زيارة خبير حقوق الإنسان إلى السودان.. وعود ومطالب حكومية مع استمرار الانتهاكات

أمستردام – 29 يوليو 2025 – راديو دبنقا
تتواصل زيارة الخبير الأممي المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، إلى مدينة بورتسودان لليوم الثالث على التوالي. تعتبر هذه الزيارة الثالثة من نوعها للخبير إلى السودان، وتأتي وسط جدل متصاعد حول جدواها في ظل استمرار الانتهاكات وغياب مؤشرات التغيير.
استمرار الطوارئ والمحاكمات القاسية
أعرب نويصر في تصريحات صحفية محدودة في بورتسودان أمس عن قلقه من استمرار فرض قوانين الطوارئ على المستويين الاتحادي والولائي، مشيرًا إلى أنه تلقى وعودًا من المسؤولين برفعها. وأوضح أن أولوياته تتركز على أربعة ملفات رئيسية هي: حماية المدنيين، تسهيل العمليات الإنسانية، المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وتمكين المنظمات الحقوقية والإنسانية من العمل. لكنه أكد أنه لم يلمس “تطورات إيجابية تذكر”، لافتًا بوجه خاص إلى المحاكمات الأخيرة التي وصفها بـ”القاسية والمفتقرة للضمانات العدلية”.
وكان المرصد السوداني لحقوق الإنسان ومرصد الجزيرة لحقوق الإنسان قد أوصيا الخبير المستقل بوضع حماية المدنيين على رأس أجندة الزيارة.
الحكومة: نملك آليات لحماية الحقوق
من جانبه، دافع وزير العدل ورئيس الآلية الوطنية لحقوق الإنسان، د. عبد الله درف، عن موقف الحكومة، مؤكدًا أن السودان يمتلك “آليات متعددة لحماية المدنيين”، من بينها المجلس الاستشاري لحماية المدنيين. ونفى الوزير وجود محاكمات تفتقر لمبدأ المحاكمة العادلة، مشددًا على أن كل متهم تُتاح له فرصة الدفاع عن نفسه. كما اعتبر وصف بعض الأحكام بـ”القاسية” تعبيرًا غير قانوني.
واتهم درف الأمم المتحدة بالتقصير في تقديم الدعم الإنساني، قائلًا إن ما وصل السودان لا يتجاوز 16% من الاحتياجات، بينما تحملت الحكومة والشعب العبء الأكبر. وطالب بتصنيف قوات الدعم السريع “جماعة إرهابية”، داعيًا الخبير الأممي إلى الاستناد على المعلومات الرسمية وتجنب “الحديث المرسل”.
دعوات محلية ودولية لتدخل أممي أوسع
في المقابل، شدد د. عبد السلام سيد أحمد، من المرصد السوداني لحقوق الإنسان، على ضرورة أن يركز نويصر على حماية المدنيين ووقف المحاكمات غير العادلة، مؤكدًا أن هذه المحاكمات باتت تتكرر بشكل مقلق وتستدعي تحركًا عاجلًا من مجلس حقوق الإنسان. كما دعا إلى تمكين الضحايا من تقديم شهاداتهم بشكل مباشر.
الخبير القانوني صالح محمود ، في مقابلة مع راديو دبنقا، ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن القوانين السودانية الخاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية “حبر على ورق”، متهمًا الحكومة بالعجز عن تحقيق العدالة ورفض المساعدات الدولية التي كان من شأنها إصلاح المنظومة العدلية.
ووصف صالح الزيارة بأنها خطوة إيجابية، لكنها لا تكفي ما لم تسمح الحكومة لهذه البعثات بلقاء الضحايا والشهود والاستماع لإفاداتهم بشكل مباشر. وأوضح أن ما يحدث حتى الآن يقتصر على تقارير رسمية حكومية تنكر وقوع الانتهاكات أو تزعم متابعة العدالة، دون أن تقدم أدلة ملموسة.
تأسيس ترحب
وفي تطور لافت، رحب تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) برغبة نويصر في التواصل مع المسؤولين بمناطق سيطرة قواته، معلنًا استعداده لتسهيل زيارته والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في دستور السودان الانتقالي لعام 2025.
منظمات حقوقية: ملفات مغيبة
قالت نون كشكوش من مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان في مقابلة مع راديو دبنقا إن المرصد أوصى الخبير بزيارة المحتجزين على خلفية مواد في القانون الجنائي وقانون جرائم المعلوماتية، الذين يواجهون ملاحقات تعسفية بسبب آرائهم أو انتماءاتهم. كما حذرت من أوضاع مراكز الاحتجاز، خاصة في ولاية الجزيرة، حيث توفرت تقارير عن اختفاءات قسرية وتعذيب وانتزاع اعترافات تحت الضغط.
بدوره، أكد الدكتور عبد السلام سيد أحمد، رئيس المرصد السوداني لحقوق الإنسان، في مقابلة مع راديو دبنقا، على أهمية أن يلتقي نويصر بالضحايا وأسرهم، للاستماع إلى شهاداتهم وتوثيق الانتهاكات الواقعة عليهم. مضيفًا أن هناك حاجة ماسة لوضع قواعد واضحة لسلوك القوات النظامية والمجموعات المسلحة المتحالفة مع الجيش في تعاملها مع المدنيين.
وبيّن عبد السلام أن تركيزه على الانتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ببورتسودان لا يعني التغاضي عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وإنما هو نابع من طبيعة الزيارة التي تقتصر على بورتسودان. مشيرًا إلى أن تناول تلك الانتهاكات يتطلب تواصلًا منفصلًا مع الأطراف الأخرى في السياق المناسب.
وأكد ضرورة أن تكون زيارة الخبير الأممي بداية لتحرك جاد نحو مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، والعمل على إيقافها في كل مناطق السودان دون استثناء.
خطوات نحو العدالة أم وعود بلا أثر؟
رغم ترحيب بعض القوى بزيارة نويصر، تبقى تساؤلات جوهرية مطروحة: هل ستترجم الوعود الحكومية إلى إجراءات ملموسة، أم تظل في إطار التصريحات الرسمية؟ وهل سيتمكن الخبير الأممي من الوصول إلى الضحايا في مختلف مناطق السودان، بما فيها مناطق سيطرة الدعم السريع، لتوثيق الانتهاكات بشكل مباشر؟
زيارة نويصر تبدو حتى اللحظة اختبارًا لمدى جدية الحكومة السودانية والقوى المسلحة على حد سواء في فتح الطريق نحو العدالة، وسط حرب ما زالت تعصف بالبلاد وتترك المدنيين في قلب الاستهداف.