واقع الأزمة واحلام الدكتور الترابي

ينشط هذه الايام الدكتور حسن الترابي في التبشير بمشروع جديد يطرحه على الناس والناس الذين لا ينسون أن الدكتور الترابي هو عراب هذا النظام الذي اوصلنا الى ما نحن فيه من تمزق وفرقة واحتراب داخلي وانفصال جزء عزيز من الوطن وسودان اليوم الذي عاش مغامرة الدكتور الترابي على مدى ربع قرن ليس هو سودان 1989 والحركة الاسلامية يومذاك ليست هي نفس الحركة وهو لم يعد قائدا الا بمجموعته التي تتنافس مع جماعات اسلامية عديدة ونظرة القوى السياسية الاخرى للدكتور الترابي اختلفت تماما بعد تجربة طالت اكثر من ربع قرن- فلا غرابة ان قابل الجميع مشروعه الجديد بكثير من الفتور وكثير من النفور فليس الوطن حقل تجارب تمارس فيه بعض النخب هواياتهم فيجدون اذنا صاغية على الدوام.

والمشروع الجديد للدولة مشروع يحيط به الغموض تماما مثل ما كان مشروع(التوالي) الذي شغل به الدكتور الراي العام ردحا من الزمن وربما كان الزمن الماضي يسمح بغريب المصطلحات وغموض المشاريع ولكنه لم يعد كذلك الآن بعد ان عانى الناس ما عانوا من مغامرات النخب السياسية المختلفة منذ فجر الاستقلال وحتى يوم الناس هذا وتعلموا من تجاربهم الكثير وما عادوا طينة طيعة يشكلها المغامرون كيف شاءوا- ونحن نتفق مع الدكتور في ان الخيارات امامنا صارت محدودة بين الحل التوافقي الذي لا يستثني احدا وبين الحرب المدمرة التي تهددنا بمصير الصومال وليس بين هذين الخيارين مكان لحركة استقطابية جديدة تتدثر برداء الدين كما يبدو من مشروع الدكتور الاخير لان الناس اكتشفوا مخاطر المتاجرة بالدين واستقلاله لمآرب دنيوية وعاشوا تجارب سوء الادارة وانتشار الفساد وتصعيد الولاءات القبلية والمحاصصة في الوظائف وفي اقتسام الثروة والسلطة بين نخب استولت على الدولة بكاملها وجيرتها لمصالحها الخاصة فاغتنوا وتطاولوا في البنيان واكتنزوا الاموال وبات المال العام دولة بينهم دون سواهم.

والقبلية واقع في حياة السودان لم تخترعها الانقاذ لكنها وظفتها يوم ان قسمت السودان الى ستة وعشرين ولاية لانها رأت في هذا التشظي اضعافا لمنافسيها السياسيين في طوائف دينية انتشرت وسط القبائل وركزت اسس الولاء الديني اساسا لمشروعها السياسي ولكن هذا التشظي الذي منح الانقاذ (ولاءً مؤقتا) اساسه الزبانية والمحاصصة القبلية عاد بآخره فانعكس سلبا عليها واضعف اركان الدولة وخلق مهددات جديدة حتى اصبحت الانقاذ نفسها تشكو منها وتعدل الدستور والقوانين لكي تحاصرها ولن يجدي ذلك نفعا.

ومرة اخرى يعود الدكتور بمشروع جديد ومرة اخرى يحاول ان يستغل الدين اساسا لمشروعه الذي يأمل ان يوحد الناس وهو ادرى الناس بواقع الانقسام الحاد بين المسلمين في شتى انحاء العالم العربي فالمسلمون يقتلون المسلمين اليوم في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وداعش تكفر المسلمين الآخرين وتشن عليهم حربا لا هوادة فيها وتريد بالبندقية ان تحتكر الكلام باسم الاسلام والسنة يواجهون الشيعة ويكفر بعضهم والسلفيون يصارعون الحركيين.

لا احد يحق له ان يمنع الدكتور الترابي من ان يحلم ولكن الحلم الذي يجافي الواقع ليس له اقدام يمشي بها على الارض- والذين يستمعون الى تلك الاحلام لن تحركهم قيد انملة وثمة اجيال جديدة من حقها ان تصنع الواقع الجديد- ونحن واجيالنا السابقة لسنا مؤهلين لان نفرض احلامنا وامانينا على هذه القوى ذات المصلحة الحقيقية في التغيير ويكفيهم انهم الآن يحتملون نتائج اخطائنا واوزارنا السابقة فلا نزيد معاناتهم بالمزيد من المشاريع الهلامية وهم اكثر حصافة من ان يستمعوا لهذه الهلاميات!!

 

بقلم : محجوب محمد صالح

 

ينشط هذه الايام الدكتور حسن الترابي في التبشير بمشروع جديد يطرحه على الناس والناس الذين لا ينسون أن الدكتور الترابي هو عراب هذا النظام الذي اوصلنا الى ما نحن فيه من تمزق وفرقة واحتراب داخلي وانفصال جزء عزيز من الوطن وسودان اليوم الذي عاش مغامرة الدكتور الترابي على مدى ربع قرن ليس هو سودان 1989 والحركة الاسلامية يومذاك ليست هي نفس الحركة وهو لم يعد قائدا الا بمجموعته التي تتنافس مع جماعات اسلامية عديدة ونظرة القوى السياسية الاخرى للدكتور الترابي اختلفت تماما بعد تجربة طالت اكثر من ربع قرن- فلا غرابة ان قابل الجميع مشروعه الجديد بكثير من الفتور وكثير من النفور فليس الوطن حقل تجارب تمارس فيه بعض النخب هواياتهم فيجدون اذنا صاغية على الدوام.

والمشروع الجديد للدولة مشروع يحيط به الغموض تماما مثل ما كان مشروع(التوالي) الذي شغل به الدكتور الراي العام ردحا من الزمن وربما كان الزمن الماضي يسمح بغريب المصطلحات وغموض المشاريع ولكنه لم يعد كذلك الآن بعد ان عانى الناس ما عانوا من مغامرات النخب السياسية المختلفة منذ فجر الاستقلال وحتى يوم الناس هذا وتعلموا من تجاربهم الكثير وما عادوا طينة طيعة يشكلها المغامرون كيف شاءوا- ونحن نتفق مع الدكتور في ان الخيارات امامنا صارت محدودة بين الحل التوافقي الذي لا يستثني احدا وبين الحرب المدمرة التي تهددنا بمصير الصومال وليس بين هذين الخيارين مكان لحركة استقطابية جديدة تتدثر برداء الدين كما يبدو من مشروع الدكتور الاخير لان الناس اكتشفوا مخاطر المتاجرة بالدين واستقلاله لمآرب دنيوية وعاشوا تجارب سوء الادارة وانتشار الفساد وتصعيد الولاءات القبلية والمحاصصة في الوظائف وفي اقتسام الثروة والسلطة بين نخب استولت على الدولة بكاملها وجيرتها لمصالحها الخاصة فاغتنوا وتطاولوا في البنيان واكتنزوا الاموال وبات المال العام دولة بينهم دون سواهم.

والقبلية واقع في حياة السودان لم تخترعها الانقاذ لكنها وظفتها يوم ان قسمت السودان الى ستة وعشرين ولاية لانها رأت في هذا التشظي اضعافا لمنافسيها السياسيين في طوائف دينية انتشرت وسط القبائل وركزت اسس الولاء الديني اساسا لمشروعها السياسي ولكن هذا التشظي الذي منح الانقاذ (ولاءً مؤقتا) اساسه الزبانية والمحاصصة القبلية عاد بآخره فانعكس سلبا عليها واضعف اركان الدولة وخلق مهددات جديدة حتى اصبحت الانقاذ نفسها تشكو منها وتعدل الدستور والقوانين لكي تحاصرها ولن يجدي ذلك نفعا.

ومرة اخرى يعود الدكتور بمشروع جديد ومرة اخرى يحاول ان يستغل الدين اساسا لمشروعه الذي يأمل ان يوحد الناس وهو ادرى الناس بواقع الانقسام الحاد بين المسلمين في شتى انحاء العالم العربي فالمسلمون يقتلون المسلمين اليوم في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وداعش تكفر المسلمين الآخرين وتشن عليهم حربا لا هوادة فيها وتريد بالبندقية ان تحتكر الكلام باسم الاسلام والسنة يواجهون الشيعة ويكفر بعضهم والسلفيون يصارعون الحركيين.

لا احد يحق له ان يمنع الدكتور الترابي من ان يحلم ولكن الحلم الذي يجافي الواقع ليس له اقدام يمشي بها على الارض- والذين يستمعون الى تلك الاحلام لن تحركهم قيد انملة وثمة اجيال جديدة من حقها ان تصنع الواقع الجديد- ونحن واجيالنا السابقة لسنا مؤهلين لان نفرض احلامنا وامانينا على هذه القوى ذات المصلحة الحقيقية في التغيير ويكفيهم انهم الآن يحتملون نتائج اخطائنا واوزارنا السابقة فلا نزيد معاناتهم بالمزيد من المشاريع الهلامية وهم اكثر حصافة من ان يستمعوا لهذه الهلاميات!!