خبراء: الهجرة غير الشرعية ضرورة أملتها الظروف والأهالي يرسلون أبنائهم إلى حتفهم
مهاجرين غير شرعيين في قارب وسط البحر
امستردام: 20/ ديسمبر/2025م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
كثيرة هي تلك العوامل والأسباب التي تدفع الآلف من الشباب المهاجرين إلى أمواج البحر الأبيض المتوسط المتلاطمة، عبر قوارب الموت، أبرزها الحروب وانهيار الدولة وانعدام الأمن والظروف المعيشية القاسية والوضع الاقتصادي المتدهور، وبالتالي العطالة وفقدان الأمل، وغيرها من الأسباب التي تجعلهم يسلكون طرقاً غير مشروعة وغير قانونية للوصول إلى دول أوربا.
لقد تزايدت ظاهرة “الهجرة غير النظامية” أو “الهجرة السرية” أو “الهجرة غير الشرعية” بصورة مكثفة، للدرجة التي تنامت معها ظاهرة الاتجار بالبشر في استغلال سئ لظروف المهاجرين وابتزازهم مع ارتفاع تكاليف نفقات السفر، وقد فشلت كل المعالجات والحلول والتي في الغالب هي حلول أمنية لاتعالج جذور الأزمة والمشكلة التي دفعت بهؤلاء الشباب بأن يغامروا بأرواحهم للوصول إلى أوربا، لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم.
يصادف الثامن عشر من كل عام الاحتفال باليوم الدولي للمهاجرين ويأتي احتفال هذا العام وسط أزمات متصاعدة في الدول المصدرة للهجرة، ودول اللجوء المؤقت ” دول العبور”، ومخاوف من فقدان مزيد من الأرواح.
مآساة تماثل مآساة الحرب:
يقول المحامي والمحاضر في شؤون الهجرة واللاجئين أشرف ميلاد روكسي: إنَّ الهجرة غير النظامية هي واحدة من المآسي التي يواجهها المواطنون، خاصة في الدول التي تعاني من ويلات الحروب سواء هجرتهم من البلد نفسها، أو إلى بلد وسيط تصبح معبراً إلى عبور البحار العالية، ويؤدي هذا إلى كوارث بشرية كما رأينا في الفترة الأخيرة، حيث يقال أن عدد من توفوا أثناء عبورهم البحر المتوسط فقط في العام الماضي ما يزيد عن 15 ألف شخص بين مفقود ومتوفي.
ويرى روكسي في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن الهجرة غير النظامية هي مأساة تماثل مأساة تعرض الناس إلى الحرب ويقول إنَّ المشكلة الكبرى في هذا الموضوع هي أن الأهالي أصبحوا يرسلون أبنائهم إلى حتفهم، لأن وصول الأطفال إلى الشواطئ الأوروبية يجعلهم في أيدي أمينة ويقومون بتعليمهم ولا يسجنونهم، وإذا وصل الطفل إلى بلد أوروبي فإنه يتم إيصاله بأهله أو إرسال دعوات إلى أهله فوراً وحصوله أو وصوله إلى سن الثامنة عشر حتى لأن هذه هي المصلحة الفضلى للطفل.
ويشير الخبير في مجال الهجرة إلى أن “الأهالي للأسف” يرسلون أبنائهم إلى حتفهم بدافع اقتصادي والمشكلة الأكبر هي أن من يعبر هذا البحر، ليس فقط من يعانون من المشكلات السياسية، ولكن من يعانون من المشكلات الاقتصادية التي تنجم عن الحروب، ويضيف بأن الحرب هي العنصر الأساسي سواء كان مباشراً فالناس ينجون بحياتهم، أو غير مباشر لأنها تؤدي إلى انهيار اقتصادي يؤدي إلى تفكير الناس في الهجرة وتعريض حياتهم وحياة أطفالهم للخطر مقابل حياة أفضل.
الهجرة سلوك بشري:
ويقول اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات: إن اليوم العالمي للمهاجرين يعد مناسبة دولية تحييها الأمم المتحدة كل عام، والقصد منها أنها تسلط الضوء على حقوق المهاجرين وحمايتهم، وتضمن زيادة الوعي بالتحديات التي يواجهها المهاجرون في مختلف بلدان العالم أولئك الذين تركوا دورهم وأهليهم وأقدموا على المجهول.
يضيف في حديثه لـ”راديو دبنقا”: أيضاً القصد من إحياء هذا اليوم إبراز إسهامات المهاجرين أيضاً للمهاجرين إسهامات اقتصادية واجتماعية، بل إن في بعض الدول أصبحت إيرادات المهاجرين هي عماد اقتصاديات لهذه الدول.
ويبين عباس أن المناسبة تهدف الى التذكير بالناس ودعوتهم إلى أن تكون هنالك سياسات هجرة إنسانية وعادلة، تحترم الكرامة الإنسانية وتابع قائلاً: “لهذه الأهداف حقيقة علينا جميعاً أن نصطف إلى جانب الأمم المتحدة في يوم 18 ديسمبر باليوم عالمي للإنسان”.
ويرى أن الهجرة هي سلوك بشري منذ القدم يتنقل الإنسان دائماً من مكان إلى آخر بحثاً عن الأفضل، والهجرة الأخيرة التي أخدت صنفين، إحداهما الهجرة الشرعية تنظمها القوانين والنظم الهجرية وعلاقات الدول فيما بينها وتنظمها كتير جداً من الأطر القانونية.
ويقول الخبير في تحليل البيانات إنّ الصنف الثاني يتمثل في الهجرة السرية أو الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية والتي أصبحت واقعاً معاشاً وموجود بكثافة، وتابع قائلاً: “ونحن يمكن أن نقول أن الهجرة غير النظامية استمرت لدوافع كثيرة أبرزها غياب البدائل القانونية التي تدفع الإنسان إلى الهجرة بصورة شرعية وهي حفزت الهجرة غير الشرعية”.
ويضيف بقوله: قبل هذا طبعاً انهيار شروط العيش الكريم نجد أن انتشار البطالة والفقر وانعدام الخدمات وتآكل الأمل في المستقبل، جعل المخاطرة بالحياة أقل كلفة من البقاء حقيقة لأن الهجرة غير الشرعية أوالإقدام إلى المجهول هي معادلة، موازنة ما بين المخاطرة بالحياة والبقاء.
“وبالتالي أصبح البقاء أكتر خطورة من المخاطرة بالحياة في تجاه البحث عن الأفضل في لحظة الخيار ما بين البقاء أو ركوب القارب “السمبك” أو دخول البحر الأبيض المتوسط فتجد أن البقاء أصبح أكثر خطورة من أنك تقدم على هذه المجازفة”.
الهجرة تديرها شبكات منظمة:
ويشير الدكتور عصام عباس، مستشار تحليل البيانات إلى أن من بين أسباب الهجرة غير الشرعية، تآكل العقد الاجتماعي في الدول أو في الدول التي يمكن أن نسميها الدول المصدرة أو المنشأ للهجرة غير الشرعية.
وهي الدول التي تنتشر فيها الصراعات وفشل الدول وانعدام سبل العيش الكريم وتجد أنه يتآكل العقد الاجتماعي مع الدولة، وتفشل الدولة في الحماية والرعاية ويفقد المواطن شعوره بالانتماء والأمان.
ويمضي الخبير الأمني عصام عباس إلى القول بأن من الأسباب المحفزة التي جعلت الهجرة السرية تنتشر هي شبكات التهريب المنظمة، أصبحت عمليات الهجرة غير المنظمة تديرها شبكات منظمة وبالتالي يسرت وسهلت على طالب الهجرة السرية، إمكانية الوصول إلى مقصده، صحيح ليس بسلام وأمان لكن بوضع فيه شئ من الترتيب والتنظيم.
ويعتقد أيضاً من الأسباب المشجعة للهجرة السرية ما يسميه بقصص “النجاح الكاذبة” أو تأثير الهجرات السابقة، يقول: كثير من الناس يتداولون روايات شاهدناها في الوسائط على تطبيق “تيك توك”، وعلى منصات “فيسبوك وتويتر” وغيرها في ثقافة المجتمعات يحكون قصص لأشخاص.
ويضيف بأن بعض الناس دائما يأخذون جزئية متعلقة بالنجاح، لكن قد تكون قصص الفشل والمآسي التي مر بها هؤلاء الأشخاص في ظل الرغبة إلى الهجرة، يغضون الطرف عنها فهذه جميعها أسباب ساعدت على انتشار الهجرة السرية وغير الشرعية.
الهجرة من خيار إلى ضرورة:
وحول مدى مساهمة الحروب في تحويل الهجرة من خيار إلى ضرورة، يقول مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات حقيقة الآن الهجرة السرية أو غير الشرعية تحولت من خيار، أصبحت ضرورة في كثير جداً من الدول التي تعاني من النزاعات، وأجبرت الحروب كثير جداً من الناس على هذه الهجرة، هنالك انهيار الأمن الشخصي حين يشعر الإنسان داخل وطنه بخطر مباشر على الحياة.
ويضيف: كما أن هنالك عامل التفكك الاقتصادي وتدمير البنية الاجتماعية المتمثلة في المدارس، المستشفيات، شبكات الدعم كلها دمرت، فضلاً عن استهداف على الهوية وانت موجود في منطقة تستهدف فيها لأنك تنتمي إلى إثنية أخرى، أو لأنك تنتمي إلى منطقة معينة أو لديك موقف سياسي محدد، وهذه قد تكون ظاهرة وجلية جداً في حالات مثل السودان، سوريا واليمن والصومال وإريريا وإثيوبيا ومعظم دول افريقيا جنوب الصحراء، جنوب ووسط الصحراء.
وهذه الدول أصبحت منشأ لهذه الهجرة بعضها لأسباب متعلقة بالحروب والنزاعات، بعضها لأسباب متعلقة بتفكك العقد الاجتماعي ما بين الدولة والمواطنين وبعضها متعلقة بأسباب سياسية وغيرها.
وحول الآليات الفعالة للحد من هذه الظاهرة ، يعبر اللواء عصام عباس عن أسفه إلى أن كثير من الناس حين تطرح الحلول لمجابهة الهجرة غير الشرعية، يلجأون إليها بينما الحلول الأمنية ويقول إنها أضعف حلقة من حلقات السيطرة علي الهجرة غير الشرعية.
ثلاثة تصنيفات للهجرة:
وبالنظر إلى التصنيفات الثلاثة للهجرة، وفقاً للخبير عصام عباس، يمكن تصنيفها من حيث دول المنشأ، ودول العبور ودول المقصد التي يرغبون الهجرة إليها والاستقرار فيها، ويقول إنَّ الاجراءات المطلوبة أن تتم في دول المنشأ، هي بوضوح وقف النزاعات وبناء السلام متى ما تحقق ذلك ووقفت النزاعات والصراعات باعتبارها هي محفز رئيسي لعمليات الهجرة وفقدان الوطن وترك الديار والأهل ليس بالأمر السهل.
ويقول: بالتالي في دول المنشأ نحن محتاجين لأن يتضافر كل العالم على جعل هذه الدول التي تصدر المهاجرين دول مستقرة، ويتم فيها بناء السلام وتتاح فيها فرص اقتصادية حقيقية للشباب ويتم إصلاح للحكم ومحاربة الفساد، وأن يتم فيها استثمار في التعليم والمهارات ويضيف: “إذا توفرت هذه الاشياء، أكاد أجزم أن الحوافز للشباب لترك ديارهم”.
وتوقع أن تنحسر الهجرة غير الشرعية بصورة كبيرة جداً وفق تلك العوامل، ويرى أن هذا الأمر سيساهم بصورة ملحوظة في الحد من الهجرة غير الشرعية بالنسبة لدول العبور ودول العبور هي مثل السودان يمكن أن تصنيفه كدولة منشأ ودولة عبور في نفس اللحظة.
ويرجع أسباب تصنيفه بدولة منشأ لان النزاعات الموجودة في السودان، التدهور الاقتصادي، تفكك العقد الاجتماعي حفزت كثير من الشباب على ترك السودان والهجرة إلى أوروبا وإلى دول أخرى.
بينما يعتبر أن السودان يمثل دولة عبور لما يتمتع به من مساحة جغرافية واسعة حدوده مفتوحة وكبيرة، لاتوجد فيه حواجز طبيعية، وسهولة العبور عبر الحدود إلى دول الشمال الإفريقي ومن ثم إلى أوروبا، وضعف السيطرة الامنية للسودان على حدوده وإمكانيات مراقبة هذه الحدود المفتوحة، أصبح صعب جداً.
ويقول: “ففي دول العبور تجد أن هنالك إجراءات لابد أنها تتخذ، أولاً حماية المهاجرين من الاستغلال والعنف لان هنالك كثير جداً يتعرضون استغلال وبدلاً من محاربة المهاجرين أنفسهم، دعنا نحارب شبكات التهريب التي تنشط في دول العبور”.
آليات لجوء مؤقتة:
ويشدد اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، على أنه لابد من مجهود مركز لمحاربة هذه الشبكات، وتابع قائلاً: “وأيضا في دول العبور نحن محتاجين لأن يكون هنالك آليات لجوء مؤقتة وإنسانية، ودائما الهجرة غير الشرعية مرتبطة بقضايا إنسانية، فبالتالي لابد أن يكون هنالك آليات يمكن أن تساهم في أنها تحد من إقدام الشباب للمضي قدماً والعودة إلى ديارهم”.
وبالنسبة للدول المقصودة للهجرة، يرى عباس، أنه اذا نظمت مسارات الهجرة القانونية وفتحت بصورة أنها تقبل المؤهلين، الأشخاص الذين لديهم سجلات نظيفة من الارهاب ومن العنف والاشخاص أصحاب المهارات لأن المهاجرين الآن أصبحوا في قطاعات مختلفة على ومستويات أكاديمية ومستويات احترافية عالية جداً وكذلك في المقابل على مستويات متدنية.
ويعتقد أنه إذا تم تنظيم الهجرة بدل القول بأن كل القادمين من السودان يجب أن لا يمنحوا تأشيرة والقادمين من تشاد أو إثيوبيا أو إريتريا، فهذا غير مقبول فيجب تنظيم هذا العمل بالنظر إلى أن هنالك فئات معينة من شعوب هذه الدول فيهم الحد الأدنى المقبول والمعقول من المهارات والقدرات والتأهيل الأكاديمي ولهم سجلات خالية من الإرهاب ومن العنف.
فيجب أن تيسر لهؤلاء إمكانية الهجرة لأنه سيتحسن وضعهم وسيساعدوا في تحسين وضع اقتصادي لأسرهم في مناطق اللجوء، وهذا يساعد على الاستقرار على مستوى دولة المنشأ.
مواقف مؤسفة ومحزنة:
ويدعوالخبير في تحليل البيانات إلى أن دول المقصد يجب أن تكون هنالك سياسات لجوء عادلة وسريعة وألا تتخلى عن الإجراءات الأمنية والعسف الذي يتم مع المهاجرين، والروايات التي تتحدث عن طريقة تعامل قوات مراقبة الحدود والقوات البحرية للدول المتشاطئة للبحر الأبيض المتوسط في جنوب أوروبا، تحكي عن مواقف محزنة ومؤسفة تتخذها سلطات مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ويقول دكتور عصام عباس: إنَّ هذا الأمر يقود للسؤال عن هل الحلول الامنية ذات جدوى.. والإجابة هي لا ، أو هي جزء من منظومة، صحيح لايمكن ترك البعد الامني ولكن ليس هو الحل الوحيد، والحلول الأمنية لا توقف الدوافع الأساسية للهجرة،هي فقط تزيد من خطورة الطرق بدلاً ما كان سيسلك طريق درجة الخطورة فيه 70% نتيجة للإجراءات الأمنية قد يضطر المهاجر غير الشرعي إلى سلك طريق درجة الخطورة فيه 90% .
ويضيف: بالتالي الحلول الأمنية تكون مفيدة إذا تم استخدامها في مكافحة شبكات التهريب وليس الأشخاص “المهاجرين” وتكون جزء من مقاربات شاملة، وجزء من منظومة حلول متكاملة فيها السياسي والاقتصادي والإنساني والاجتماعي وفيها الأمني ولكن لا تكون هي الحل الوحيد.
وخلص اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، إلى أن الهجرة السرية،غير الشرعية يجب عدم النظر إليها كأزمة حدود بل يجب النظر إليها كأزمة حكم وعدالة و سلام.
ويعتقد بأنه ما لم تعالج الأسباب الجذرية وخاصة الحروب كما في السودان وفي الدولة التي تعاني من الصراعات تظل تتجدد مهما رفعت الناس من الجدران وكثفت من الدوريات، فإن المهاجرين ومن خلفهم الشبكات المنظمة ستحاول أن تبتدع وسائل كتيرة جداً للوصول إلى المقاصد.
ويختم حديثه الخبير الأمني د. عصام عباس، بقوله: من هنا بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين أرسل رسالة الى كل العالم أن الهجرة غير الشرعية مرة أخرى، أصبحت مفروضة على كتير جداً من الشباب نتيجة للظروف السيئة التي يعيشوها.
ويقول: “وبالتالي دعونا جميعاً نضع جهدنا إلى جهد الآخرين في تجفيف أو اقتلاع جذور ما يقود إلى هذه الهجرة من المساهمة في وقف الصراعات، واستقرار المجتمعات، وصناعة واستدامة السلام وهذه كلها عوامل تساعد بصورة كبيرة جداً في تحقيق الاستقرار والتقليل بصورة ملحوظة جداً من مستويات الهجرة غير الشرعية.
وأوصى بعدم الاعتماد على الحلول الأمنية كوسيلة أساسية في السيطرة الهجرية بل يجب اعتماد الإجراءات الإنسانية الشاملة، لمعالجة وتجفيف هذا الفعل وهو بالطبع فعل غير مشروع لكن أملته ظروف قاهرة، ويجب التعامل معه من أبعاد إنسانية وأخلاقية في المقام الأول قبل التعامل معه بإجراءات وضوابط قانونية وأمنية صارمة.


and then