرا للقلق على الصعيد الصحي، حيث تنتشر داخلها الحشائش وتتراكم النفايات. ومن هنا لفت المواطنون إلى اهمية المسح الصحي الكامل للمنازل المهجورة. ودعوا الى ضرورة المراجعة الصحية من قبل وزارة الصحة، للمراكز الصحية والمستشفيات وإعادة تأهيلها لتقديم الخدمات للمواطنين باسعار رمزية تحاشياً لاضطرارهم الذهاب الى الولايات التي استغلت بعضها ظروف النازحين وزادت من معاناتهم .
اسئلة ومخاوف
الظروف القاسية التي عاشتها الأسر إبان الأيام الأخيرة من حصار الاحياء وسط النيران وأصوات المدافع جعلت الرعب قائما بالرغم من هدوء الأحوال والاستقرار نسبياً. الناس هنا يأملون في السلام واسكات صوت البنادق، يخافون اصوات الرصاص أو سماع انباء المعارك مهما بعدت الأماكن، يصيبهم الاحباط وخيبة الأمل من ترديد تصريحات هنا وهناك تدعوا لمزيد من الحرب.
العم حسن بعد أن فقد إبنه بطريقه مأساوية قال أنه لا يرجو غير السلام ولا يريد أن يرى شاباً يموت كبشاعة موت إبنه البرىء والذي مضى ومازال مراهقاً لا علاقة له بقوات الدعم السريع أو غيرها، ولكنه دفع ثمن الكراهية وخطاب العنصرية والجهوية .
الأجواء مشحونة، لكن هناك تبقى المجتمعات تقاوم الساعين للخراب والتفكك الاجتماعي، يتمسكون بتعايشهم السلمي الذي كان، بالرغم من التحريض والدفع لتأجيج خطاب الكراهية بين المكونات .
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) لتعكس واقعاً مأساوياً يعيشه مواطنو شرق النيل في ظل انعدام الأمن والخدمات الأساسية بعد رحلات أسر متعددة النزوح، حيث تتفاقم معاناتهم مع تدهور المعيشة وغياب الدعم الإنساني، وتزداد المآسي بفقدان الأحبة في المعتقلات ومن ظلوا مجهولي المصير. فضلا عن انتشار الأمراض، بينما تبقى المطالب بالأمن والسلام وإعادة الخدمات بلا استجابة تُذكر.



and then