المفارقة التي تواجه أمريكا في عملية رفع اسم السودان من قائمة الارهاب

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية مفارقة صعبة فيما يتعلق برفع العقوبات الصارمة المفروضة على السودان، والتي قد يؤدي الابقاء عليها إلى تعطيل عملية التحول الديمقراطي.

الحكومة الإنتقالية التي تم تأسيسها حديثا، أعقبت مجموعة من المشاكل التي أحاطت بالوضع السياسي بعد إنهاء حكم الديكتاتور عمر البشير، تسعى لحل مشكل داخلي مستمر لعدة عقود من الزمان،

ناجي تيبور مساعد وزير الخارجية الأمريكية

بقلم: إيغال شازان

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية مفارقة صعبة فيما يتعلق برفع العقوبات الصارمة المفروضة على السودان، والتي قد يؤدي الابقاء عليها إلى تعطيل عملية التحول الديمقراطي.

الحكومة الإنتقالية التي تم تأسيسها حديثا، أعقبت مجموعة من المشاكل التي أحاطت بالوضع السياسي بعد إنهاء حكم الديكتاتور عمر البشير، تسعى لحل مشكل داخلي مستمر لعدة عقود من الزمان، وتحاول إنتشال الاقتصاد المتردي. حل المشكل الاقتصادي كما تقول الحكومة في الخرطوم يعتمد على قرار مفتاحي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي ظل السودان موضوع عليها لثلاثة عقود كاملة.

تحمست الإدارة الأمريكية بعد اتفاق المدنيين والعسكر على تقاسم السلطة في السودان، الأمر الذي سيمهد الطريق لإنتخابات حرة بعد ثلاث سنوات، ومع ذلك فهي تريد أدلة ظاهرة على التقدم في عدد من الجبهات بما فيها جهود تحقيق السلام، وصيانة حرية التعبير والمسائل الانسانية الأخرى، قبل أن تقرر رفع اسم السودان من هذه القائمة.

من الصواب أن نكون حذرين بشأن عملية الانتقال الديمقراطي، ولكن المحددات التي يفرضها بقاء السودان في قائمة الدول الرعية للإرهاب ستعيق أداء الحكومة الجديدة  وتحرمها من الحصول على أموال من الصناديق الدولية  مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

كما تعيق هذه المحددات جهود التفاوض من أجل تخفيق الديون على السودان واجتذاب المستثمرين. تجادل السلطات السودانية بأن قرار رفع السودان من قائمة الارهاب سيمكنها من مخاطبة المشاكل الاقتصادية الملحة التي كانت نتيجة للعزلة الدولية للسودان وسوء الادارة وهي العوامل التي أدت لإشعال حركة الاحتجاجات التي تصاعدت  وأدت لسقوط  نظام البشير.

مسألة رفع العقوبات عن نظام منبوذ دوليا في السابق، وأقدم على تغييرات سياسية وتسويات على صعيد الداخل، تحمل في داخلها، أو تحفها بعض المخاطر، كما اكتشفت الإدارة الأمريكية من خلال نموذج ميانمار. بدأت حكومة أوباما في العام 2012 بتخفيف الإجراءات المتعلقة بهذا البلد، وذلك بعد حصول تحولات ديمقراطية بدأت تأخذ ملامحها، رغم احتفاظ العسكر بجزء كبير من الصلاحيات والنفوذ.

أدى اضطهاد جنرالات ميانمار اللاحق للروهينغا، إلى سحب المساعدات العسكرية لميانمار ووضع بعض كبار الضباط في لائحة العقوبات الأمريكية.

التشابه بين الحالة السودانية وميانمار واضح، وقد يعزز هذا التشابه تحفظ الولايات المتحدة حيال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. في هذا الشهر قال ناجي تيبور مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون أفريقيا أن مسألة إزالة اسم السودان هو " عملية معقدة وليست حدثا أو قرارا يتيما يتم اتخاذه برفع اسم  السودان".

تقول تقارير أخرى بأن هذه العملية قد تستغرق مدى زمنيا يصل إلى عام كامل. هذا العام يكفي من الناحية النظرية لرؤية ما إذا كان السودان قد قطع شوطا في عملية التحول بشكل مستدام، ولكن حرمانه من الوصول لقنوات المساعدات المالية الدولية ومن الاستثمارات، قد يؤدي بدون قصد لنتيجة مغايرة تماما للتي تسعى إليها الولايات المتحدة الأمريكية.

هي مفارقة خادعة، ليس أقلها أن واشنطن تعرضت لموجة انتقادات عريضة بسبب رفعها لمعظم العقوبات التجارية والاقتصادية عن نظام البشير قبل سنتين. أعقبت عملية الرفع تحسن في التعاون الثنائي بين البلدين وبشكل خاص فيما يتعلق بموضوع مكافحة الارهاب في المنطقة، والوصول لمناطق كانت بحاجة للمساعدات الانسانية.

انتقدت المنظمات الحقوقية هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الامريكية  بسبب تواصل القمع ضد الأقليات، خاصة في اقليم دارفور.

ربما جادل البعض وقتها في واشنطن بأن أن مكافأة السودان لتعاونه الاستراتيجي تخطت كل مخاوف وتحفظات السجل السيء لهذا البلد في مجال حقوق الانسان. اتخاذ خطوة مماثلة تجاه السودان مسألة يمكن الأخذ والرد حولها، ويبدو هنا أن دفوعات رفع العقوبات تتمتع بثقل خاص، بالنظر لاحتمالات التحول الديمقراطي وامكانها الماثل للعيان.

 

نصت اتفاقية تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي الذي أطاح بالبشير، والحركة المنادية للديقمراطية الممثلة في قوى الحرية والتغيير، نصت على تقاسم مجلس السيادة بأغلبية مدنية مكونة من 6 أعضاء و 5 أعضاء من العسكر، وهو أمر سيضمن غلبة المدنيين.

سيتولى العسكر رئاسة مجلس السيادة للـ 21 شهرا الأولى من الفترة الانتقالية التي ستمتد لثلاث سنوات، فيما سيتولى أحد الأعضاء المدنيين رئاسة مجلس السيادة للفترة المتبقية.

أعقب هذا الاتفاق عدة أشهر من الاضطرابات، فشل فيها الفريقان مرارا في التوصل لاتفاق يمكن من تكوين سلطة انتقالية. مدعوما بالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، حاول المجلس العسكري السيطرة على مجلس السيادة، الأمر الذي لم يكن يبشر بالخير بشأن التحول الديمقراطي المأمول.

تحاول بعض الرتب الكبيرة من العسكر وقوات الدعم السريع حماية مصالحها الاقتصادية في البلاد، كما أنها تخشى مواجهة الملاحقة القانونية بسبب الجرائم المالية، وانتهاكات حقوق الانسان في ظل نظام البشير. يجدر بالذكر أن البشير نفسه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم التي ارتكبها.

اجتهدت الحكومة المدنية التي يقودها الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك في قيادة المبادرات التي ترضي أمريكا. بدأ في قيادة مباحثات مع مجموعات المتمردين من دارفور والنيل ا لازرق وجنوب كردفان، حيث طار لمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، كأول زيارة خارجية له، للقاء قادة الجماعات المتمردة.

كما أطلق حمدوك خطة للإسعاف الاقتصادي تهدف للجم التضخم وتوفير الحاجات الأساسية من الأغذية للمواطن، كما حاول اجتذاب الاستثمارات من منطقة الخليج. في ذات الوقت حاول وزير الطاقة في حكومته عادل ابراهيم تشجيع الشركات العاملة في قطاع التعدين لتكثيف جهود الاستكشاف والتنقيب، علما بأن السودان فقد حوالى 75 بالمائة من انتاجه النفطي مع استقلال دولة جنوب السودان.

ولكن جهود الحكومة للعمل على هذه الجبهات وحل هذه المشاكل قد يتم تعطيله بواسطة المؤيدين للنظام الاسلامي السابق، وبالتحديد من بقي من هؤلاء المؤيدين داخل المؤسسة العسكرية، وغيرهم من الكيانات المسلحة النافذة ذات المصالح الاقتصادية.

نقاط الخلاف بين هؤلاء وبين المكون المدني للحكومة الانتقالية قد تزداد بسبب فتح الاقتصاد للمستثمرين من الخارج، والتحكم في تجارة الذهب ورصيد البلد من العملات الصعبة، وكذلك مسائل السيطرة على السياسية الخارجية مع دول الجوار والدول العربية، إضافة لمسألة التفاوض مع المجموعات المتمردة.

ما لم تفلح الحكومة في الحصول على عون الدول الغربية فستكون معرضة للكثير من المخاطر. المواطن السوداني العادي يطالب بتحسن الحالة الاقتصادية، وقد يخرج للشارع مرة أخرى إذا لم يلحظ أي تغيير في هذا الجانب، تماما كما حدث وأن خرجت الجموع ضد عمر البشير.

يؤيد المواطنون اتفاقية تقاسم السلطة والشراكة مع العسكر، ومع حرصهم على نجاح هذه الحكومة، ولكنهم حريصون أيضا لرؤية مكاسب حقيقة عاجلا وليس آجلا.

رفع إسم السودان من قائمة الارهاب سيساعد البلد بالتأكيد. قد لا تتدفق الأموال بشكل عاجل عقب عملية الرفع، كما سيحتاج السودان للتوصل لعدد كبير من الترتيبات والتفاهمات مع المؤسسات المالية الدولية. كما أن المستثمرين بجاجة للثقة في المقام الأول. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وقبل أن ترفع العقوبات بشكل نهائي ستعمل على التأكد من أن السلطات الحكومية ملتزمة بإيفاء حاجات المواطن الأساسية لأجل اكتساب الشرعية اللازمة.

في العام 2017 تم رفع معظم العقوبات عن نظام البشير وقتها لمدة تسعة أشهر، ثم تم رفعها بشكل نهائي بعد الاحساس بأن هنالك تقدما كافيا على صعيد المطالبات الأساسية.

قد تفكر الادارة الأمريكية هذه المرة أيضا في رفع اسم السودان بشكل مؤقت، أو أي اجراء آخر مشابه، للسماح للخرطوم بترتيب أمورها المالية. قد لا يكون الأمر مثاليا، ولكن من الصعوبة تقديم دفوعات ضد مثل هذا القرار قصير الأجل، خاصة اذا علمنا أنه يساعد في تماسك عملية تقاسم السلطة ويعطيها الدفعة اللازمة للإضطلاع بتنفيذ عملية التحول الديمقراطي.

(مترجم عن لوب لوغ Lobe Log )