حملة وديتوهم وين لمناهضة الاختفاء القسري- مصدر الصورة: صفحة الحملة على فيسبوك

منتدى الإعلام السوداني

تقرير / عازة محمد 

الخرطوم، 13 أغسطس 2025، (شبكة إعلاميات) –  عاد وليد بعد اختفاء قسري دام لأكثر من عامين منذ بداية حرب السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع . عاد .. ولكنه لم يعد كما كان، لم يتعرف على طفلته وأسرته. عاد تائها ولا يعرف سوى ترديد عبارات الاستغاثة من التعذيب. ظهر وليد في كشوفات المعتقلين الذين تم تحريرهم بعد استعادة الجيش السوداني لمدينة الخرطوم. لم يتعرف عليه أهله بسبب تغير ملامحه وإصابته بسوء التغذية، كحال جميع المختفين قسراً. بصعوبة تعرفت الأسرة على ملامح إبنها في مستشفى الشرطة بربك، وسط المئات من الناجين الذين لا يدركون حتى أسماءهم وعناوين أسرهم، ليتمكن مقدمو الخدمة من التواصل مع أسرهم .

وليد.. عاد ولم يعد

وليد من المحظوظين (القلائل)، الذين نجوا من ويلات التعذيب والضرب والحرمان من الأكل والشرب داخل معتقلات الدعم السريع. فيما ظلت الكثير من الأسر تواصل البحث عن من فقد من أفرادها بلا جدوي . فما زالت أسرة الأستاذ عبد الحليم تطرق الأبواب للبحث عن ابنها المعلم، الذي تجاوز العامين معتقلاً لدى الدعم السريع بسبب اتهام باطل بالانتماء للاستخبارات العسكرية التابعة للجيش. وبالرغم من إثبات أسرة عبد الحليم لبراءته من ذلك الاتهام وتأكيد إختفائه، إلا أنهم لا يعلمون عن مكانه شيئا. يسألون كل من أطلق سراحه من المعتقلات، وتضاربت الروايات حول رؤيته بين معتقلات الرياض وسوبا وجبل أولياء. تعلقت آمال أسرته في العثور عليه بين الناجين بعد دخول القوات المسلحة الخرطوم، لكن تضآلت تلك الآمال بعد عدم ظهوره ومعرفتهم بأن قوات الدعم السريع قامت باستخدام جزء كبير من المختفين قسراً كدروع بشرية لضمان خروجهم من الخرطوم . ويزيد من معاناة الأسرة وقوعها في شباك السماسرة، مستغلين لهفتها في البحث عن مفقودها سبيلاً للتكسب وجني المال، متعرضين للابتزاز والمطالبة بمبالغ مالية ضخمة مقابل اطلاق سراحه ثم يختفون.

أرقام صادمة.. المختفين قسراً بالآلاف

وبالرغم من الأعداد الكبيرة للمختفين قسرياً منذ بدء الحرب فى العام 2023، إلا أن من تم الوصول إليهم لا يساوي 10% من مجموعهم، ليظل مصير الآلاف مجهولاً . المدافع الحقوقي أمير سليمان من المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أشار إلى حديث سابق لخبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر، الذي قال فيه إن عدد حالات المختفين قسرياً أكثر من (3177)، منها (500) حالة للنساء و(300) حالة للأطفال. وتابع: “وفي تقارير أخرى يفوق العدد 50 ألف شخص ” . ويقول أمير : ” إن حرب السودان أظهرت أنماطاً جديدة من الاختفاء القسري لآلاف المدنيين” . وشدد على ضرورة الاهتمام الكبير بقضية الإخفاء القسري في السودان، لتحقيق العدالة لآلاف العائلات التي فقدت أفرادها .

أنماط جديدة للإخفاء بعد الحرب

وأشار المدافع الحقوقي شوقي يعقوب خلال حديثه في ورشة المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام حول بناء استراتيجية وطنية لمناهضة الاختفاء القسري، إلى أنهم في المركز الأفريقي مهتمون بقضية الاختفاء القسري منذ ما قبل الحرب، ولديهم أنشطة عديدة تم تنفيذها في ذات الاتجاه. وأضاف : ” جمعنا أسر الضحايا في مجموعات وطالبنا الحكومة بالكشف عن مصير المفقودين”. وتابع : “نمط الاختفاء القسري مختلف ما بعد الحرب ” . مبيناً أن حالات الاختفاء القسري الحالية تشارك فيها الحكومة والمجموعات المسلحة التابعة لها في مناطق سيطرة الحكومة، إضافة لحالات الاختفاء القسري للمدنيين في مناطق  سيطرة الدعم السريع. وذكر : ” بعض الحالات يطالب فيها بفدية مالية فلكية لإطلاق سراح الضحية ” .

وقال شوقي إن قوات الدعم السريع تركت خلفها في العاصمة الخرطوم عشرات المعتقلات السرية بعد أن حولت المنازل والمرافق الحكومية إلى مقار أمنية وعسكرية. كما رصدت تقارير عن اعتقال أشخاص بواسطة القوة المشتركة في الفاشر. وقال شوقي يعقوب: “هناك حالات للاختفاء القسري في ولاية الجزيرة ومدينة سنجة لحظة سيطرة الدعم السريع عليها منتصف العام الماضي، ولا يزال مصيرالمختفين مجهولاً، بينهم أطفال ونساء ” . وقدر عدد الحالات في سنجة بنحو ثلاثة آلاف حالة .

وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد كشفت في تقرير لها عن ارتفاع معدلات حالات الاختفاء القسري خلال عام من الحرب إلى 1140شخصاً، لكن الأعداد تتجاوز 5000، وأوضحت أن قوات الدعم السريع تطلب فدية من بعض أسر المفقودين مقابل الإفراج عنهم.

وقال عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عثمان بصري إن الذين تمت تصفيتهم داخل معتقلات الدعم السريع كثيرون، لكن لم يتم التوثق إلا لحالتين، إذ وثقت الحالة الأولى لمختفين قسراً تم إجبارهم على العمل وقتلوا في قصف الطيران .  والحالة الثانية لمواطن اعتقل وقتل وتم دفنه في ساحة المعتقل”. وأشار إلى أنه تم فتح بلاغ بالحالة الثانية في مواجهة متهمين في ولاية البحر الأحمر، وكشف عن صعوبة الوصول لأهل الضحايا بسبب الوضع الحالي .

جرائم حرب موثقة ضد المدنيين

وتتهم منظمة هيومن رايتس ووتش القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتصفية أشخاص أثناء احتجازهم دون محاكمة، وبتعذيبهم وإساءة معاملتهم، والتمثيل بجثثهم، وهو ما يمثل جرائم حرب. وحثت قادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أن يأمروا بوقف هذه الانتهاكات فوراً وإجراء تحقيقات فعّالة والتعاون مع المحققين الدوليين، خاصة “بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان”، التي سيشمل نطاق تحقيقاتها هذه الانتهاكات التي تشكل جرائم حرب.

واشار تقرير بعثة الامم المتحدة لتقصي الحقائق، الصادر فى السادس من سبتمبر الجارى، الى ان طرفي الصراع قاما باعتقال “تعسفيًا لمدنيين واحتجازهم وتعذيبهم بسبب انتماء الضحايا الإثني أو آرائهم. وخلص التقرير إلى أن طرفي النزاع قاما باعتقال تعسفي للمدنيين بسبب انتماءاتهم السياسية أو عملهم أو لزعم تعاونهم مع طرف النزاع الآخر. وغالبًا ما تم احتجاز معتقلين دون الحصول على الغذاء الكافي أو خدمات الصرف الصحي أو الرعاية الطبية. ووصف ناجون مراكز احتجاز تابعة لقوات الدعم السريع بأنها “مسالخ”، حيث تعرض المعتقلون في بعض الحالات للضرب حتى الموت والإعدام بإجراءات موجزة . كما أجبر بعضهم على العمل القسري أو تم احتجاز البعض مقابل فدية، وأجبرت الأسر على دفع فدية لإطلاق سراحهم .”

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (شبكة إعلاميات) كاشفاً عن مأساة إنسانية للمختفين قسريًا في السودان منذ اندلاع الحرب عام 2023، الآلاف الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً في حال يمثل جرحاً مفتوحاً لأسرهم التائهة بين الأمل واليأس. أو العائدين منهم وهم يعانون من مشكلات نفسية وجسدية. وكيف استخدم بعضهم كدروع بشرية، وآخرين اصبحوا أدوات للإبتزاز المالي للأسر. في ظهور لأنماط جديدة من الإختفاء القسري تشترك فيها أطراف النزاع، ما يجعلها جريمة حرب.

Welcome

Install
×