أحمد حمزة أحمد: التجاوزات الدستورية في الطوارئ ومحاكمها ..

حالة الطوارئ التي أعلنها رئيس الجمهورية في 23/2/2019،كما هو مفهوم، جاءت عقب،وفي ظل إحتجات شعبية واسعة مطالبة بالتغيير السياسي وفي ظروف …

رئاسة القضاء(ارشيف)

بقلم: أحمد حمزة أحمد

 

حالة الطوارئ التي أعلنها رئيس الجمهورية في 23/2/2019،كما هو مفهوم، جاءت عقب،وفي ظل إحتجات شعبية واسعة مطالبة بالتغيير السياسي وفي ظروف أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة.فهل تشكل هذه الإحتجاجات سبباً يتوافق مع نصوص الدستور التي أجازت إعلان حالة الطوارئ.دستور السودان لسنة (2005) بتعديلاته، نص على حق رئيس الجمهورية في أعلان حالة الطوارئ وفقاً للدستور والقانون وذلك عند حدوث خطر طارئ يهدد البلاد أو أي جزء منها،حرباً كان أو سلماً أو حصاراً أو كارثة طبيعية أو أوبئة يهدد سلامتها أو اقتصادها (م210/1).السؤال الذي أثير هناك أي خطر طارئ من الذي نصت عليه المادة الدستورية المذكورة،التي حددت على سبيل الحصر،الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ.النظرة الموضوعية للأحداث الكبيرة التي سبقت ورافقت اعلان الطوارئ،سوف تقول أن الحدث الأكبر هو الإحتاجات الشعبية والمهنية والحزبية الرافضة لما آلت إليه الحالة السياسية والإقتصادية للبلاد.فليس هنالك حربا استجدت وقائعها! أو حصارا أو كارثة أو خطر طارئ يهدد البلاد-اللهم إلا إذا اعتبرت السلطة الاحتجاجات الشعبية تمثل خطرا على الحكومة- ولكن علينا أن نكون مدركين أن هنالك فرقاً شاسعاً بين الخطر على استمرار الحكومة والخطر على البلاد الذي ينشأ عن الحرب أو الحصار أو الكوارث- الخطر على الحكومة في الصراع السياسي لا يعني سوى الدعوة لاسقاطها،دون اسقاط الدولة ممثلة في المبادئ الدستورية والتشريعات المتعارف عليها والمحافظة على مؤسسات الدولة الدولة المدنية والعسكرية.واسقاط الحكومة هو مطلب مشروع في مبادئ وأعراف الصراع والتدافع السلمي،وعادة يحدث عندما يحدث الانسداد وتقوص الحكومة في دوامة من الفشل،ويصبح وجدودها هو المهدد الرئيس والاكبر لسلامة والدولة واستقرارها،عندها يتشكل وعي شعبي عام مدرك أنه لا مخرج سوى زوال الحكومة عبر وسائل الضغط الشعبي السلمي الذي لا يخرج عن التظاهرات والاضرابات الخ..الطوارئ أقرتها مواثيق دولية لدرء خطر عام يمس الأمة ويهددها،وفي المجتمعات التى تسودها الحرية فإنها تطبق حماية لكيان الدولة والمجتمع،وتكون الإجراءات الاستثنائية ضمن مبادئ الحريات السياسية والشخصية وفق المبادئ الغير قابلة للمساس ،وفي مقدمتها الحريات السياسية والمدنية.

دستور السودان (2005) المُعدل، لم يكتفي بتحديد الحالات التي تُجِوِّز لرئيس الجمهوية اعلان حالة الطوارئ،بل استثنى على،وجه التحديد، بعض الحقوق الدستورية من أي إجراءات استثنائية تنشأ عن إعلان الطوارئ.من بين هذه الحقوق المستثناة،فإن المادة (211/أ) من الدستور نصت على أنه لا يجوز أن تنتقص الطوارئ من الحق في الحياة أو ان تنتقص من حرمة التعذيب أو أن تنتقص من حق التقاضي أو الحق في المحاكمة العادلة"- والمحاكمة العادلة،هنا وحسب الدستور في المادة (34/3) هي أن يكون "لكل شخص تتخذ ضده إجراءات مدنية أو جنائية الحق في سماع عادل وعلني أمام "محكمة عادية مختصة" وفقا للإجراءات التي يحددها القانون".إن المحكمة "العادية المختصة" التى نص عليها الدستور في المادة المذكورة،تقابلها "المحكمة الاستثنائية"،وهي محكمة غير عادية تخضع لإجراءات غير عادية. والمحكمة العادية هي التي نصت عليها قوانين الإجراءات المطبقة وتحكم إجراءاتها القوانين المعمول بها وليس الأوامر الاستثنائية. وهذا يقود إلى أمر هام هو ولاية القضاء واستقلاله وعدم خضوعه للإجراءات الإستثنائية.حتى الذين يقبض عليهم بموجب أوامر الطوارئ وتنسب إليهم الأفعال المجرمة بموجب الطوارئ-يجب أن تتم محاكمتهم أمام المحاكم العادية ووفق القوانين المعمول بها حسب نص المادة "34" من الدستور. لهذا فإن ما ورد بأمر جمهوري/ طوارئ رقم (1) الذي اعطى رئيس القضاء صلاحية إنشاء محاكم للطوارئ واصدار القواعد التي تنظمها-هو أمر مخالف مخالفة صريحة للدستور لأنه يؤدي إلى محاكمة المتهم أمام محكمة غير عادية وغير مختصة وهذا يجردها من صفة العدالة التي نص عليها الدستور في المادة "34".والقضاء حري به أن ينأى عن كل إجراء يمس استقلاله ويخالف الدستور،هو-اي فالقضاء- منوط به حماية الدستور والرقابة على دستورية القوانين والقرارات والأوامر التنفيذية والإدارية.ولعدم دستورية محاكم الطوارئ التي تم تشكيلها،فإن جميع الأحكام التي صدرت ،وتصدر عنها،تصبح محل طعن يستوجب إلغاؤها- بل أكثر من ذلك كل مواطن يمثل أمام غير المحكمة العادية،يكون له الحق في الطعن في دستورية تشكيلها إستناداً على نص المواد (211 /أ و34/3) من دستور السودان لسنة (2005) المُعدل!.بل هذا الحق مكفول لاي مواطن(لأنه صاحب مصلحة فقد يتعرض في أي وقت للمثول أمام محاكم الطوارئ).وجدية هذا الأمر تكمن في أن محاكم الطوارئ أوقعت الآن عقوبات بالسجن ولها صلاحية الحكم حتى عشر سنوات وبغرامات مالية كبيرة،وهذا أدعى للطعن في دستوريتها- فضلاً عن أنها تعتبر مخالفة لمبادئ المحاكمة العادلة التي نص عليها الدستور في المادة (211/أ) ،كما ذكرنا والمادة (34/3) من الدستور.

الامر الجمهوري/طوارئ رقم "1" أعطى النائب العام السلطة التقديرية بشأن رفع الحصانة عن أي شخص متهم بإرتكاب جريمة معاقب عليها بموجب قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997م.ويجدر التذكير أن قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997م صدر بموجب الأمر الدستوري الثالث لسنة (1995)- أي صدر قبل دستور 2005 المعدل بعشرين سنة،والقاعدة المستقرة،هي أن الدستور هو التشريع الأعلى الذي يسمو على بقية التشريعات،وأن مطلق التشريعات التي تتعارض في كليتها أو جزئياتها مع الدستور،فإنها تصبح باطلة ولا تطبقها المحاكم،فما بالنا عندما يكون قانون الطوارئ صدر في 1997 بينما الدستور جاء في 2005،الأمر الذي لا يعني سوى حقيقة وحدية هي بطلان جميع نصوص قانون طواري 1997 التي تتعارض مع نصوص الدستور..
اكتفينا هنا بجزئية "المحاكمة العادلة"- التي تعني "المحكمة العادية المختصة" حسب الدستور- وهنالم عناصر أخرى لمعنى المحاكمة العادلة.
هذا،والإشارة ضرورية،إلى أن الأزمة السياسية الحالية التي تعيشها البلاد،لا مفر من أن تعالج من منطلق سياسي هدفه استعادة مناخ الحريات بما يهيئ مناخ من الثقة ويفتح منافذ الحوار على مصارعها لأجل حل مرضي ومتوافق عليه يصون البلاد ويحفظ كرامة إنسانها من الهدر تحت طائلة الإجراءات الإستثنائية،فليس هنالك سبباً مشروعا لإعلان حالة الطوارئ،فالصراع من أجل التغيير السياسي يحدث الآن سلماً،والذي يهدد الدولة والمجتمع هو استمرار سياسات أثبتت الأحداث أنه لا مناص من العدول عنها،ولا شك أن الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية،قد استشعرا ضرورة التغيير،إذن،فمن يمسكون بالسلطة الآن عليهم واجب الشروع في الحل بعيدأ عن أي إجراءات استثنائية سواء الطوارئ أو غيرها- فالحال السياسي القائم الآن يعتبر في حد ذاته استشناء عن ما هو طبيعي ومألوف!!.

[email protected]
////////////////////