موبقات المفاوضات مع الانقلابيين (4-4): مطالب الإنتصار وهزيمة الإنقلاب

بالنظر للمعطيات والأطراف الداخلية والخارجية ذات الصلة بالمشهد السوداني سنخلص لعدة نتائج مفادها أن إستمرار الوضع الراهن السائد منذ فجر 25 أكتوبر ما عاد بالإمكان، وأن العودة لتركيبة ومعادلة ما قبل إنقلاب 25 أكتوبر ايضاً غير ممكن فلولا الإختلال والإعتلال المصاحب لها لما أنتهت للإنقلاب.

ماهر أبوجوخ

 

 بقلم: ماهر أبوجوخ

 

بالنظر للمعطيات والأطراف الداخلية والخارجية ذات الصلة بالمشهد السوداني سنخلص لعدة نتائج  مفادها أن إستمرار الوضع الراهن السائد منذ فجر 25 أكتوبر ما عاد بالإمكان، وأن العودة لتركيبة ومعادلة ما قبل إنقلاب 25 أكتوبر ايضاً غير ممكن فلولا الإختلال والإعتلال المصاحب لها لما أنتهت للإنقلاب.

النقطة الثانية أن أطراف مقاومة الإنقلاب قادرة على خوض معركتها رغم الإنهاك والقمع وفي ذات الوقت فإن الإنقلاب قادر على الصمود حتى اللحظة رغم تصدعاته الداخلية والخارجية وتزايد أزماته الإقتصادية والسياسية والأمنية. من الضروري التنبه لإمكانية إنفلات الأوضاع من يده تماماً وإنزلاق البلاد في أتون الفوضي بشكل متعمد أو جراء تراخى القبضة المركزية نتيجة للإنهاك وتعدد الجبهات، أو إنزلاق البلاد في أتون حرب أهلية مسلحة بين بعض أو كل الأطراف بسبب إستمرار الإنسداد أو تجاوز إستخدام العنف طاقة الإستحمال والتوجه للتعامل برد الفعل بعنف مضاد.

ما ذكرناه سابقاً مع إستصحاب التصدعات الواضحة وسط مجموعات الإنقلاب ومخاوف الأطراف الإقليمية والدولية من إقتراب لحظة الإنهيار والإنزلاق في أتون الحرب الأهلية والعنف والعنف المضاد ستعزز من تحرك إيقاع وخطوات التفاوض وطرحه كخيار موجود يهدف في حده الأدني كفرصة أخيرة لإنقاذ البلاد من الإنزلاق في اتون الفوضي وحرب الكل ضد الكل. فالتخوف الأساسي في الوقت الحالى هو الوصول لمرحلة الإنزلاق قبل إتفاق الفرصة الأخيرة.

من الضروري الإشارة لتطور ملازم لسيناريو الإنهيار والإنزلاق في أتون الحرب الأهلية -لا قدر الله- فإن التفاوض سيكون مطروحاً ضمن خيارات الوصول لحل، لكن سيصعب التنبؤ بالأطراف الفاعلة التي ستنتج عن هذا الصراع ومآلات ذلك الصراع والمرارات التي ستنتج عنه وكيفية معالجتها ومقدار الخراب والدمار وما يراد إعماره والوقت اللازم وحجم الأضرار الذي لحق بالمؤسسات والإفراد وغيرها من القضايا التي قد تبدو أنها المطالب الأساسية المراد تحقيقها من اي عملية تفاوض في الوقت الراهن.

جميع هذه المعطيات ستجعل عملية التفاوض تقترب أكثر من اي وقت مضي مع إختلاف تصورات ورغبات كل طرف من الأطراف -فعلى سبيل المثال فإن أطراف إتفاق سلام جوبا يهمهم الحفاظ على مكاسبهم وتمثيلهم السياسي وإستمراره وبعض أطراف المكون العسكري تريد الحفاظ على وضعهم الدستوري – لكن في تقديري فإن جميع تلك المطامح غير ممكنه لعوامل عديدة أبرزها إنقلاب 25 أكتوبر ونتائجه مع وجود توجه إقليمي ودولي يشترط تغيرات في المعادلة السياسية بتكوين مؤسسات حكم مدنية.

ما أشرنا إليه سابقاً يستوجب تحديد القضايا الأساسية والأاهداف المفصلية المراد تحقيقها والواجب إجتنباها التي أسميتها (الموبقات) بغرض ضمان وقبول ودعم الشارع لنتائج تلك المفاوضات بإتساق نتائجها بمطالبه الأساسية ويجب أن تفضي نتائجها لإستعادة ثقة المجتمعين الإقليمي والدولي وتفتح الطريق أمام تعزيز الإنتقال الديمقراطي، وبالتالي فإن تجنب تلك (الموبقات) ستضمن عدم تكرار الإعتراضات التي لازمت تجربتي الوثيقة الدستورية وإتفاق 21 نوفمبر.

أولي الموبقات الواجب تجنبها هي عدم إعادة إنتاج الشراكة مع المكون العسكري، بإلغاء تلك الشراكة بحيث يقتصر دور العسكريين على الدور الوظيفي المحدد لهم وفق القانون وتبعية كل القوات النظامية للحكومة وتحت سلطتها. لا يمكن تحقيق هذا الأمر دون إستصحابه بعلاج كلى وجذري لمسألة الجرائم المرتبطة بفض الإعتصام وما بعد إنقلاب 25 أكتوبر بشكل عام وللعسكريين الساسة الخمسة بما في ذلك معالجتها في إطار العدالة الإنتقالية لمجموعة الخمسة على أن يقترن هذا الإجراء بعدة إشتراطات أبرزها خروجهم من المشهد السياسي كلياً ونهائياً مدى الحياة.

بالنسبة للشق المؤسسي فيجب تأسيس معالجات لقضية تعدد الجيوش وصولاً لتأسيس قوات نظامية مهنية إحترافية ملتزمة بحماية النظام الديمقراطي عن طريق أربعة خطوات أساسية الأولي معالجة ملف العسكريين المفصولين سياسياً من قبل النظام السابق وإرجاع المؤهلين والقادرين للعمل مجدداً والإستفادة من خبرات غير القادرين أو الراغبين للعودة للعمل في وضع خطط التطوير وإعادة التأهيل. 
وثانيهما إكمال عمليات الدمج للقوات المتعددة والدعم السريع بحيث تفضي لتأسيس جيش سوداني قومي وشرطة قومية مهنية ومؤسسات أمنية قومية ومهنية تؤدي دورها في الأمن الداخلي والخارجي 
وثالثهما وضع أسس إستعادة قومية القوات النظامية من خلال شروط الإستيعاب وضمان توازن التعدد الإقليمي وفق عقيدة تقوم على حماية الشعب والأرض والنظام الديمقراطي وإحترام القانون وتنفيذه عبر برامج وخطط يصممها العسكريون ويتم تنفيذها بعد إجازتها وموافقة الحكومة عليها تحت إشرافها ورقابة المجلس التشريعي.
 أما رابعها فهو خروج المؤسسات النظامية من ممارسة الأنشطة التجارية وتمويل كل إحتياجاتها من الخزينة العامة على أن يسمح لها بالعمل في مجال صناعات الدفاعية أو الإنتاج الزراعي والحيواني بجانب الأنشطة التعاونية بغرض توفير السلع والخدمات لمنسوبيها على أن تخضع جميع تلك الأنشطة لإشراف ومراقبة وزارة المالية.

ثاني الموبقات التي يجب تجنبها يتمثل في إلغاء التمثيل السياسي الحزبي في كل من مجلس السيادة ومجلس الوزراء وحكام الإقاليم وولاة الولايات بإعتبار أن التعيين الحزبي غير مرحب به شعبياً، وهو ما يوجب تعيين لتلك المواقع من شخصيات غير الحزبية من الذين لم يشغلوا موقعاً دستورياً خلال فترة حكم النظام المباد أو إنقلاب 25 أكتوبر أو موقعاً حزبياً في حزب المؤتمر الوطني المحلول، مع إلزام كل شاغلي تلك المواقع بعدم خوض أول إنتخابات يتم تنظيمها نهاية الفترة الإنتقالية.

في تقديري أن الشق الخاص بشاغلي الحقائب الوزارية في الحكومات الإقليمية والولائية يمكن التحلى فيه بالمرونة في ما يتصل بالخلفية الحزبية للمرشحين شرطة إجازتهم من قبل المجلس التشريعي للإقليم أو الولاية بموافقة الثلثين وتحديد شروط قبول التمثيل الشخصية الحزبية وإشتراط عدم تجاوز ممثلي الأحزاب نسبة معينة من إجمالي حقائب الحكومة -يمكن أن تكون ثلاثين أو أربعين في المائة- مع إنطباق ذات شروط الحرمان من الترشح في أول إنتخابات في كل المستويات لشاغلى المواقع التنفيذية بالأقاليم والولايات والمحليات. بالنسبة للتمثيبل السياسي الحزبي فسيقتصر على المجالس التشريعية في جميع المستويات ويحق لعضوية المجالس التشريعية المشاركة في الانتخابات.

ثالث الموبقات أن تكون المؤسسات التنفيذية المكلفة بإدارة المرحلة الإنتقالية ملتزمة بتصريف الأعمال من خلال برنامج يحقق السلام وينظم الإنتخابات ويفكك تمكين الثلاثة عقود للحزب الواحد على مؤسسات ومقدرات الدولة والشروع في تنفيذ برامج إعادة هيكلة المؤسسات النظامية وإصلاح الإقتصاد الوطني وإعادته لدائرة الإنتاج مجدداً بالتركيز على القطاعات الحيوية الزراعية والحيوانية ويحقق لها قيمة مضافة ويجعل من الإنتاج المعدني والنفطي عامل مساعد في التوجه التنموي وتقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية مجاناً للمواطنين وتعزيز حسن الجوار الإقليمي والدولي والإبتعاد من الحروب والصراعات والإمتناع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى وحل اي منازعات بالطرق السلمية والدبلوماسية والإبتعاد عن الحروب إلا في حالة الدفاع عن النفس وصد العدوان.

رابع الموبقات هو عدم تكرار خطأ الوثيقة الدستورية بتشكيلها للمؤسسات الأعلى ممثلين في مجلس السيادة ومجلس الوزراء وتعطيل تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي، لذلك ييجب أن تتأسس العملية الدستورية الإنتقالية هذه المرة من المجلس التشريعي الإنتقالي ويجب التوصل لنسب تكوينه بحيث يضمن تمثيل الشابات والشباب الفاعلين بلجان المقاومة، الأحزاب السياسية وأطراف السلام والمجموعات الأهلية والدينية والإجتماعية المختلفة.

يجب أن تقودنا عملية النسبة والتنسب لضمان عدم تمتع طرف واحد أو طرفين بالأغلبية التي تمكن من الإنفراد بالقرار بإعتبار أن ذلك سيضعف الدور الرقابي للمجالس التشريعية وسيجعل القرارات المفصلية محسومة عند طرفين فقط خاصة أن هناك تجارب ممثلة كانت نتائجها سيئة في المراحل الإنتقالية بسبب وجود طرفين لديهما الأغلبية -نموذجاً برلمان 2005م الذي تشكل بعد إتفاق السلام الشامل- أما التجارب التي إنفرد فيها طرف واحد بالأغلبية فقد أنتجت أنظمة شمولية قادت المشهد السياسي للإنسداد.

سيختص المجلس التشريعي بجانب دوره الرقابي والتشريعي في إعداد وإجازة القوانين بإختيار وإعفاء رئيس وأعضاء مجلس السيادة، رئيس الوزراء ووزراء الحكومة، إختيار حكام الأقاليم وولاة الولايات قبل تكوين المجالس التشريعية الإقليمية والولائية، إختيار رئيس القضاء والنائب العام وأعضاء مجلسي القضاء والنيابة العامة، إختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية الإنتقالية  وإختيار رؤساء المفوضيات وأعضاءها على أن تجاز جميع تلك التعينات بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الإنتقالي.

أما الخامسة فهي الأستفادة من الخطأ السابق بوضع تصور كامل لكيفية تشكيل مؤسسات الحكم وصلاحياتها في جميع المستويات (القومي، الإقليمي، الولائي والمحلي) تنفيذياً وتشريعياً وشروط تكوينها ونسبها والإلزام بتمثيل النساء بما لا يقل عن خمسة وعشرين في المائة والشباب ما دون الأربعين عاماً بنسبة تتراوح ما بين الخمسة والعشرة في المائة وتحديد جدول زمني لتشكيل تلك المؤسسات ووضع بدائل لتشكيل تلك المؤسسات في حال إنقضاء الأجل المحدد دون تكوينها، يمكن إرجاع الأمر للمجلس التشريعي الإنتقالي بإعتباره السلطة التشريعية العليا بالبلاد لتكوين تلك المؤسسات بموافقة ثلاث أرباع أعضاءه بإعتباره إجراء إستثنائي يحتاج لأغلبية إضافية.

سادس الموبقات اللازم تجنبها هو عدم تكرار خطأ الوثيقة الدستورية في ما يتصل بتشكيل مؤسسات العدالة والإستفادة من تجربة التنازع ما بين إستقلالية القضاء والنيابة العامة وتفكيك التمكين الموجودة فيها الذي أعاق إستكمال مؤسساتها وعطل تفكيك التمكين فيها من خلال تشكيل مؤسسات عدلية وقانونية إنتقالية أسوة بالمؤسسات الدستورية ينتهي أجلها بإستكمالها للتفكيك في تلك المؤسسات وضمان تحقيقها للمهنية وصولاً لتكوينها لمؤسساتها ممثلة في مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة العامة وإختيارهما لرئيس القضاء والنائب العام على التوالي.

في ذات الوقت يقترح ان يتم تكوين محكمة دستورية إنتقالية بجانب مجلسي قضاء ونيابة عامة إنتقاليين -فإذا كنا سنصيغ دستور جديد ونشكل مؤسسات دستورية إنتقالية فلا ضير من تشكيل مؤسسات عدالة إنتقالية أخرى- من شخصيات قانونية وقضاة مشهود لهم بالمهنية ينتهي تكليفهم بإنتهاء المرحلة الإنتقالية على أن يتم إختيارهم خلفهم من قبل مجلسي القضاء والنيابة العامة وفق لما ينص عليه القانون.يشترط على شاغلى الأجهزة العدلية الإنتقالية عدم شغل منصبهم مجدداً بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية عند إنتخاب وإختيار المؤسسات اللاحقة.

سابع الموبقات هي تجنب التضارب في الصلاحيات والإختصاصات بين المؤسسات ومستويات الحكم من خلال إعداد نصوص دستورية تحدد سلطات وإختصاصات أي مؤسسة من المؤسسات وعلاقاتها بالمؤسسات الأخرى وذات الأمر ينطبق على مستويات الحكم المختلفة مع إمكانية الإستفادة من التجارب والنصوص الدستورية السابقة ووجود المحكمة الدستورية الإنتقالية لحسم أي خلافات ونزاعات ذات طابع دستوري بين اي مستوي من المستويات.

ثامن الموبقات تستوجب الإعتراف بحقائق متصلة بالخدمة المدنية وسبل علاج أزماتها التي سيظل تفكيك التمكين المنتهج حل جزئي لأزمتها التي باتت تحتاج علاج جذري بإعادة تشكيلها لجعلها قومية تعبر عن كل الأقاليم وقادرة على إستيعاب الشباب والشابات بشكل أكبر ومتوائمة مع متطلبات العصر في السرعة وإحتياجات زيادة الإنتاج وهذا لا يتطلب (إصلاح) وإنما (إعادة هيكلة)، ويمكن تحقيق هذه النتائج بشكل يضمن إستمرار الدولة في  واجبها ومسؤوليتها تجاه مواطنيها في توفير سبل العيش لملاين العاملين شاغلى الوظائف بالإستهداء والإستفادة من نماذج وتجارب بعض الدول التي قررت إعادة هيكلة خدمتها المدنية دون إستخدام لأساليب الفصل أو الصالح العام.

تاسع الموبقات التي يجب إجتنابها هي إعتبار تفكيك التمكين وإسترداد الأموال المنهوبة عملية معزولة عن الإنتقال، فتفيكك التمكين هو أحد الأعمدة الأساسية وهدف من اهداف المرحلة الإنتقالية وهو ليس فرض كفاية يناط بمؤسسة واحدة تنفيذه وإنما هو واجب على كل مؤسسات الإنتقال وبدون تحقيقه فإن الإنتقال الديمقراطي سيكون في مهاب الريح وسيتم تقويضه وهذا ما حدث قبل وبعد إنقلاب 25 أكتوبر ولذلك يجبب تعزيز عملية التفكيك بحيث يصبح إجراء يتبع للمجلس التشريعي للمستوي المعني ويكون لقرارات لجان التفكيك النفاذ التنفيذي ويجوز مراجعتها وإستئنافها للجهات القانونية والعدلية حسب ما ينص القانون.

من المهم بحث الجوانب المرتبطة بالأموال المنهوبة الموجودة بالخارج والإستفادة من تجارب الدول الأخرى والإستعانة بالخبارات الخارجية بغرض معالجة هذا الملف مع إمكانية تعزيز الإجراءات المرتبطة بهذا الملف من خلال إصدار التشريعات التي تساعد على إستعادة تلك الأموال بما في ذلك إبطال أو نقض إجراءات بيع الممتلكات العامة داخل البلاد وخارجها خلال عهد النظام المباد أو بعد إنقلاب 25 أكتوبر.

يجب عدم إغفال التطورات المرتبطة بإجراءات وقرارات المحاكم بإلغاء قرارات لجنة التفكيك قبل أو بعد إنقلاب 25 أكتوبر ونظراً للمأزق القانوني حول هذه الإجراءات فيجب عدم الإقرار بها أو  تحصينها بمنع الجهات التنفيذية أو التشريعية من إعادة النظر حولها، وما ينطبق عليها يشمل كذلك كل التشريبعات والإجراءات والقرارات والتعينات التي تمت خلال الفترة التي أعقبت إنقلاب 25 أكتوبر. قد يكون الخيار الأقرب لضمان عدم حدوث تضارب وتنازع ما بين الأجهزة التنفيذية والتشريعية مع الجهات القضائية هو تجميد القرارات الإلغاء الصادرة عن المحكمة العليا  لحين الفصل في النزاع حول دستوريتها وقانونيتها من قبل المحكمة الدستورية الإنتقالية.

عاشر الموبقات الواجب تجنبها هي المرتبطة بالسلام فالإقدام على إلغاء إتفاق سلام جوبا سيكون أمراً مثيراً للقلق والخوف للمجموعات الراغبة في التوقيع على إتفاقيات سلام، لذلك الأصوب أن تراجع تلك إتفاقية جوبا وأن ينص على تطابق محتوياتها مع الإطار الدستوري الجديد القائم على نتائج المفاوضات بتشكيل مؤسسات الحكم التنفيذية قومياً وإقليمياً وولائياً من أشخاص غير منتمين حزبياً أو حركياً لاي من الأحزاب أو الحركات المسلحة، ويكون الإطار الدستوري هو التشريع ألأعلى في البلاد ولا يعلو عليه اي نص قانون أخر أو إتفاق سياسي ويزال أي تعارض بما يؤدي لتحقيق هذا العلو للإطار الدستوري.

يجب تحديد الالية التي سيتم بموجبها مراجعة إتفاقية سلام جوبا وكيفية تحويلها لتصبح إتفاق سلام شامل قادر على معالجة أسباب الحروب في كل أنحاء البلاد، وتفضي نتائجها لتحقيق أهدافها في إستدامة السلام ومعالجة مسببات وأثار الحروب وتحقيق القومية لمؤسسات الدولة العامة العسكرية والمدنية وتعزيز الإنتقال الديمقراطي وتنظيم إنتخابات حرة تعددية ديمقراطية وصياغة دستور قومي يحقق الوحدة الطوعية ويعكس التعدد والتنوع الثقافي والديني والإثني ويضمن قسمة عادلة للسلطة والثرورة بين كل أقاليم البلاد.

بجانب ما ذكر سابقاً فيجب الإقرار والإعتراف بوجودنا في محيط جيوسياسي يؤثر ويتأثر بالسودان إيجاباً وسلباً، من المهم التعامل مع الأطراف الإقليمية والدولية على أساس مبدأ التعاون والتكامل وإعلاء المصالح وتجنب الإضرار وتوظيف مقومات السودان الجغرافية والسياسية لصالح تعزيز التعاون الإقليمي والتكامل بما يخدم مصالح كل شعوب المنطقة ويضمن إستدامة السلام والإستقرار ويمنع أندلاع الحروب والصراعات في هذا المحيط داخل الدول أو في ما بينها.

من المهم تعريف مشروع الإنتقال بأنه يحقق مصالح السودانيين ولا يقصد الإضرار بأي أطراف إقليمية أخرى أو تهديدها بتصديره وأن نجاح السودانيين في إستكمال الإنتقال وبلوغه غايته يعني تجنيب المنطقة تداعيات إنهيار دولة محورية أو فشلها وعدم إستقرارها بإعتباره معطى يمتد أثره على كل الإقليم.

النقطة الإضافية التي يجب استصحابها بخلاف ما ذكرناه سابقاً ذات الصلة بالإطار الدستوري والقضايا الأساسية الواجب تضمينها ضمن نتائج أي مفاوضات بغرض فتح الطريق أمام إسستعادة الإنتقال الديمقراطي وتأسيس مؤسسات حكم مدني، فيجب عدم تكرار أحد الأخطاء الأساسية خلال العامين السابقين للحكم الإنتقالي والمتمثل في فقدان وغياب دور مراكز الدراسات المناط بها التفكير والتحليل لمختلف القضايا الإستراتيجية للدولة الأمر الذي أدي لغياب تلك الرؤى وعدم وضوحها وتضارب التوجهات وإندلاع الإتهامات بإختطاف القرار بين المؤسسات أو المجموعات السياسية أو من قبل أفراد وأفضت جميع تلك المعطيات لنشوب صراعات وحدوث تخبط في إتخاذ القرارات والتنافس غير الحميد المضر بالبلاد في العلاقات الخارجية.

من الضروري أن يكون للمؤسسات الدستورية مؤسسة بحثية كمركز للدراسات والبحوث الإستراتيجية يتولى دراسة وتحليل القضايا الراهنة أو المتوقعة لدوائر صنع القرار وإعداد التوصيات اللازمة لها في ما يتصل بالقضايا المختلفة والخيارات والسيناريوهات والتطورات المتوقعة ومن ثم يترك لتلك المؤسسات حرية إتخاذ الموقف المناسب وفقاً لتقديراتها، في ذات السياق فإن هذا أو تلك المراكز بإمكانها أن تصبح جرس إنذار مبكر للأزمات المستقبلية المتوقعة وإقتراح سبل تجنبها أو الخروج منها في حال وقوعها وحدوثها.

إن تضمين القضايا التي أشرنا إليها سابقاً في أي إتفاق أو مفاوضات بغض النظر عن الأطراف وإطار ونوع الوساطة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية ستجعل نتائج تلك المفاوضات والمباحثات تحظي بالقبول والرضا الشعبي بإعتبارها تحقق وتستجيب لمطالب الشارع بدحر وهزيمة الإنقلاب وإستعادة الإنتقال ووضع لبنات المؤسسات المدنية والعسكرية والعدلية في المجتمع الديمقراطي وإنهاء الحرب وإستدامة السلام وتفكيك التمكين الحزبي الممتد لثلاث عقود وإسترجاع الأموال المنهوبة والمسروقة.

إن سودان المستقبل بهذه المواصفات والإمكانيات وتلك التركيبة الداخلية المستقرة هو خير معين لجيرانه ومحيطة الإقليمي وللمجتمع الدولي في الإسهام الفاعل الإيجابي في كل المجالات التي تصب لمصلحة الشعوب وإعلاء المصالح وتكامل الإمكانيات بما يحقق الرفاه والإستقرار والتطور للشعوب والدول وسائر المنطقة ويجنبها اي صراعات أو أزمات.

الأمل موجود والتغيير قادم والشعب منصور وثورته ستبلغ منتهاها وتهزم أعداءها في خاتمة المطاف.