السودان ولجنة أمبيكي : الوصول إلى نهاية الطريق

على مدى أعوام ظل رئيس حكومة جنوب إفريقيا السابق تابو أمبيكي وأعضاء لجنته الإفريقية رفيعة المستوى المكلفة من الاتحاد الإفريقي بمعالجة ملف السودان وفريق العمل المساند للجنة ينتقل بين العواصم الإفريقية والأوروبية والأميركية ويتحرك بين جنوب إفريقيا والخرطوم وهو يحمل هذا الملف ويبذل كل جهده لإحداث اختراق يفتح الطريق لمعالجة أزمة السودان السياسية بما يحقق الأمن والسلام فيه ويفتح الطريق لتحول ديمقراطي سلمي وعلاقة متوازنة مع دولة جنوب السودان الوليدة.

 

 

بقلم : محجوب محمد صالح

 

على مدى أعوام ظل رئيس حكومة جنوب إفريقيا السابق تابو أمبيكي وأعضاء لجنته الإفريقية رفيعة المستوى المكلفة من الاتحاد الإفريقي بمعالجة ملف السودان وفريق العمل المساند للجنة ينتقل بين العواصم الإفريقية والأوروبية والأميركية ويتحرك بين جنوب إفريقيا والخرطوم وهو يحمل هذا الملف ويبذل كل جهده لإحداث اختراق يفتح الطريق لمعالجة أزمة السودان السياسية بما يحقق الأمن والسلام فيه ويفتح الطريق لتحول ديمقراطي سلمي وعلاقة متوازنة مع دولة جنوب السودان الوليدة.

لقد بذلت اللجنة جهدا كبيرا وصرف الاتحاد الإفريقي أموالا طائلة على هذه اللجنة وتابع نشاطها مجلس الأمن الدولي إضافة لمجلس السلم والأمن الإفريقي وبحث أمرها في اجتماعات القمم الإفريقية وصدرت قرارات عديدة وتم التوقيع على اتفاقات هنا وهناك دون أن ينعكس ذلك إيجابا على الواقع السوداني سواء بالنسبة للأزمة السودانية الداخلية أو العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان التي حظيت بتسع اتفاقيات شملت كل القضايا الخلافية العالقة بين البلدين دون أن يحدث أي تغيير يذكر على أرض الواقع أو تنفيذ للاتفاقات الموقعة.

اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى ظلت تستعصم طوال سنوات عملها بالتفاؤل غير المبرر وتخرج من جولة تفاوض لتدخل في جولة أخرى دون أن يتم اتفاق أو تنفيذ حتى للمسائل الإجرائية التي يتم الاتفاق عليها، ولكن اللجنة ظلت في كل مرة تنتكس مجهوداتها تدخل في مرحلة بيات شتوي لعدة شهور ثم تستأنف نشاطها مستظلة بتفاؤلها الدائم لتعاود العمل من جديد دون تقدم يذكر وربما كان السبب في ذلك عدم رغبة أعضائها وكلهم رؤساء دول سابقون الاعتراف بفشل المهمة وانسداد الأفق.

آخر محاولة بالنسبة للأزمة السودانية الداخلية كانت هي فشل جولة المفاوضات التي ظلت ترتب لها شهورا لكي تنطلق في شهر أبريل الماضي وحصلت على موافقة الحزب الحاكم وعلى موافقة قوى المعارضة السياسية المدنية وقوى المعارضة المسلحة بل وبعض منظمات المجتمع المدني الذين دعتهم كمراقبين غير مشاركين في الحوار وتحدد موعد الاجتماع ومكانه بمقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا وقد وصلت وفود المعارضة لكي تناقش القضايا الإجرائية المطلوبة لانطلاق الحوار الشامل ولكن الحكومة وحزبها الحاكم غابا عن الاجتماع بحجة الانشغال في الترتيبات للانتخابات العامة التي أعلنت المعارضة مقاطعتها لها وقالت الحكومة إنها مشغولة بالانتخابات ولن تشارك في ذلك الاجتماع لأن مشاركتها يمكن أن ترسل إشارة سالبة للناخبين الذين قد يتقاعسون عن المشاركة في العملية الانتخابية ما دامت هناك مفاوضات سياسية بين المعارضة والحكومة.

وفشلت الجولة التي كان أمبيكي ولجنته يأملون أن يتوصلوا فيها إلى تفاهمات حول القضايا الإجرائية المتعلقة بمشروع الحوار الوطني الشامل الذي صدرت المبادرة له من الحكومة ذاتها. ورغم غياب الحكومة عن الاجتماع بسبب الانتخابات إلا أن ذلك الغياب لم يحل دون تقاعس الناخبين!!

كان واضحا أن اللجنة أصيبت بقدر كبير من الإحباط وعبرت عن ذلك الإحباط في بيان اتسم بالدبلوماسية ودخلت اللجنة في بياتها الشتوي المعهود بعد كل حالة فشل لمجهوداتها منذ أبريل الماضي وعلى مدى الشهور الأربعة اللاحقة وإن كانت قد استمعت خلال هذه الفترة لرؤية المعارضة بل وتسلمت تلك الرؤية مكتوبة من حزب الأمة وجاءت اللجنة للخرطوم هذا الأسبوع لتستمع لرأي الحكومة لكن ما سمعته من الحكومة أعاد اللجنة إلى المربع الأول.

كان واضحا أن لطرفي الصراع في السودان -الحكومة والمعارضة- رؤيتين متعارضتين ومتناقضتين فالحكومة التي تطرح الحوار الشامل باتت الآن على قناعة بأن تطلق الحوار بمن حضر (ومن حضر هم في صورة أو أخرى حلفاؤها)، والمعارضة تريد مقاربة جديدة للأزمة السودانية وتفويضا جديدا أوسع مدى للجنة الوساطة الإفريقية مع توسيع عضويتها لتضم أطرافا دولية وإقليمية أخرى بينما تتمسك الحكومة بأن الحوار شأن سوداني بحت وينبغي أن يديره السودانيون وحدهم دون تدخل خارجي إلا في أضيق حدود التسهيل، وأن ينعقد فورا وفي داخل السودان، ولا تقبل أي حوار خارجي حتى لو كان حول القضايا الإجرائية.

رؤية الحكومة تعني عمليا انتهاء دور لجنة الوساطة الإفريقية بالمعنى الذي تفهمه اللجنة ذاتها كمسهل لعملية يمتلكها السودانيون والواضح أن اللجنة وصلت إلى مفترق طرق بعد اجتماعها مع رئيس الجمهورية بالأمس والذي أبلغهم خلاله أن القضية سودانية بحتة وأنه سيتولاها بنفسه وأنه سيجتمع مع لجنة (السبعة زائد سبعة) وبعدها سيحددون موعد الحوار ومقره وترتيباته وسيبدأ الحوار بمن يلبون النداء، وأن الباب سيظل مفتوحا للرافضين إذا أرادوا أن ينضموا للحوار لاحقا.

أمام هذا الموقف الواضح فإن لجنة أمبيكي قد وصلت نهاية طريقها وهي مطالبة بأن تتعامل مع هذا الواقع الجديد ولا مفر من إعلان فشل مساعيها، ولا نرى أي فائدة محتملة من اجتماعها المزمع بالمعارضة في الخارج في الأيام القادمة

Welcome

Install
×