محجوب محمد صالح: نعم.. الشيطان يكمن في التفاصيل!!

درج الراحل الدكتور جون قرنق -رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- على أن يردد أثناء التفاوض بحثاً عن حلول لأزمة «الجنوب/الشمال»….

محجوب محمد صالح(ارشيف)

محجوب محمد صالح

درج الراحل الدكتور جون قرنق -رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- على أن يردد أثناء التفاوض بحثاً عن حلول لأزمة «الجنوب/الشمال» في السودان أن «الشيطان يكمن في التفاصيل). ويبدو أن الشيطان ما زال كامناً في تفاصيل الصراع الحالي في جنوب السودان، رغم موجة التفاؤل التي سادت في أعقاب توقيع أطراف الصراع على إعلان مبادئ، واتفاقهم على وقف إطلاق النار ما زال نافذاً حتى الآن؛ لكن البحث عن الحل الشامل الذي بدأ عقب التوقيع على إعلان المبادئ ما زال مستمراً ويسير ببطء، ولا نعتقد أن الفترة المحددة لجولة التفاوض الحالي -وهي أسبوعان- ستكفي حتى لإكمال النقاش حول البند الأول في الأجندة وهو بند الترتيبات الأمنية. وقد استمع الوسطاء إلى آراء ومواقف كل أطراف الصراع وأصبح المطلوب أن يعكف الوسطاء على دراسة تلك المواقف المتباعدة في محاولة لتجسير الفجوة بينهم والوصول إلى حلّ وسط يرضاه الجميع، وهي مهمة شبه مستحيلة لأن المواقف جدّ متباعدة ولا يبدو أن هناك نقطة التقاء بينها، وما زال الوسطاء يتداولون وهم -في ما يبدو- قد تحسّبوا لمثل هذا الإشكال فوجهوا الدعوة إلى حوالي العشرين من «حكماء الجنوب» وهم شخصيات قومية من أبناء جنوب السودان يعتقدون أنهم يتمتعون بقدر من الاحترام قد يجعل كلمتهم مسموعة، وتريد حكومة السودان أن تستعين بهم لتذليل هذه الصعاب.
نجاح وقف إطلاق النار حتى الآن يجب أن لا يجعل الوسطاء يستسهلون المهمة؛ ذلك لأن التزام أطراف الصراع بوقف إطلاق النار سببه أنهم منهكون بعد أن تبدّدت قدراتهم في المعارك السابقة ويعانون من إرهاق الحرب، إضافة إلى أن الأزمة المالية قد وضعت حداً لقدرة الحكومة والمعارضة على تمويل المعارك العسكرية. وحقيقة فإن المعارك الكبيرة توقفت قبل إعلان وقف إطلاق النار وبات الوضع العسكري محصوراً في مناوشات خفيفة هنا وهناك.. ولكن وقف إطلاق النار لا يعني السلام ولا يعني أن الأطراف قد تخلّت عن مواقفها المتعنتة، خاصة بالنسبة للقضيتين الأهم في هذا الصراع وهما: الترتيبات الأمنية واقتسام السلطة. وأهم موضوع خلافي في الترتيبات الأمنية هو وضع الجيش، فرئيس جنوب السودان سلفاكير متمسك بجيشه الحالي ومصمم على حلّ الميليشيات حال التوقيع على أي اتفاق سلام، والمعارضة تعتقد أن الجيش الحالي جيش قبلي يفتقد القومية ومجير لخدمة والدفاع عن حكومة سلفاكير، وأن الجيش القومي ينبغي إعادة بنائه من جديد على أساس المحاصصة القبلية حتى يكون ممثلاً للجميع.. ومثل هذا الخلاف من شأنه أن يستحوذ على الزمن المحدد للتفاوض دون أن يحدث فيه اختراق لأن كل طرف يرفض رفضاً تاماً ما يطرحه الطرف الآخر، خاصة بعد المآسي التي صاحبت الحرب الأهلية الأخيرة في جنوب السودان ودور الجيش فيها.
والأمر في ما يخص اقتسام السلطة لا يقل تعقيداً عن الترتيبات الأمنية، وموقف المعارضة يبدأ بالسعي إلى التقليص من سلطات رئيس الجمهورية التي يتمتع بها اليوم، والتي تخلق منه حاكماً أوحد يملك كل السلطات منفرداً، وتتواصل التعديلات المطلوبة لتطال عدد الولايات التي قفز بها سلفاكير إلى أكثر من الثلاثين ولاية، وترى المعارضة أن تلك الخطوة كانت محسوبة لتحقيق الهيمنة القبلية لمجموعة عرقية واحدة (قبيلة الدينكا)، وأن زيادة عدد الولايات يتعارض مع الدستور ولا ينبغي أن تزيد عن العشر ولايات المحددة في الدستور. فيما يرى البعض العودة للأقاليم الثلاثة (الاستوائية – بحر الغزال أعالي النيل) وهم يرون في الأقاليم الثلاثة معادلة أفضل لاقتسام السلطة. وغنيّ عن القول بأن سلفاكير يرفض كل تلك الأطروحات ويتمسك بعدد الولايات الحالي الذي قرره منفرداً.
الإيقاد والوسطاء السودانيون والأفارقة مطالبون بفتح الفترة الزمنية المتاحة للتفاوض؛ لأن هذه القضايا المعقدة لن تُحسم بين يوم وليلة ولن يسير التفاوض في خط مستقيم لأن الخط سيتعرج ويرتفع وينخفض، مما يحتاج إلى صبر ومثابرة واستعداد للتعامل مع «شياطين التفاصيل»!;

العرب القطرية