وزارة الإعلام تلغي ترخيص مديرة مكتب قناتي العربية والحدث في السودان

الصحفية لينا يعقوب مراسلة قناة الهربية والحدث-مصدر الصورة: صفحة نقابة الصحفيين على فيسبوك
بورتسودان: 19 سبتمبر 2025 – راديو دبنقا
أصدرت إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام والسياحة قراراً بإيقاف لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي “العربية” و”الحدث” في السودان، وسحب وإلغاء التصريح الصحفي الممنوح لها.
ويأتي القرار عقب بث القناة تقريراً استقصائياً كشف عن مكان وجود الرئيس المخلوع عمر البشير في مروي بالشمالية وأوضاع احتجازه. وأثار التقرير استنكاراً واسعاً وسط مؤيدي النظام السابق الذين طالبوا باتخاذ قرار بإيقاف القناة.
وأدانت نقابة الصحفيين السودانيين القرار واعتبرته انتكاسة خطيرة لحرية الصحافة.
ووفقاً لتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” عن حرية الصحافة، تراجع ترتيب السودان إلى المرتبة 156 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025. كما أعلنت المنظمة أن أكثر من 400 صحفي سوداني يعيشون في المنافي.
ووجهت إدارة الإعلامالخارجي، في بيان مطوّل اطّلع عليه راديو دبنقا، تحذيرات لإدارتي قناتي “الحدث” و”العربية”، مبينة أن الحكومة لن تقبل مستقبلاً تكرار ما أسمته “الأخطاء غير المهنية والمتعارضة مع شروط التصريح الممنوح للقناتين بالعمل في السودان”.
حيثيات القرار
ذكرت الوزارة في حيثيات القرار أن القناة نشرت تقريراً “يتضمن اتهامات غير موثقة منسوبة لرئيس وقيادات النظام السابق، دون تقديم أدلة أو توضيح مصدر هذه المعلومات الكاذبة التي أُريد منها التشكيك في مواقف قيادات ومؤسسات الحكم الحالي وخلق هوة عدم ثقة بينها وبين الشعب”.
واتهمت إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام والسياحة مديرة مكتب القناتين بارتكاب تجاوزات مهنية كبيرة ومتكررة خلال الفترة من 24 ديسمبر 2024 وحتى تاريخ صدور هذا القرار.
وقالت الوزارة إن المراسلة قامت ببث معلومات غير موثقة ونشر روايات منسوبة إلى مصادر مجهولة، دون الرجوع إلى الجهات الرسمية أو الالتزام بمعايير التحقق الصحفي. وأضافت أن ذلك تسبب في تضليل الرأي العام المحلي والدولي، والإضرار بسمعة الدولة ومؤسساتها، فضلاً عن ما وصفته بـ”الانتهاكات الصارخة للمعايير المهنية المتفق عليها دولياً”.
واتهمت المراسلة أيضاً بنشر معلومات غير دقيقة ومضللة أسهمت سابقاً في نزوح وتهجير أعداد كبيرة من المواطنين من قراهم ومدنهم.
كما أوضحت الوزارة أن المراسلة صرحت في مداخلة مباشرة بأن قوات الدعم السريع سيطرت على القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو أمر غير صحيح.
واتهمتها كذلك بنشر تفاصيل ومعلومات عسكرية حساسة، مثل قصف مطار بورتسودان بواسطة مسيّرات استراتيجية، مع نسب هذه المعلومات إلى “مصدر عسكري مجهول”، دون أي توثيق رسمي.
وأضاف القرار أن المراسلة استخدمت لغة وصفية غير مهنية تتضمن إيحاءات عدائية واستفزازية، واعتمدت على مشاهد تمثيلية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتصوير أحداث من دون الإشارة إلى كونها غير حقيقية، مما يؤدي إلى تضليل الرأي العام.
كما ذكرت الوزارة أن المراسلة لم ترد على رسالة بشأن تقرير نُشر حول استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، وأنها أشارت كذلك إلى “مباركة الشعب السوداني لقرارات الرباعية”.
القرار لا يشمل القناتين
وأكدت الوزارة أن القرار يخص المراسلة الصحفية بشكل مباشر، ولا يستهدف القناتين “الحدث” و”العربية” كمؤسستين إعلاميتين مرخّص لهما بالعمل في السودان. كما لفتت انتباه القناتين إلى ضرورة عدم نشر أي محتوى يتنافى مع المعايير المهنية أو يخالف القوانين المحلية المنظمة للعمل الإعلامي.
وتسعى الحكومة السودانية لتطوير علاقتها مع السعودية، وهي الدولة التي تمثل القناتين، حيث زار رئيس الوزراء الرياض خلال الأيام الماضية.
وكانت السلطات السودانية قد أوقفت قناة “الشرق” السعودية عن العمل بعد نشرها تسريبات عن تعديلات الوثيقة الدستورية، وتبيّن لاحقاً صحة تلك المعلومات.
النقابة تدين
أدانت نقابة الصحفيين السودانيين قرار إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب ترخيصها الصحفي.
وأكدت النقابة أن هذا القرار، رغم المبررات المذكورة في بيان الوزارة، يمثل انتكاسة خطيرة لحرية الصحافة ويقوض حق المجتمع في الحصول على المعلومات، خاصة في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها السودان. كما أنه يرسخ سابقة مقلقة لاستخدام عبارات فضفاضة مثل “الأمن الوطني” و”المصلحة العامة” لتبرير تقييد العمل الصحفي المستقل، وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير.
وأشارت النقابة إلى أن البيان الرسمي للوزارة لم يقدم، في معظم حيثياته، أدلة ملموسة أو أمثلة واضحة على المخالفات المزعومة، مما يفتح الباب لتأويلات واسعة تهدد عمل الصحفيين. كما أن توقيت القرار، الذي تزامن مع حملة منظمة استهدفت الصحفية على منصات التواصل الاجتماعي، يثير تساؤلات جدية حول دوافعه الحقيقية واستقلالية القرار الإداري.
وحذرت النقابة من أن مثل هذه الإجراءات تؤجج بيئة العداء تجاه الإعلاميين، التي تصاعدت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب، وتخلق واقعاً خطيراً يهدد سلامتهم ويحد من قدرتهم على أداء دورهم الحيوي في رصد وتوثيق الأحداث.
وجددت النقابة تأكيدها أن ضمان سلامة الصحفيين وحماية حريتهم المهنية مسؤولية أساسية تتحملها السلطات. وطالبت بالتراجع الفوري وغير المشروط عن قرار الإيقاف وسحب التصريح.
كما دعت إلى الكف فوراً عن أي تحريض أو استهداف للزميلة لينا يعقوب أو أي صحفي آخر، وضمان سلامتهم الشخصية والمهنية.
وشددت على احترام الحقوق المهنية للصحفيين والتمييز بين الأخطاء المهنية القابلة للمساءلة عبر القنوات القانونية الواضحة، وبين ممارسة الحق في التعبير ونقل المعلومات.
وطالبت النقابة جميع المنظمات الإقليمية والدولية الحريصة على حرية الصحافة بالتضامن مع لينا يعقوب والوقوف إلى جانب الصحفيين السودانيين للضغط من أجل التراجع عن هذا القرار والدفاع عن حق الشعب السوداني في إعلام حر ومسؤول.