حميدتي في ضواحي الخرطوم!

استلهمت العنوان أعلاه من مسرحية ( المهدي في ضواحي الخرطوم)، رائعة أخي / فضيلي جماع، و فرقٌ شاسع بين المهدي…

 

بقلم: عثمان محمد حسن
 

استلهمت العنوان أعلاه من مسرحية ( المهدي في ضواحي الخرطوم)، رائعة أخي / فضيلي جماع، و فرقٌ شاسع بين المهدي، الذي ( ربض) في ضواحي الخرطوم للانقضاض على المستعمر داخل الخرطوم، و بين حميدتي الذي ( يتربص) الآن بالثوار المحتملين لينقض عليهم داخل الخرطوم حماية لاستعمار البشير ( الاستيطاني) الغاشم الذي احتكر ( الحتات) كلها.. و ترك حميدتي يحتكر الحواكير كلها في دارفور..
هذا، و يأتينا القادمون من أطراف أم درمان هذه الأيام بحكاوٍ عن عربات ثاتشر رباعية الدفع تطوي الرمال طياً و تنشر الرعب و التوجس في مناطق المويلح و ود البشير و أحياء و أسواق أخرى في غرب أم درمان.. و يتحدث القادمون من تلك المناطق عن عمائم ( كدامول) تغطي الرأس و الوجه، إلا من عيون، كعيون إبليس، تتطلع لتلتقط الضحايا.. و يخبرنا القادمون من تلك المناطق عن عنجهية أصحاب العمائم الصحراوية.. وعن لغتهم العربية القريبة إلى لغة ( الرندوق..)
إنهم الجنجويد، و رب الكعبة! و أينما حل الجنجويد حل الخوف في قلوب السكان.. و أينما تحركوا انتشرت الفوضى مع تحركاتهم.. و كل ما تقع عليه أعينهم يكون ملك أيديهم.. و السلاح معبأ دائماً لإرهاب الناس.. و كل من يتواجد في طريق الجنجويد و لا يعجبهم ” مفقودٌ.. مفقودٌ.. مفقوووود!” و يتمدد الفقدان إلى العذارى في ( بكارتهن).. و لا يتوقف الارهاب عند الاغتصاب و القتل بدم بارد فقط.. بل يزحف ليشمل الإبادة جماعية.. فقعقعة السلاح متعة لدى شباب طائش لا مبال بإنسانية الانسان.. و السلاح، في نفس الوقت، سلاح رسمي من الحكومة.. و كمان جاي من الصين، و جاي من روسيا.. تاني في كلام يا ناس؟! و الصين و روسيا صوتان يخرسان أي صوت داخل مجلس الأمن.. و سيظل حق الفيتو جاهزاً لدرء أي خطر على سلاح الجنجويد.. و ما فيش كلام تاني!
إفرح يا البشير و ارقص زي ما عايز! ما في زول بسألك بره السودان.. و نحن ما دايرين زول يسألك بره السودان لأننا نحن واقفين ليك و للجنجويد جوه السودان بالمرصاد!
بدأ بعض سكان المناطق الطرفية تجهيز الطعام لمواجهة يوم ( الكعة)، هكذا قال لي أحدهم، و لا أدري ماهية ( الكعة) و لا شكلها.. و هي ذاتها ما معروفة جاية و الا ما حتجي.. و كان جات، حتجي من ياتو جهة و حتستغرق كم من الزمن! لكن محدثي يصر على أن ” مداراة المؤمن على نفسه حسنة!” و يطالبني بأن أحذو حذوه..
و حدثني من أثق في كلامه عن أن أحد رعاة الابل كان يقود جملين بين المطار الجديد و كبري جبل الأولياء، فأوقفته جماعة من الجنجويد .. و أخذوا الجملين و تركوه يبحث عن عقله في مطار دولة المشروع الحضاري..! ( الله يخُّمها و يخمهم معاها!) و لا يترك ليهم جنباً يرقدوا عليه!
الجنجويد منبوذون شعبياً.. و النظام يحبهم و يخافهم في نفس الوقت.. إنهم العدو الذي ما من صداقته بُدٌّ .. و قد طردهم أحمد هارون، والي كردفان حين بدأوا يمارسون ( الغلط) كالعادة في ضواحي الأبيض.. و اشتكى منهم أهل دارفور، دون وجيع.. و اشتكاهم أهل سنار للرئاسة في الخرطوم.. فلا صليح لهم بين الشعب
وعن الحساسية بين الجيش القومي و الجنجويد حدِّث دون حرج..! و يقال أن ثمة مواجهات حدثت بينهما في النيل الأزرق.. و هي التي أدت إلى محاولة ( توطينهم)، و لو مؤقتاً في، أطراف أم درمان .. و في رواية أخرى، يقال أن الدافع لنقلهم إلى غرب أم درمان هو حماية النظام حيث يُقال أن أعداداً كبيرة من الأسلحة النوعية قد تم تسريبها إلى الخرطوم من ليبيا، ما يشكل خطراً على النظام و الأمن العام.. فكان لزاماً على البشير إحضار الجنجويد لردع المهاجمين المحتملين.. أو كما يعتقد
هذا، و يشعر حميدتي بأن قواته أهم من القوات المسلحة السودانية.. و أنه أقوى رجل في السودان..!
و عقب إقالته من منصب مستشار الأمن بولاية جنوب دارفور صرح في تحدٍّ صريح:-“أنا إنسان حرّ، عندي أهلي، و عندي جيشي و عندي إمكانياتي، و الوالي ما بقدر يشيل صلاحياتي دي أبداً!”.. و لحميدتي نصيب كبير من مركب العظمة حيث يفاخر أن بإمكانه تقديم مائة ألف مقاتل( متى) طلب النظام ذلك! و لثقته في قدراته قال في عام 2014، أن الجنجويد أصبحت تملك زمام الأمور في البلد، وبإمكانها فك أسر الصادق أو إبقاؤه رهن الاعتقال!
ذكر حميدتي في فلم وثائقي أعدته نعمة الباقر، الصحفية البريطانية ذات الأصل السوداني في عام 2008، أن عمر البشير طلب منه مساعدة النظام في حربه ضد ( المتمردين).. و أنه قد تلقى مالاً من البشير و تلقى وعداً بالصرف على الجنجويد بسخاء.. لكن البشير، كعادة متنفذي المؤتمر الوطني، نكص بوعده، ما دعا حميدتي إلى تهديد البشير بتحمل نتائج عدم الاستجابة لمطالب الجنجويد.. و يبدو أن البشير استجاب صاغراً لتلك المطالب..
و يتمتّع الجنجويد، حالياً، بامتيازات تفوق الامتيازات التي تتمتع بها القوات المسلحة السودانية.. فالعتاد العسكري للجنجويد أشد بأساً من العتاد العسكري للقوات المسلحة.. مرتبات الجنجويد تفوق مرتبات نظرائهم في نفس الرتب بالقوت المسلحة. و عند وفاة الفرد من الجنجويد تتسلم أسرته 200 مليون من الجنيهات على الفور.. و تلحق بها امتيازات أخرى غير معلنة!
حدثني قريب لأحد موتاهم أن قريبه مات يافعاً متأثراً بجراح أصابته في إحدى المعارك مع ( المتمردين).. و أن الحكومة دفعت مبلغ 200 مليون جنيهاً مع اكراميات أخرى.. فلا عقيدة عسكرية للجنجويد سوى القتال لأجل الحصول على المال و الاستحواذ على الأراضي..
آلاف الأفدنة تم تسجيلها لمنفعتهم في غرب أم درمان.. و على حساب الدولة.. و قبل عامين حدثني أحد المهندسين العاملين في مجل حفر الآبار أنه حفر آبار ارتوازية لري أراضٍ مخصصة للجنجويد.. و تم تحرير شيك له بمبلغ 5 مليون جنيه مقابل ذلك.. و ظل المهندس وقتها يطارد وزارة المالية للحصول على ماله.. و لا أدري إلى أين انتهت به المطاردة..
ودائماً ما يتنصل حميدتي من انتماء جماعته للجنجويد.. و فعل ذلك خلال حديثه مع الصحفية نعمة الباقر، مع اعترافه بأن الجنجويد قتلة و منتهكين لحقوق الانسان.. وينفي كل الموبقات عن جماعته و يبدي استغربه من نفور الناس من جماعته في كل مكان يمرّون به، فالمحال التجارية تغلق و الذعر ينتشر وسط الناس في الفرقان. و يؤكد أن قّواته قوات منضبطة سلوكيا..ً
هل نصدق فزع الأهالي بسبب السمعة السيئة المرافقة لقوات حميدتي أم نصدق كلام حميدتي عن قواته الفاضلة حسب ما ذكر للصحفية السودانية البريطانية/ نعمة الباقر ؟!
و سيظل السؤال الأهم هنا قائماً و هو: ماذا يفعل حميدتي في ضواحي الخرطوم؟