علي كوشيب المدان من قبل المحكمة الجنائية الدولية خلال جلسة المحاكمة في لاهاي الهولندية - 6 اكتوبر 2025- المحكمة الجنائية

علي كوشيب المدان من قبل المحكمة الجنائية الدولية خلال جلسة المحاكمة في لاهاي الهولندية - 6 اكتوبر 2025- المحكمة الجنائية

أمستردام : 12 اكتوبر 2025: راديو دبنقا

في السادس من أكتوبر 2025، دوّت قاعة المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي بقرار وصف بالتاريخي، بعد إدانة المتهم علي كوشيب بـ27 تهمة من أصل 31، شملت القتل الجماعي والاغتصاب والتعذيب والتهجير القسري، في جرائم وُصفت بأنها ممنهجة وواسعة النطاق ضد المدنيين في دارفور. قرارٌ انتظره الضحايا ما يقرب من عقدين من الزمن، فيما تباينت تفاعلات السودانيين ما بين الفرح والدموع، وبين النقد السياسي والشكوك حول كفاية هذا الحكم.

الشبكة السودانية لمراقبة حقوق الإنسان وصفت القرار بأنه تتويج لمسار طويل من السعي إلى العدالة، مؤكدة أن العدالة قد تتأخر لكنها لا تغيب، مشيرة إلى أن الحكم يمهّد لمرحلة إصدار عقوبات نهائية وفتح مسارات تعويض للضحايا، كما أنه يمثل سابقة قضائية تُرسخ مساءلة كبار المسؤولين المطلوبين من نظام الإنقاذ، بمن فيهم السياسيون والعسكريون.

أصوات الضحايا

من بين ردود الفعل العاطفية، علق أحدهم قائلاً: “ما قدرت أسيطر على دموعي وأنا بسمع الحكم… هذا الحكم يمثل بارقة أمل للضحايا الذين تعرضوا للانتهاكات قبل أكثر من 20 عاما، ويفتح الباب أمام محاكمة البشير ورفاقه”.

المنسقية العامة للنازحين واللاجئين وصفت القرار بالانتصار الحقيقي للضحايا، فيما اعتبرته بعض حركات دارفور المسلحة خطوة أولى نحو العدالة الكاملة، وطالبت بتسليم بقية المطلوبين وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير. نقابة المحامين بالحكم واعتبرته تجسيداً لفعالية القانون الدولي، بينما رأت حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد أن كوشيب لم يكن سوى “ترس صغير” في ماكينة الإجرام.

في المقابل، رصد فريق ترند براديو دبنقا انتقادات لاذعة، خصوصاً تجاه بعض قادة الحركات المسلحة الذين آثروا الصمت أو اكتفوا ببيانات رسمية، ما أثار تساؤلات حول مدى التزامهم بالانتصار لقضايا الضحايا.

ورغم صمت حكومة بورتسودان الموالية للقوات المسلحة، رحب مجلس وزراء حكومة تأسيس بإدانة كوشيب بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب دارفور التي اندلعت عام 2003 والتي أشعلها نفس النظام الذي أشعل حرب 15 أبريل 2023م، وطالب المجتمع الإقليمي والدولي بالعمل على ضمان تسليم بقية المطلوبين للمحكمة، الذين يحظون بحماية القوات المسلحة في منطقة سيطرتها في تحد لثورة الشعب السوداني ورغباته في ديسمبر 2018. كما طالب تحالف تاسيس بإدراج كل المتورطين في جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في سياق الحرب الحالية على قوائم المطلوبين الدوليين باعتبارها جريمة حرب.

ادانة لنظام الانقاذ

الكثير من المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا أن إدانة كوشيب تتجاوز شخصه، فهي إدانة للنظام السياسي السابق الذي خطط ومول ووجّه هذه الجرائم. وذهب آخرون إلى وصف كوشيب بأنه مجرد أداة نُفذت عبرها سياسات عنف منظّم قبل أن يُتخلّى عنه لاحقاً لطمس الجريمة. القيادي في حزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان اعتبر الحكم انتصاراً لكل السودانيين الذين يؤمنون بأن لا سلام دون محاسبة، فيما كتب الناشط هشام عباس: القرار ليس إدانة لشخص، بل للنظام الإرهابي وجيشه وجنجويده.

هذا النقاش فتح الباب أمام تساؤلات أوسع: إذا كان فرد بلا منصب قد فعل كل هذا، فما مصير أصحاب السلطة الذين أصدروا الأوامر؟ وما مستقبل حزب المؤتمر الوطني بعد هذه الإدانة؟ آخرون ربطوا بين الماضي والحاضر، مشيرين إلى أن فظائع دارفور تتشابه مع ما يجري اليوم في حرب 15 أبريل 2023، حيث “الجناة ما زالوا في مقاعد السلطة أو يتجولون بحرية في أفخم الفنادق”.

الكاتب ميرغني سرور انتقد مواقف بعض قادة الحركات المتحالفة مع القوات المسلحة، معتبراً أن بعضهم لم يقاتلوا من أجل العدالة بقدر ما قاتلوا من أجل الجلوس على الكرسي نفسه، وهو ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي والتحالفات بعد سنوات من الصراع. في السياق ذاته، ربطت ناشطة بين جرائم دارفور وممارسات النظام الحالي، قائلة: بلدنا انتهت لكن الشعب لا زال يعيش الإهانة والمرض والجوع. المفترض أن يُحاسب الذين حرضوا وخططوا وهم ما زالوا أحياء ومحتفظون بمواقعهم.

نصر رمزي

رغم موجة المشاعر المتباينة بين الفرح، النقد، والسخرية التي وصلت حد وصف السجن المؤبد في أوروبا بـ”الفندق خمس نجوم”، إلا أن معظم المتفاعلين أجمعوا على أن إدانة كوشيب تشكل نصراً رمزياً مهماً ومؤشراً على قدرة العدالة الدولية على محاسبة مرتكبي الجرائم، لكنها في الوقت نفسه غير كافية ما لم تتبعها إجراءات أوسع تشمل بقية المتورطين في جرائم دارفور وحرب 15 أبريل.

وتظل المطالب الشعبية واضحة: توسيع اختصاص المحكمة ليشمل كل السودان، ضمان تعويض الضحايا، وربط الأحكام الدولية بخطط محلية لإرساء سيادة القانون ومصالحة حقيقية. إدانة كوشيب إذن خطوة ضرورية لكنها ليست كافية، والعدالة في نظر السودانيين لا تزال طريقاً طويلاً يحتاج إلى استكمال.

Welcome

Install
×