اطفال لاجئيين سودانيين في ليبيا الصورة راديو دبنقا

منتدى الإعلام السوداني

كمبالا، 25 أغسطس 2025، (صحيفة التغيير) –  أكثرمن 522 ألف رضيع لقوا حتفهم نتيجة الأمراض المعدية، وتوفي 45 ألف طفل بسبب سوء التغذية، منذ اندلاع حرب السودان في 15 ابريل 2023، بينما يُواجه مئات الآلاف غيرهم خطر الموت البطيء، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية والتطعيمات والخدمات الأساسية .

880 ألف رضيع بلا لقاحات.. و”التطعيم” يتراجع إلى ما قبل 40 عامًا

أظهرت بيانات منظمتي الصحة العالمية واليونيسف أن السودان سجل أدنى تغطية تطعيم في العالم خلال العام الماضي، حيث لم يحصل 880 ألف طفل على جرعتهم الأولى من لقاح الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي (DTP1)، مما يضعهم في خانة “الأطفال بدون جرعة” ، وهي الفئة الأكثر عرضة للوفاة نتيجة أمراض يمكن الوقاية منها.

كما انخفضت نسبة تغطية لقاح DTP1 ، الخاص بالسعال الديكي، من 94% في 2022 إلى 48% في 2024، وهو أدنى مستوى منذ عام 1987. وأدى هذا الانهيار إلى تفشٍ واسع لأمراض مثل شلل الأطفال، الحصبة، الملاريا، والسعال الديكي، خصوصًا في معسكرات النزوح والمناطق المحاصرة .

وقال المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، إدوارد بيجبيدر : ” النزاع أعاد السودان إلى ما قبل 40 عامًا من التقدّم في حماية الأطفال” . محذرًا من أن الوضع لا يُهدد السودان وحده، بل المنطقة بأكملها نتيجة خطر انتقال الأوبئة عبر النزوح وعبور الحدود .

الانهيار في نظام التطعيم والرعاية الصحية، كما أوردتها اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، لا يُعد إلا وجهًا واحدًا من أوجه الأزمة الصحية المتفاقمة التي يواجهها الأطفال وتتجلى بشكل أكثر وضوحًا في تزايد معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال التي وثقتها مسوحات منظمة SMART ،وهي منهجية دولية معتمدة لرصد الوضع التغذوي في مناطق النزاع .

هزال حاد تجاوز العتبة الحرجة

ووفقًا لبيانات حصلت عليها (التغيير) من SMART، حسب مسوحات تمت خلال الفترة من ديسمبر 2024 وحتى يوليو 2025، سجلت ولايات مثل شمال دارفور، سنار، وشرق دارفور، معدلات (هزال حاد) تجاوزت العتبة الحرجة البالغة 15%، في أكثر من 90% من المواقع التي شملها المسح. وهي النسبة التي تُعد مؤشر خطر وفق المعايير الدولية .

الترتيب حسب نسبة انتشار سوء التغذية الحاد (15%) من عدد المسوحات :

شمال دارفور: 100% (7 من 7 مسوحات) –  سنار: 100% (1 من 1) – شرق دارفور: 83% (5 من 6) – جنوب دارفور: 75% (6 من 8) – غرب دارفور: 50% (1 من 2) ، وسط دارفور: 25% (1 من 4) –

البحرالأحمر: 25% (1 من 4) – جنوب كردفان: 20% (1 من 5) – القضارف: 33% (1 من 3) – كسلا + النيل الأزرق : 0% (1 من 1) .

إجمالاً، بلغت نسبة المسوحات التي تجاوزت عتبة الطوارئ في السودان حوالي 60%  من جملة المسوحات المعتمدة في هذه الفترة، ما يعكس تدهور الوضع الغذائي في عدد كبير من الولايات، خصوصاً في إقليم دارفور . في المقابل، رغم أن ولايات مثل كسلا والنيل الأزرق سجّلت نسبًا أقل، إلا أنها لا تزال ضمن نطاق القلق الإنساني .

الجوع وسؤ التغذية يودي بحياة نصف مليون رضيع

لكن ما تعكسه الأرقام، رغم خطورته، لا يروي القصة كاملة وفق ما أوضحت، أخصائية الباطنية والأوبئة وعضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان دكتورة اديبة إبراهيم السيد، بان الواقع الميداني أكثر فظاعة مما تشير إليه الإحصائيات، مؤكدة أن الأطفال يتعرضون لانتهاكات مركّبة تشمل القتل، النزوح، الحرمان من التعليم والرعاية الصحية، وسوء التغذية الحاد، إلى جانب العنف الجنسي الممنهج الذي طال حتى الفتيات دون سن العاشرة. وأضافت أن هذه الانتهاكات تجري في ظل غياب شبه كامل للخدمات الأساسية وغياب المساءلة.

وذكرت أديبة أن أكثرمن 10 ملايين طفل حُرموا من التعليم، فيما 90% من المستشفيات خرجت عن الخدمة، وتوقفت أكثر من 57 منظمة عن العمل، بينما اجتاحت المجاعة البلاد وسط ارتفاع حاد في أسعار الغذاء والدواء. وبحسب إفادتها، ل(للتغيير) توفي 522 ألف رضيع نتيجة الأمراض المعدية وسوء التغذية، إضافة إلى 45 ألف طفل ماتوا جوعاً.

وفاة طفل كل ساعة والعشرات اصيبوا بالسل

وأشارت إلى أن بعض معسكرات النزوح مثل كلمة، وادري، وزمزم تسجل وفاة طفل إلى طفلين كل ساعة. وفي جنوب كردفان، أكدت أديبة أن 54 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 16 عاماً أصيبوا بمرض السل، نتيجة الحصار وانعدام الرعاية .

وحذرت من تفشي الاغتصاب الممنهج كسلاح حرب، وقالت إن أكثر من 679 حالة اغتصاب موثقة سُجّلت منذ بداية الحرب، منها 197 حالة لأطفال. وأضافت أن الضحايا تعرفوا على الجناة من ملابسهم وهيئتهم العسكرية، وأغلبهم من قوات الدعم السريع .

الاغتصابات خلفت أمراضاً وأطفالاً بلا هوية

وذكرت أديبة أن عددًا من ضحايا الاغتصاب أنجبن أطفالًا في مستشفيات مثل النو، شندي، القضارف، وتم التخلي عن المواليد، مما يجعلهم مجهولي الهوية . وبيّنت أن جميع الحالات التي وصلت إلى المشافي كانت في أوضاع صحية حرجة، حيث سُجّلت حالات نزيف حاد أودت بحياة عدد من الضحايا، إلى جانب تمزق في الأغشية التناسلية وجروح بالغة في عنق الرحم، وتورم في الخصيتين مصحوب بنزيف حاد لدى الأطفال الذكور. كما ظهرت أعراض التبول اللا إرادي، والناسور البولي نتيجة لتكرار الاعتداءات، فضلاً عن الإغماء الناتج عن التهابات في الدم بسبب الجروح العميقة .

وأشارت أخصائية الأوبئة، إلى أن معالجة هذه الحالات تتطلب بروتوكولات علاجية دقيقة للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً ومنع الحمل، إلا  أن تطبيق هذه البروتوكولات يواجه تحديات كبيرة، أبرزها وصمة العار المجتمعية، ورفض الأسر لتقبّل الضحايا، فضلاً عن تسجيل المصابات بأسماء وهمية، وهروب عدد منهن بعد تلقي الإسعافات الأولية. كما يُعيق غياب الوثائق الطبية، نتيجة احتلال المستشفيات أو قصفها، من توفير الرعاية اللازمة، إلى جانب النقص الحاد في الكوادر الصحية، وغياب الممرات الآمنة، مما يؤدي أحياناً إلى وفاة الضحايا أثناء محاولات النقل أو الإجلاء .

وأكدت أديبة أن الأطفال النازحين يعانون من ظروف قاسية تشمل القهر، الجوع، انعدام الأمن، نقص المياه، وسوء المعاملة داخل معسكرات ومراكز إيواء مكتظة، تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة . واختتمت بالإشارة إلى أن الوضع في مدينة الفاشر وجنوب كردفان بلغ مرحلة الانهيار الكامل، حيث أُغلقت المستشفيات وتوقفت خدمات الرعاية الصحية الأولية والإنجابية، ما أدى إلى وفاة آلاف الأطفال، لاسيما حديثي الولادة، نتيجة التلوث وسوء الأوضاع البيئية والصحية .

سوء التغذية يدمّر جيلاً كاملاً

من جانبه حذر نائب رئيس اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، دكتور علي بشير، من التأثيرات الخطيرة والمتعددة لسوء التغذية على صحة الأطفال وسلامتهم، لاسيما في المناطق المتأثرة بالنزاع والحصار . وقال في مقابلة مع (التغيير) إن أبرز هذه التأثيرات تبدأ عادة بالصحة الجسدية، حيث يُصبح الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيم، ما يفاقم من سوء حالتهم التغذوية ويعيق نموهم الجسدي بشكل طبيعي .

وأوضح بشير، أن تأخر النمو الجسدي لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد ليؤثر سلباً على النمو العقلي والنفسي، حيث يعاني الأطفال من مشاكل في التعلم والتركيز، ما يزيد من احتمالية إصابتهم بالقلق والاكتئاب. وأضاف: “إذا أُصيب الطفل بمرض أدى إلى عاهة دائمة، فإن ذلك ينعكس في سلوكيات انعزالية وعدائية. “

وأشار إلى أن الأطفال في المناطق المحاصرة تحديداً يواجهون صدمات نفسية عميقة، ستكون لها تبعات بعيدة المدى على علاقاتهم الاجتماعية، سواء داخل مجتمعهم في مرحلة الطفولة أو لاحقا ًفي حياتهم البالغة، مما يُضاعف العبء على النظام الصحي والاقتصاد الوطني .

وأكد نائب رئيس نقابة الاطباء، أن الأثر الاقتصادي الناتج عن سوء التغذية يجب ألا يُستهان به، إذ أن الأطفال دون سن الخامسة هم الفئة التي يُفترض أن تنضم إلى القوى العاملة خلال 10 إلى 15 عاماً. لكن الإصابات الجسدية والنفسية التي تلحق بهم اليوم قد تقلل من فرصهم في الحصول على عمل مستقبلاً، مما يحوّلهم إلى عبء اقتصادي واجتماعي.

واختتم بالتحذير من أن أسوأ ما يمكن أن تصل إليه الأوضاع هو ارتفاع معدل الوفيات وسط الأطفال نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية والتغذوية، مطالباً بتدخلات عاجلة على المستويين الإنساني والطبي.

إن الآثار المدمرة على حياة الأطفال التي تسببت فيها هذه الحرب تدل على ان السودان سوف يخسر الكثير في مستقبله ولن تتوقف المعاناة عند حدود الحاضر! إذ ان أي تشوه جسدي او نفسي يصيب الاطفال مؤشر لقتامة المستقبل وهي قتامة ستزداد بقدر ما استطالت الحرب .

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (صحيفة التغيير) للفت الإنتباه لما تسببت فيه الحرب في السودان من انهيار شبه كامل للنظام الصحي والتغذوي، انعكس بشكل كبير على شريحة الأطفال، مؤدياً إلى موت مئات الآلاف، نتيجة سؤ التغذية وانخفاض تغطية “التطعيم” ، فضلاً عن ما يتعرضون له من حالات اغتصاب، في شكل من انتهاكات باتت مركّبة لتشمل الجوع، المرض، العنف الجنسي، والحرمان من التعليم، ما ينذر بخسارة جيل كامل ومستقبل مظلم للبلاد.

شعار منتدي الاعلام السوداني – ارشيف : المصدر : منتدي الاعلام السوداني

Welcome

Install
×