هل مؤتمر الآلية الثلاثية برق خُلَّبٌ أم يُرجَى وَابِلُه؟!

تتسارع الأيام نحو العاشر من مايو، وهو الموعد الذي ضربته الآلية الثلاثية لانعقاد مؤتمر جامع يستهدف إيجاد حلول عملية لمشكلة الحكم القائمة حالياً في السودان. لكن لا تبدو في الأفق تباشير أو مؤشرات كافية يمكن أن تُطَمئِن المراقب على إمكانية إحداث اختراق في الوضع الذي يزداد تأزماً كل ساعة، بل إن الشك قد يصل إلى عدم إمكانية عقد المؤتمر نفسه، دعك من خروجه بنتائج إيجابية تجعل أهل السودان يتنفسون الصعداء، ويلمون شعث ثورتهم التي بهرت العالم لكنها أخذت تتسرب من بين أياديهم وأمام أنظارهم طوال سنوات عمرها الثلاث، بسبب أطماع عسكرية، ومشاكسات مدنية، وإرهاصات عودة إنقاذية.

بروفيسور مهدي أمين التوم

 

بقلم  : بروفيسور مهدي أمين التوم

 

تتسارع الأيام نحو العاشر من مايو، وهو الموعد الذي ضربته الآلية الثلاثية لانعقاد مؤتمر جامع يستهدف إيجاد حلول عملية لمشكلة الحكم القائمة حالياً في السودان. لكن لا تبدو في الأفق تباشير أو مؤشرات كافية يمكن أن تُطَمئِن المراقب على إمكانية إحداث اختراق في الوضع الذي يزداد تأزماً كل ساعة، بل إن الشك قد يصل إلى عدم إمكانية عقد المؤتمر نفسه، دعك من خروجه بنتائج إيجابية تجعل أهل السودان يتنفسون الصعداء، ويلمون شعث ثورتهم التي بهرت العالم لكنها أخذت تتسرب من بين أياديهم وأمام أنظارهم طوال سنوات عمرها الثلاث، بسبب أطماع عسكرية، ومشاكسات مدنية، وإرهاصات عودة إنقاذية.

المشكلة الأولى أمام المؤتمر هي استكانة الآلية الثلاثية لضغط البرهان ورهطه، بجعل مهمتها تسهيلية فقط، بالتالي منعها من لعب دور الوسيط، ولهذا لم تتقدم بمشروعات أو مقترحات يمكن أن توضع أمام المؤتمرين للتداول حولها وصولاً لما يمكن أن يكون في النهاية وثيقة حيادية جامعة، يرى فيها الكل أنفسهم، ولا يمارس حيالها المؤتمرون ما ظل يُعَوَّق مسيرة الوطن من حساسيات فردية أو حزبية أو جهوية، بقيت لوقت طويل تجعل البعض يعارض الآخرين لمجرد أنهم آخرين.

 لقد كان المطلوب والأفضل ألا تقبل الآلية الثلاثية بفرض هذا الدور عليها، و هي تستند في تحركها على الأمم المتحدة بكل هيبتها الدولية، والاتحاد الإفريقي بكل تأثيره الإقليمي، ومنظمة الإيقاد بكل ما تعنيه من أبعاد في مستقبل إقليم شرق إفريقيا.

المشكلة الثانية التي تقلل من فرص نجاح المؤتمر هي حقيقة أنه رغم أننا على بُعد سويعات من انعقاده، لا يزال الجميع يجهلون الأجندة التي ستمثل رؤوس الموضوعات التي سيتحاور حولها المؤتمرون.. وبما أن النسبة الكبرى من المشاركين ستكون من الأحزاب والتنظيمات المدنية والشبابية، فإن هذه أجسام اعتبارية، بالتالي فإن ما يقدم باسمها وما يُقبل من توصيات أو قرارات، يجب أن تعبر عن آرائها كتنظيمات وليس كآراء شخصية يقدمها مَن يمثلهم في المؤتمر.

وبما أنه لم تصدر أجندة حتى الآن، فبالضرورة يمكن افتراض أنه لم تُتَح الفرصة لتلك التنظيمات لبلورة أفكارها حول موضوعات المؤتمر، لذلك لا يُتَوَقَّع من مناديبها مساهمات مجدية أو اصطفافات ملزمة، كما لا يتوقع من التنظيمات التزامات مسبقة بقبول ما قد يصدر من توصيات أو سياسات.
المشكلة الثالثة التي قد تنسف المؤتمر هي أشخاص وتنظيمات المشاركين في جلساته.. فالمجتمع السوداني منقسم إلى كتلتين أساسيتين إحداهما تمثل أطياف الثورة والأخرى تمثل الإنقاذيين بكل مشاربهم وتصنيفاتهم القديمة والمستحدثة، كما تضم الذين احتواهم العسكر وحميدتي بالترغيب أو الترهيب.

إن جلوس هؤلاء الأضداد في قاعة واحدة، وفي مثل الأجواء التنافرية التي تشهدها الساحة السياسية حالياً، بالذات منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر وما سبقه من تحشيد مناوئ للثورة في ساحات القصر الجمهوري، كل ذلك ينبئ بتفجر الأوضاع إذا اجتمعت هذه الأضداد تحت قبة واحدة.

صحيح إن المجموعات التي تقف في شاطئ الانقلابيين ستهرول للمشاركة في المؤتمر وبأعداد ومسميات ما أنزل الله لها من سلطان، لأنها تبحث عن موقع لا تستحقه تحت سماء الثورة ونشاطاتها، فرضاً لنفسها على الآخرين، وبحثاً عن ما يمسح أو يُنسي الناس عورة تشجيعهم، و من ثَمَّ مساندتهم و دعمهم للانقلابيين. أما أصحاب الوجعة أهل الثورة الحقيقيون، فبالرغم من ما بينهم من تشاكسات واختلافات رؤى، فإنهم في الغالب الأعم سيكونون موحدين في رفضهم الجلوس في قاعة جل مرتاديها من المناوئين علناً للثورة. إن التناقض بين هاتين الكتلتين كفيل بتفجير المؤتمر.

المشكلة الرابعة التي ستزيد الأمر تعقيداً وتفجراً هي احتمال وجود أرتال من العسكريين في رحاب المؤتمر . صحيح إنهم جانب أساسي في المشكلة، وعنصر ضروري في الحل، لكن لن يهضم وجودهم أصحاب اللاآت الثلاث. وعليه فإن أمر مشاركة العسكريين يتطلب حسماً وحلولاً ينبغي أن تتم مسبقاً، ولا أظن أن الوقت المتبقي لبداية المؤتمر يكفي لإيجاد حلٍ مرضٍ لهذه الإشكالية.

المشكلة الخامسة هي معضلة تمثيل لجان المقاومة، إن هؤلاء الشباب هم الحاضر وأساس المستقبل، إنهم الثورة وقوداً وحفظاً وتصوراً، وبالتالي لن يكون مؤتمر بدونهم. لكن المشكلة كيف يمكن تمثيلهم بوزنهم الثوري ليتأثروا ويؤثروا في مجرى أحداث المؤتمر؟! وهم نفسهم ليسو فقط غير موحَّدين، بل هناك قوى داخلهم وحولهم تمنع توحدهم، هم ليسوا أبناء وبنات الخرطوم وحدها، فكيف سيتم تمثيلهم كتنظيم قومي لن يكون للمؤتمر جدوى بدونه، ولن تنفع نتائج المؤتمر إذا جاءت بدون هؤلاء الأشاوش؟!

المشكلة السادسة ذات طبيعة إدارية تتعلق برئاسة المؤتمر العام وما قد يتمخض عنه من لجان عمل. حتى الحين، ونحن على بعد أيام قليلة من المؤتمر، لم يُنشر شيء عن هذا الأمر رغم أهميته. فالذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مجرد مسهلين لن يتقدم أحدهم لرئاسة المؤتمر ، وأخشى ما أخشاه أن يكون لتواجد دكتور عبد الله حمدوك في الخرطوم علاقة بهذا الموضوع، أو بتطورات لاحقة يتطلع لها منظموا المؤتمر تحت ادِّعاء القومية أو جماعية القبول.

ختاماً، ومع إيماني بأهمية المؤتمر، وبالحاجة الماسة لوجود جهة محايدة، كالآلية الثلاثية، تجمع الشتات السياسي السوداني تحت قبة واحدة ليتفاكروا ويسيروا بالثورة والوطن إلى الأمام، إلا أن أي واحدة من المشكلات أعلاه كفيلة بإفشال هذا المسعى الأممي/ الإقليمي في ساعته الأولى، لترتد الأوضاع إلى أسوأ مما هي عليه حالياً. وكمساهمة متواضعة، أقترح:
١- تأجيل المؤتمر لبعض الوقت لتجويد التنظيم والتحضير.
٢- اعتبار الآلية الثلاثية وسيطاً ومنظماً للمؤتمر وليست مجرد مسهل أو مهيئ للمكان.
٣- تحديد أجندة ونشرها قبل وقت كاف ليستعد لها المشاركون.
٤- تجهيز أوراق عمل مبدئية تتضمن مقترحات وبدائل.
٥- الإعلان المسبق لأسماء الجهات والأشخاص المشاركين.
٦- توزيع المشاركين إلى مجموعتين حسب الموقف من انقلاب ٢٥ أكتوبر.
٧- يعقد المؤتمر في شكل مجموعتين مختلفتين متزامنتين في قاعات منفصلة.
٨- يقوم الوسطاء بوضع توصيات ومقترحات نهائية مستمدة من مخرجات المجموعتين.
٩- يتم التوقيع على التوصيات النهائية أمام الآلية الثلاثية، مع تعهد بكامل الالتزام من كل الجهات الرسمية والشعبية بضمانة مراقبين دوليين.

والله المستعان وهو على كل شيء قدير