لاجئون سودانيون خلال اللقاء ، الذي ضم، ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء الأوغندي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمجلس النرويجي للاجئين بحديقة محمد سيبوه في ضاحية منقو بالعاصمة الأوغندية كمبالا : المصدر :سودانايل

كمبالا: أمستردام/ 27سبتمبر 2025: راديو دبنقا:

بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب في السودان، يجد آلاف اللاجئين في أوغندا أنفسهم أمام خيار العودة إلى وطن ما زال يعاني من تبعات النزاع، وسط ضغوط اقتصادية، تراجع الدعم الإنساني، ومخاوف تتعلق بالسلامة والاستقرار.

تكوين لجنة العودة

في يوليو الماضي شكل السفير السوداني في كمبالا، لجنة للعودة الطوعية إستجابة لتزايد رغبة بعض اللاجئين في العودة، بعد أن طرقوا أبواب منظمات إنسانية ورجال أعمال وحتى السفارة نفسها.

واوضح مقرر اللجنة العليا للعودة الطوعية للاجئين السودانيين في أوغندا، محمد حسين، لـ(دبنقا) أن دوافع العودة ارتبطت بظهور مناطق “آمنة نسبياً” في السودان، إلى جانب التراجع الدولي في تمويل المساعدات، وظهور تحديات داخل معسكرات اللجوء مثل “كيرندونغو”. وأضاف: “هذه العوامل مجتمعة دفعت لتنسيق الجهود الحكومية والمجتمعية لتسهيل عودة من يرغب.”

وأشار حسين إلى أن اللجنة تضم كوادر قانونية وصحية وإعلامية، وتعمل كـ”وعاء تنسيقي” لتسهيل العودة.
ووفقا للمنصة الإلكترونية فقد وصل عدد المسجلين حتي ليلة امس الخميس، 2941 فرداً من 1499 أسرة.

التكلفة وخيارات النقل

وأكد المقرر أن العودة تواجه عقبة مالية كبيرة، إذ لا توجد حدود برية مفتوحة مع السودان، ما يجعل الطيران عبر مطار عنتيبي الخيار الوحيد. وأوضح أن تكلفة الرحلة الواحدة قد تتجاوز 1000 دولار، فيما تحتاج الأسرة المكونة من أربعة إلى خمسة أفراد نحو 2000 – 3000 دولار للعودة.

وقال: “استقطبنا رجال أعمال في السودان وأوغندا وبعض المنظمات للمساهمة في التكاليف اللوجستية، مثل الترحيل الداخلي أو دعم المرضى وكبار السن. لكن حجم التكلفة يتطلب تضافر جهود القطاعين العام والخاص.”

جدل حول طبيعة العودة

لكن خبراء وناشطين حذروا من أن العودة الحالية ليست طوعية بالكامل، بل تحمل طابعاً قسرية أو شبه إجبارية.

وأشار المحلل السياسي إسماعيل شريف في حديثه لـ(دبنقا): “العودة الطوعية ليست طبيعية تماماً” واوضح ان الحكومة أجبرت الموظفين الحكوميين على العودة تحت تهديد فقدان رواتبهم واستحقاقاتهم. واعتبرها عودة بين الترغيب عبر توفير النقل المجاني والترهيب عبر التهديد الوظيفي.”

ولفت شريف إلى أن العودة مرتبطة بأهداف سياسية وأمنية، موضحاً أن الدولة طلبت سابقاً من المواطنين مغادرة منازلهم حتى يتسنى للجيش مواجهة قوات الدعم السريع. واليوم، فإن عودة المدنيين تُستخدم لإعادة تشكيل المعادلة الميدانية.

وأضاف: “العودة تزيد من معاناة السودانيين، إذ لا خدمات كافية ولا استقرار صحي أو معيشي، مع انتشار أمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك وغلاء المعيشة.”

البعد القانوني والإجرائي

من جانبه، أوضح الناشط السوداني المقيم في أوغندا منذ أكثر من 10 سنوات ضرار آدم ضرار، أن العودة الطوعية واحدة من الحلول الثلاثة الدائمة لأوضاع اللاجئين (العودة للوطن، الاندماج في بلد اللجوء، أو التوطين في بلد ثالث).

واضاف في حديثه مع ( دبنقا) : العودة الطوعية تُعد حقاً أصيلاً للاجئ، لكنها مشروطة بانتفاء الأسباب التي دفعته للجوء في المقام الأول. و “مثلما أن طلب اللجوء حق، فإن العودة أيضاً حق، لكن لابد أن تزول المسببات التي أجبرت الشخص على مغادرة بلده.”

وبحسب ضرار فإن العودة الطوعية في الحالة السودانية تتطلب تنسيقاً ثلاثياً بين الحكومة الأوغندية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والحكومة السودانية، ولا يمكن لأي طرف أن ينفذها منفرداً.

وأوضح أن اللاجئين السودانيين الذين وصلوا إلى أوغندا بعد حرب 15 أبريل صُنّفوا كـ”حالة تدفق” بموجب القانون الأوغندي، ما يعني أن عودتهم يجب أن تتم عبر إعادة تسجيل فردي وتقديم طلبات جديدة تُفحص بشكل منفصل، خلافاً لعملية الدخول الجماعية التي تمت سابقاً.

وأضاف: “الإجراءات الصحيحة تقتضي أن يتقدم اللاجئ الراغب في العودة بطلب رسمي للجهات التي منحته حق اللجوء، قبل مغادرة البلد المضيف. أما العودة غير الرسمية فتُعد مخالفة قانونية.”
وأشار ضرار إلى أن مسؤولية الدولة تبدأ منذ لحظة وصول اللاجئ إلى بلده، وتشمل توفير الحماية وفرص الحياة الكريمة بعد سنوات الحرب والنزوح. لكنه شدد على أن “الضمانات الكاملة غير متوفرة”، وأن المفوضية السامية تتابع فقط حالات العودة لضمان وصول اللاجئ بسلام، سواء في العودة الفردية سابقاً أو الجماعية حالياً، التي يصعب التأكد من التزامها بالإجراءات المتبعة.

الدعم المادي للعائدين

أوضح أن ترتيبات العودة تشمل عادةً دعماً مادياً تقدمه وكالات الأمم المتحدة، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة (IOM).

وقال ضرار “هذه الوكالات تقدم ما يسمى بدعم الاستقرار ، لمساعدة اللاجئ على بدء حياة جديدة بعد العودة. ففي إسرائيل مثلاً، يحصل كل لاجئ سوداني يقرر العودة على 3000 دولار، بينما يحصل العائدون من دول أفريقية على مبالغ أقل بكثير، مقارنة بالمبالغ التي يتلقاها العائدون من تل أبيب وبعض دول الاتحاد الأوروبي

لكنه أوضح أن هذه المساعدات لا تُعد حقاً مضمونا، بل خدمة تقدَّم بصورة متفاوتة من بلد إلى آخر، تبعاً للموارد المتاحة وسياسات الوكالات الأممية.

لا إشكال قانوني لكن الدوافع سياسية

عضو هيئة محامو الطواريء محمد صلاح اعتبر أن العودة لا تُعد قانونياً تهجيراً قسرياً، لأن اللاجئين يعودون بإرادتهم، ولا يترتب على ذلك خرق مباشر للقوانين الدولية.
وأوضح في مقابلة مع (دبنقا)أن الملفات الخاصة باللاجئين تُغلق تلقائياً حتى إذا لم يتقدموا بطلب إغلاقها لدى المفوضية، غير أن هذه الخطوة تخلق إشكاليات للاجئ نفسه، إذ قد يفقد حقوقه حال أعيد توطين بدولة ثالثة.

وأضاف صلاح أن تدخل السفارة في عملية العودة لا يثير إشكاليات قانونية، لكن خلفياته سياسية أكثر من كونها قانونية، حيث ترتبط العودة بأهداف سياسية واضحة إلى جانب شبهات الفساد التي تشوب ملف التمويل والعمليات المرتبطة بالعودة الطوعية.

وأشار إلى أن معظم المواطنين ليسوا على وعي كامل بتبعات هذه العودة، كما أن الكثير منهم فقدوا الأمل في الحصول على استجابة أو مساعدات من المفوضية، خاصة بعد وقف التمويل الأمريكي الذي أدى إلى توقف المساعدات التي كانت محدودة أصلاً، إذ لم تصل سوى لنحو عشرة في المائة من اللاجئين في مصر على سبيل المثال.

وبينما تسعى اللجنة العليا في أوغندا لتنسيق عودة آلاف اللاجئين السودانيين عبر رحلات جوية مكلفة، يثير خبراء وحقوقيون تساؤلات حول مدى “طوعية” هذه العودة، في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية، وغياب الضمانات الأمنية والخدمية داخل السودان.

Welcome

Install
×