صراعات السلطة و… عودة “قوش “

علي ذات نسق المباغته التي أطاحت به من منصب مدير جهاز الأمن و المخابرات الوطني

صلاح قوش يؤدي القسم امام البشير مديرا مرة اخري لجهاز الامن والمخابرات

 

بقلم : محمد بدوي

علي ذات نسق المباغته التي أطاحت به من منصب مدير جهاز الأمن و المخابرات الوطني ، عاد المهندس صلاح عبدالله الملقب ب" قوش" إلي شغل المنصب مره ثانية بعد تسعة أعوام حيث كشفت وكالة السودان للأنباء اليوم الحادي عشر من فبراير 2018م عن صدور مرسوم رئاسي بذلك ، بعد أقالته في العام 2009 و التي تشير بعض التقارير الأخبارية إلي علاقتها بالصراع بينه و بين مساعد رئيس الجمهورية اَنذاك الدكتور نافع علي نافع أسندت إليه مهمة إدارية الأمن و الذي بدأ منصباً بلا مهام ، بعد أربعة سنوات أخري في نوفمبر 2012 أعتقل (قوش) من قبل جهاز الامن والمخابرات إلي جانب عدد من الضباط بجهاز الوطني والقوات المسلحة السودانية بتهمة التدبير لإنقلاب عسكري ، جاء الإفراج عنه بعد قضاء ثمانية أشهر علي خلفية وساطات من قادة بالحزب الحاكم و الحركة الإسلامية لدي الرئيس عمر البشير ، تجدر الإشارة إلي أنه خلال فترة إعتقاله خضع لعملية جراحية بالقلب بالخرطوم تحت اشراف جهاز الأمن لكن المفارقة جاءت في أنه مر بذات تجربة الحرمان من زيارة الاسرة كغيره من المعتقلين الذين تم أعتقالهم تعسفيا تحت سلطاته ، إبتعد قوش عن المسرح السياسي مكتفيا بمنصب نائب برلماني عن الدائرة "5" مروي بالولاية الشمالية ومتفرغاً لأعماله التجارية بمدينة "جوبا " بدولة جنوب السودان 
.
(2)

شارك قوش غيره من مدراء جهاز الأمن و المخابرات الوطني المتعاقبين قيامه بالممارسة القمعية بما يتعارض ودوره في جمع وتحليل المعلومات وفقاً لتفويضها القانوني ، بالإضافة إلي ذلك يمكن رصد بعض الأحداث التي شهدتها فترة "قوش" الأولي بجهاز الأمن ، 
ففي العام 1994م غادر "قوش" الخرطوم بطائرة خاصة إلي العاصمة الامريكية " واشنطن " ليليتقي بإدارة السي اي أي ، فبالرغم من أن بعض وسائل الاعلام تشير إلي أنه رجلها الأول لكن في تقديري أنه كان ينفذ سياسات الحزب الحاكم في التسويق لدورها في المنطقة علي خلفية علاقتها بالحركات الإسلامية بالشرق الأوسط و أفريقيا ، الأمر الثاني عمل قوش علي تغيير في بينة الجهاز عبر عمليات تجنيد واسعة حوله الي قوة عسكرية موازية لكل من الشرطة و القوات المسلحة، الامر الثالث أطلاقه لتصريحات أطلقت يد جهاز الأمن لإرتكاب سلسلة من الإنتهاكات علي خلفية التصدي للهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة المسلحة المعارضة في 2008 و التي عرفت ب" الذراع الطويل " بغرض السيطرة علي السلطة ، الأمر الرابع بالرغم من إستقبال قوش للمدعي العام للمحكمة الجنائة الدولية لويس مورينو أوكامبو بالخرطوم الإ أنه دفع بتصريح " مهددرا بقطع اوصال كل من يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية " بعد الإعلان عن أمر القبض في مواجهة الرئيس السوداني عمر البشير في 2009 .

(3)

الصراعات بين الإسلاميين السودانيين منذ الإستيلاء علي السلطة في 1989 اشارت جميعها الي عدم علاقتها بمواقف فكرية ، فقد تمحورت حول السلطة كهدف اساسي ، فالتحالفات ظلت تكشف عن نفسها في كل مرحلة ففي العام 1998 الصراع المكتوم بين الدكتور غازي صلاح الدين والدكتور الشفيع أحمد محمد حول رئاسة المجلس الوطني ، في العام 1999 الانقسام الذي جاء علي خلفية الصراع بين الراحل الدكتور الترابي و أصحاب مذكرة العشرة من تلاميذه ـ في 2012 اعتقل صلاح قوش ومجموعة الاسلاميين (الامن والقوات المسلحة ) في الصراع بينه وبين مساعد الرئيس الدكتور نافع علي نافع ، في 2013 أستطاع الفريق طه عثمان الايعاز للرئيس بابعاد قادة الصف الاول من رجال الحزب الحاكم و الحركة الإسلامية من المواقع التنفيذية ، في 2017 إستطاع الفريق محمد عطا مدير جهاز الإمن السابق بإبعاد الفريق طه عثمان ، بالنظر الي مجمل نماذج هذه الصراعات و علاقتها بالسلطة مما يشير الي ان تغير مالاتها مرتبط بالتغير في سيناريوهات وتحالفات السلطة و مسافتها من مكتب رئيس الجمهورية .

(4)

في تقديري أن إعادة قوش المباغته استدعتها الربكة التي شهدتها الدائرة المقربة من الرئيس علي خلفية ما عرف ب قضية الفريق طه ، فبالنظر الي قرار اعادة قوش نجده جاءت بعد وقت قصير من قمة الاتحاد الأفريقي التي حضرها رئيس الجمهورية و بعض الوزراء الي جانب الحضور الثاني للفريق طه عثمان رئيسا لوفد المملكة العربية السعودية رئيسا للشئون الافريقية ، ( الذي لم يصدر الي ما يشير عزله من رتبته العسكرية حتي الان ) الذي ارباك المشهد السياسي بعد مغادرته حاملا معه ملفات للفترة من 2013 الي 2017 ، ففي تقديري ان الدفع بقوش لقطع الطريق علي مناورات الفريق طه بالاستفاد من علاقاته السابقة مع الاستخبارات الغربية.
(5)

أعادة تعيين قوش في تقديري تعود الي خلفية الاحداث التي تصاعدت بعد الاعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية و التي تمثلت في تراجع سعر الجنيه السوداني علي خلفية سيطرة راس مال الحركة الاسلامية علي السوق ، بالاضافة المقاومة المتزايدة لترشيح البشير لانتخابات الرئاسه 2020 م ولاسيما ي من قبل قادة الصف الاول من الحركة الاسلامية والحزب الحاكم ، اهمية قوش تعود الي امرين في تقديري الاول يعود الي معرفته التفصيلية بالحركة الاسلامية و الحزب فقد شغل امين الفئات فيها و هو منصب تنظيمي اتاح له معرفة دقيقية لما ظل يدور داخل الفئات (لا يقل في اهميته عن الامن الشعبي ) الامر الثاني أن الرجل سياسيا مقارنة بسلفه يتعبر افضل علي مستوي ادارة العلاقات الخارجية ولا سيما بعد تجاه كل مصر و إرتيريا. 

(6)

عاد قوش مديرا لجهاز الامن بينما لا يزال الفريق بكري حسن صالح يشغل منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية ، ففي فبراير 2014 نقلت وسائل الاعلام تصريحا للفريق بكري فيه تهديد لقادة الحزب المقالين من مناصبهم بما يشمل قوش وفقا للتصريح " اي واحد فيهم يتحرك ادوه طلقه في راسو " ، فيبدو ان البشير قد عمل علي التناقضات فقد حملت اجهزة الاعلام تسريبا في تقديري يعتبر بالونه اختبار دفع بها الاستاذ علي عثمان الي شق صف الحزب في قضية ترشيح البشير بان غازله بالعودة الي منصبه فخرج الاستاذ علي عثمان يدافع عن عدم ادراج جند ترشيح البشير داخل اجتماع مجلس شوري الحزب ليقوم في مباغته باعادة قوش الذي يشكل العامل المشترك في اكتسابه لاكبر دائرة من الصراعات داخل الحزب الحاكم و الحركة الاسلامية .

(7)

الهدف الرئيسي من إعادة قوش هو حمل الرئيس البشير الي إنتخابات 2020 في ظل تسريبات تشير إلي عدم دعم الإدارة الأمريكية لخطوة الترشح ، بالنسبة للوضع الإقتصادي الذي يسيطر علي سعر الجنية السوداني فيه مضاربات راس مال الحركة الإسلامية فليس أمام قوش ليفعله فالأزمة تعبر عن أنهيار تمام ، لكن قد يكتفي بالمناورة بإستهداف بعض رؤؤس أموال الحركة الإسلامية تحت ذرائع مكافحة الإرهاب لإرضاء الإدارة الأمريكية ، و تبادل المعلومات عن ما يدور في لبيبا لكسب ود المجتمع الدولي و لا سيما فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية ، في تقديري أن قوش سيعود لمغازلة أحزاب المعارضة علي ذات الطريقة التي بدأها قبل أعتقاله في 2012 لكن هذه المره ايضا لن تفلح جهوده في الوصول الي تفاهمات " فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر " فالعامل الإقتصادي تكامل مع السياسي في وضوح لإسقاط النظام من قبل أحزاب المعارضة.