تحتفلون!! بماذا؟

في الوقت الذي يعز فيه الطعام على أسر سودانية كثيرة.. فتقضي يومها طاوية البطن.. وفي الوقت الذي لا تقدر فيه أسر كثيرة على …

بقلم: عثمان ميرغني

 

في الوقت الذي يعز فيه الطعام على أسر سودانية كثيرة.. فتقضي يومها طاوية البطن.. وفي الوقت الذي لا تقدر فيه أسر كثيرة على تكلفة تعليم أطفالها فتدفع بهم إلى الشارع العريض.. وفي الوقت الذي يضرب فيه الأطباء لكدر الحال الصحي وشُح الإمكانيات.. لا تجد الحكومة حرجاً أن تقيم مظاهرات الفرح الجماهيري المُصطنعة.. في الساحة الخضراء.. احتفالاً بـ (لا) مُناسبة!

بكل أسف.. يبدو أن التغيير لا يزال بعيد المنال.. أمس انتهت حلقات مسلسل (الحوار الوطني).. جلسة ختامية شرّفها أربعة رؤساء أفارقة.. (مصر، يوغندا، تشاد وموريتانيا).. وكنا نظن أنّ عهداً جديداً (يفترض) أن يشرق.. فإذا بنا في ذات المكان والزمان..

صدمت للغاية وأنا أقرأ عن تظاهرة جماهيرية دعت لها الحكومة.. لتكمل بها مراسم احتفالية على النسق التقليدي القديم.. وبدون إعلان عطلة ستتعطّل دواوين الحكومة اليوم فيخرج العاملون لممارسة طقوس شبع منها الشعب السوداني منذ عهد نظام مايو.. يغلقون الطرق ويُعطِّلون الإنتاج – إن وجد – وربما يُعطِّلون التلاميذ والتلميذات الصغار في بعض المدارس ليملأوا بهم (كادر) الشاشة..

حتى ولو تجاوزنا السؤال عن حجم الأموال التي ستضيع هباءً منثوراً في هتافات هوائية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تضمد من جراح المواطن المكلوم.. فيبقى السُّؤال بِمَ تحتفل الحكومة؟؟ هذه مُجرّد وثيقة لا قيمة لها دستورياً ولا قانوناً إلا بعد أن تتحوّل إلى قرارات وتشريعات.. وقبل وبعد هذا أن تصبح أمراً واقعاً نافذاً لا لجج فيه.. فعلام تحتفل الحكومة من حُر مال فقرنا المدقع.. ما هو الجديد الذي تحتفل به الحكومة؟؟ بالله اقرأوا الوثيقة سطراً سطراً.. ما الجديد؟ الذي يستحق تكلفة هذه الاحتفالات التي بدأت بما أطلق عليها مسيرات تسليم توصيات (الحوار المجتمعي).. وبلادنا تكابد أزمة اقتصادية جسيمة… والمواطن يتلظى في جحيم أسعار باتت مثل مؤشرات البورصة تتقافز على رأس الساعة.. لماذا تصر الحكومة أن تطرب على نواح الوطن والمواطن..

لا أجد تفسيراً سوى أن (سماسرة) المسيرات الجماهيرية.. المقاولون الذين يقتاتون من مثل هذه المناسبات المنتفخة الأوداج بمصروفات لا رقيب عليها.. لا يكادون يضيعون فرصة دون أن يستثمروا فيها بأفجع ما تيسر..

كنا نظن أن إرهاصات الصفحة الجديدة تبدأ بمُمارسة سياسيّة جديدة.. لكن أول القصيدة عُسر.. نفس النهج الذي كان يتبعه الاتحاد الاشتراكي في عهد نظام مايو في الماضي.. الإمعان في محاولة رسم صورة جماهيرية مُصطنعة لا تُفيد إلا مُتعهِّدي مثل هذه الحشود..

لماذا لا تنتظر الحكومة أن تتحوّل هذه الوثيقة إلى فعل تشريعي.. أو تنفيذي؟ هل تخشى أن لا تأتي مثل هذه اللحظة؟ لماذا تصر الحكومة على إجبار الشعب على الإقرار بأنّه سعيدٌ قبل أن يقبض في يده ما يُؤكِّد ذلك؟..

بصراحة.. كل يوم يثبت حزب المؤتمر الوطني أن (التغيير) حُلمٌ مُستحيلٌ..!!

طبعاً حُلمٌ مُستحيلٌ في نظره هو.. لكن التغيير آت آت..