طاولة تفاوض بلا نساء: حين تُهمل الأصوات الأكثر تضررًا
نساء اليونسيف (ارشيفية )
طاولة تفاوض بلا نساء: حين تُهمل الأصوات الأكثر تضررًا
كمبالا: أمستردام / الاثنين 10 نوفمبر 2025 : راديو دبنقا
رغم الدور المحوري الذي تلعبه السودانيات على المستوى المجتمعي والإنساني بعد عامين من الحرب، إلا أن حضورهن في طاولات صنع القرار ومشاركتهن في مسارات التفاوض محدود ورمزي ولا يعكس حجم مساهماتهن أو معاناتهن الحقيقية.
هذا ما أكدت عليه نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد قائلة إن “مساحة أصوات النساء تتضاءل بينما يتزايد العنف من حولهن”، مضيفة أن النساء يدفنّ أحباءهن في مناطق النزاع بينما لا تصل نسبتهم بين كل عشرة مفاوضين إلى امرأة واحدة. وأوضحت أن مشاركة النساء في محادثات السلام تجعل الاتفاقات أقوى وأكثر عدلاً وأكثر احتمالًا للاستمرار، لأنهن يعرفن ما هو على المحك ويعشن عواقب كل حرب في منازلهن ومجتمعاتهن.
لكن الواقع السوداني، بحسب المتابعات الأخيرة لمبادرة الرباعية لإنهاء الحرب، يظهر غيابًا فعليًا لمشاركة النساء في مسارات التفاوض، إذ لم تشهد المراحل الأولى أي تمثيل حقيقي للنساء. هذا الاستطلاع يجمع آراء قياديات وناشطات سودانيات حول ضرورة تمثيل النساء بشكل فعال في مبادرة الرباعية، ويستعرض مطالبهن في إشراك النساء في كل مراحل التفاوض وإدماج أجندتهن ضمن مخرجات السلام لضمان العدالة والاستقرار.

مثيل متأخر وهامشي
أكدت الناشطة النسوية رابحة إسماعيل محمد، أن جميع المبادرات السابقة، بما في ذلك الرباعية، لم توفر مشاركة حقيقية للنساء، فقد كانت تمثيلاتهن غالبًا متأخرة أو هامشية، ولم يكن لهن دور أساسي في طاولات التفاوض. ورأت أن مشاركة النساء يجب أن تبدأ منذ اللحظة الأولى لتأسيس أي مبادرة أو جسم تفاوضي، لضمان تأثيرهن على جميع مراحل العملية، بدءًا من الوساطة إلى اللجان وآليات الاتفاق والسلام.
وشددت رابحة على ضرورة الشمولية لتغطية التنوع الكبير في السودان، بما يشمل كل النساء، سواء المنتميات للمجتمعات القاعدية أو اللواتي لا ينتمين لأي منظمات، لضمان أن تعكس أجندة السلام احتياجاتهن وتطلعاتهن. كما أكدت أهمية دعم النساء اقتصاديًا وتمكينهن من خلال التدريب والخبرات اللازمة للمشاركة الفاعلة، وضمان أن يكون لهن دور حقيقي في كل مراحل عملية السلام، من اللجان والوساطة إلى الوفود المشاركة وأصحاب المصلحة.
من هنّ اللاتي سيشاركن باسم المرأة؟
حذرت الناشطة السياسية والحقوقية نعمات كوكو محمد منسقة المنصة النسائية السودانية لوقف الحرب وبناء السلام، من خطورة إقصاء القواعد النسوية الحقيقية في أي عملية سياسية أو تفاوضية، مؤكدة أن اختيار نساء لا يمثلن واقع الغالبية المتضررة سيُعيد إنتاج الأزمة السياسية القديمة.
وأوضحت أن المبادرة الرباعية لا تمثل خارطة طريق شاملة ما لم تُبْنَ على رؤية سودانية خالصة، مشيرة إلى أن مسارات الحوار الحالية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي أو مبادرة القاهرة تشمل بقايا النظام السابق، وهو ما يشكل خطرًا على قوى الثورة والتغيير.
وشددت كوكو على أن مشاركة النساء يجب أن تنطلق من الواقع، حيث الغالبية العظمى من النازحين واللاجئين نساء يتحملن مسؤوليات إعالة الأسر، وأن إشراكهن من مختلف الفئات يضمن صياغة أجندة حقيقية لبناء السلام ورسم مستقبل البلاد. كما دعت إلى وضع معايير واضحة وشفافة لاختيار ممثلات النساء في الداخل، في معسكرات النزوح، وفي دول اللجوء، لضمان التمثيل الحقيقي للفئات المتأثرة.

ضحايا وفاعلات
اعتبرت عضو شبكة النساء السودانيات والناشطة السياسية والمدنية، رحمة عتيق الكنزي، أن النساء في السودان يجمعن بين كونهن ضحايا للعنف والانتهاكات الجسيمة وفاعلات في الوقت نفسه على المستوى المجتمعي والأسري.
وأضافت أن النساء لعبن دورًا محوريًا في إيصال المساعدات ودعم النازحين وإدارة الملاجئ والمطابخ المجتمعية، وتحملن مسؤوليات إعالة الأسر في ظل غياب الرجال. كما أقمن تحالفات شبكية بين المبادرات والمنظمات المدنية والسياسية لتطوير أجندة نسوية مشتركة تهدف إلى ضمان انعكاس معاناتهن واحتياجاتهن في مسارات التفاوض، وأن يكون لهن صوت حقيقي وفاعلية في صياغة الحلول.
وأكدت رحمة أن مشاركة النساء يجب أن تكون شاملة على جميع مستويات العملية التفاوضية، بما يشمل الأطراف الرسمية ولجان التفاوض وآليات المراقبة، مع مراعاة التنوع الجغرافي والاجتماعي والسياسي وإدماج النازحات واللاجئات. وأكدت ضرورة أن تُبنى كل هذه الجهود على أساس الالتزام بحق النساء في المشاركة، بما يشمل الحماية والمساءلة والمساهمة في صياغة سلام مستدام وعادل.
“في اتفاقية جوبا أُقصيت أجندتنا”
نبهت عضو تنسيقية( منسم) عازة محمد أحمد حسن إلى أن اتفاقيات السلام السابقة تمت بمعزل عن النساء أو بمشاركة رمزية محدودة، ولم يكن لهن دور حقيقي في صنع القرار، مما أفرز أخطاء كبيرة في حق المجتمع السوداني.
وأكدت أن النساء يمتلكن أجندة واضحة وتحالفات قائمة منذ وقت مبكر، ويجب أن يستمر عملهن عبر المجموعات النسوية دون انتظار إذن أحد، وأن يُختار ممثلاتهن بنفسهن بعيدًا عن تدخل السياسيين أو العسكريين. وأوضحت أن النساء لا يشترطن أن يكن مجموعة واحدة، بل يمكن أن يعملن في تحالفات متعددة شرط أن تكون الأولويات واضحة ومتوحدة أثناء النقاشات وطاولات التفاوض.

السلام المستدام لا يتحقق دون النساء
بدورها أكدت، خبيرة الإعاقة وعضوة التنسيق الإقليمي لرفع المقدرات النسوية،سعدية عيسى اسماعيل ،أن المبادرة الرباعية تمثل بارقة أمل للنساء الراغبات في السلام، لكنها شددت على أن السلام المستدام لا يتحقق دون قيادات نسوية فاعلة، مع إعداد خارطة طريق واضحة تشمل النساء كجزء أساسي.
وشددت على ضرورة أن تكن النساء فاعلات وصانعات للقرار، لا مجرد مشاركات رمزية، وأن يكنّ جزءًا من كل الآليات التفاوضية والفنية لضمان إدماج وجهات نظرهن، خصوصًا فيما يتعلق بالهدن الإنسانية وتوصيل الدعم وفتح الممرات، مع مراعاة التنوع الجغرافي والاجتماعي.
مشاركة عبر مسارين
لفتت، منسقة حملة نساء ضد الظلم، القيادية بالحركة الشعبية والتيار الثوري الديمقراطي، إحسان عبد العزيز إلى أن نجاح السلام مرتبط بإشراك النساء في جميع مراحل التفاوض، وأن الأكثر تضرراً هن الأكثر حرصاً على السلام. وأوضحت أن المشاركة يمكن أن تتم عبر مسارين: أحدهما يشمل النساء في طاولة التفاوض الرئيسية من طرفي الصراع، والآخر يشمل النساء السياسيات ومنظمات المجتمع المدني لدعم التفاوض وإدخال الأجندة النسوية ومتطلبات السلام، مع الالتزام بالقرار 1325 لضمان العدالة الانتقالية وجبر الضرر.

الرباعية لا تمتلك القدرة على إنهاء الفظاعات
فيما أشارت المديرة الإقليمية للمبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي(صيحة) هالة الكارب، إلى أن ما يحدث في السودان ليس مجرد حرب، بل سلسلة من الفظاعات التي تُستخدم فيها أجساد المدنيين كأدوات، ما يستدعي وجود طاولة تفاوض متكاملة للتعاطي مع كل تعقيدات الأزمة.
وأكدت أن مشاركة النساء ليست شكليّة، بل ضرورة لضمان إدماج مصالح ومعاناة النساء في قلب التفاوض، مع دور واضح في صياغة الحلول وتنفيذها، معتبرة أن المبادرة الرباعية وحدها غير كافية لإنهاء الفظاعات.
غياب الرؤية الموحدة بين المبادرات
رأت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) أميرة عثمان أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون رؤية نسوية حقيقية وفاعلة قادرة على معالجة جذور الحروب ومنع تكرارها. وأشارت إلى أن النساء غالبًا ما يكن غائبات عن طاولات التفاوض، والحضور النسوي محدود وشكلي، مشددة على أهمية بلورة رؤية نسوية موحدة تضمن مشاركة النساء في صنع القرار على كل المستويات لتحقيق سلام مستدام وعادل في السودان.
وأكدت جميع المتحدثات أن مشاركة النساء ليست منّة أو خيارًا رمزيًا، بل ضرورة حتمية لضمان العدالة والاستقرار، وأن أي عملية سلام حقيقية لا يمكن أن تنجح دون وجود النساء كطرف فاعل ومؤثر في كل مراحل التفاوض والمخرجات النهائية.



and then