ذوو الإعاقة في السودان -من صفحة لقمان احمد مؤسس ومدير منظمة الملم دارفور

ذوو الإعاقة في السودان -من صفحة لقمان احمد مؤسس ومدير منظمة الملم دارفور على فيسبوك

كمبالا: 29 ديسمبر 2025: راديو دبنقا

تقرير: عبد المنعم مادبو

لم تقتصر آثار وخسائر حرب السودان على القتل والدمار المادي، بل امتدت لتطال الفئات الأكثر هشاشة، في مقدمتها الأشخاص ذوو الإعاقة. ففي بلد يعاني أصلاً من ضعف الخدمات والرعاية الاجتماعية، وجدت هذه الفئة نفسها في مواجهة حرب مزدوجة؛ عنف السلاح من جهة، وغياب الحماية والرعاية من جهة أخرى. وما بين القتل بنيران الاطراف المتصارعة، والعجز عن الهروب أثناء الاشتباكات، والنزوح القسري بلا وسائل مساعدة، وصولًا إلى اللجوء في بيئات غير مهيأة لاحتياجاتهم، يدفع الأشخاص ذوو الإعاقة ثمناً مضاعفاً لصراع لا يملكون حياله أي خيار.


يقول نبيل شمس الدين ابو القاسم، الامين المالي للاتحاد السوداني للأشخاص ذوي الإعاقة حركيا، إن اندلاع الحرب في السودان وضع آلاف الأشخاص ذوي الإعاقة في مواجهة مباشرة مع خطر الموت، خاصة في ولايات الخرطوم، والجزيرة، وسنار، ودارفور. ويشير لراديو دبنقا الى أن كثيرين منهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن مغادرة مناطق الاشتباكات بسبب إعاقاتهم، في ظل انعدام وسائل الإجلاء وغياب أي تدخل رسمي منظم.

ممرات آمنة


في ظل الوضع الذي أسفر عنه اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، يقول نبيل إن عملية خروج الاشخاص ذوي الاعاقة من مناطق الخطر كانت شديدة الصعوبة، إذ لم يتمكن عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة من إجلاء أنفسهم، ما دفع ناشطين وتنظيمات من ذوي الإعاقة إلى إطلاق مبادرة ممرات آمنة، بهدف نقلهم من الخرطوم إلى ولايات أكثر أماناً، مثل نهر النيل، والولاية الشمالية، ومدني، والقضارف، وكسلا، كما شملت عمليات الإجلاء ولايتي الجزيرة وسنار، إلى جانب عدد من مناطق دارفور.

واعتمدت المبادرة على استئجار حافلات صغيرة لإجلاء مجموعات من الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى إرسال مساعدات نقدية للأفراد العالقين في مناطق يصعب وصول المركبات إليها. ويشير نبيل إلى أن مبادرة نحن قادرون نجحت في إجلاء 1345 من الاشخاص ذوي الاعاقة وأسرهم من الخرطوم، مؤكداً أن المبادرة لا تزال تواصل عملها حتى الآن، وأشار الى ان هناك عمليات اجلاء تمت اشخاص ذوي اعاقة من الفاشر ومناطق مختلفة في دارفور الا أن التقارير الخاصة بهذه الجهود لم تصل الى رئاسة الاتحاد.

احصائيات



فيما يتعلق بالخسائر البشرية وسط الاشخاص ذوي الاعاقة، أفاد نبيل بأن ما لا يقل عن 17 شخصاً من ذوي الإعاقة لقوا حتفهم جراء الحرب، بينما يُتوقع ظهور ما لا يقل عن 40 ألف حالة إعاقة جديدة نتيجة القتال، سواء بسبب الإصابات المباشرة أو غياب الرعاية الصحية. وأوضح أن السودان يفتقر حالياً إلى إحصاءات دقيقة حول أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيراً إلى أن آخر تعداد رسمي قدّر نسبتهم بنحو 4.8% من السكان، وهي نسبة يُرجّح أنها تضاعفت بشكل كبير بفعل الحرب، وتفاقم الفقر، وانتشار الأمراض ـ على حد قوله.


بينما قالت أبو القاسم منى أبو القاسم، مديرة منظمة أيادي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إن الأشخاص ذوي الإعاقة يُعدّون الفئة الأكثر تضرراً وتأثراً بالنزاع المسلح في السودان، في ظل الغياب شبه الكامل للحماية والإجلاء والخدمات الأساسية. وذكرت انه عندما اندلعت الحرب لم يكن هناك أي انتباه لهذه الفئة واحتياجاتها، واضافت “ما كان في أي انتباه للأشخاص ذوي الاعاقة، لم يكن هناك اجلاء لها ولا ممرات آمنة، هذا الأمر أدى إلى سقوط وفيات كثيرة وسط ذوي الاعاقة”.

وذكرت أبوالقاسم ــ التي تمكنت من اللجوء الى اوغندا ــ أنه إضافة الى غياب خطط الإجلاء الآمن، وانعدام الممرات الإنسانية، وهناك عدم توفير للمعلومات خاصة للفئات التي لا تستطيع الوصول إليها، مثل ذوي الإعاقة السمعية والبصرية. وأوضحت أن هذا الإهمال أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من بين الاشخاص ذوي الاعاقة بمختلف فئاتهم. مؤكدة أن عددًا كبيرا من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية لقوا حتفهم جراء القصف، بسبب عدم تنبيههم بوجود اشتباكات أو أخطار وشيكة. وأضافت أن جميع فئات ذوي الإعاقة تعرضت للموت والإصابات، إلا أن التأثير كان أشد على ذوي الإعاقة السمعية، إضافة إلى النساء ذوات الإعاقة، اللاتي واجهن مخاطر مضاعفة أثناء النزوح والنزاعات.

15 في المائة من ذوي الإعاقة


وأشارت أبو القاسم خلال ورقة قدمتها بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ــ بمركز سلاميديا في العاصمة الأوغندية كمبالا ــ إلى أن الاشخاص ذوي الاعاقة يمثلون 15% من جملة السودانيين الذين يحتاجون الى مساعدات انسانية نتيجة الحرب، أي ما يعادل 4.6 مليون شخص، بينهم 3.1 مليون يحتاجون إلى تدخلات إنسانية عاجلة. وأبانت أن الحرب الجارية أدت إلى زيادة الإصابات المسببة لإعاقات دائمة بنسبة 300%، من بينها نحو 15 ألف حالة بتر، و40 ألف إصابة في العمود الفقري، و8 آلاف حالة فقدان بصر، و12 ألف حالة فقدان سمع كامل.


وأوضحت الورقة أن 65% من الإصابات ناتجة عن استخدام الأسلحة المتفجرة، و25% بسبب الرصاص والشظايا، و10% مرتبطة بظروف النزوح. وتركزت الإصابات جغرافياً بنسبة 45% في الخرطوم، و30% في دارفور، و15% في كردفان، و10% في مناطق أخرى.

4 ملايين حالة اضطراب نفسي


وفيما يتعلق بالإعاقات النفسية، قالت أبو القاسم إن نحو 4 ملايين شخص يعانون من اضطرابات نفسية حادة، بينهم 600 ألف طفل تظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مع زيادة بنسبة 400% في حالات الاكتئاب الحاد. وأكدت أن غياب خدمات الصحة النفسية، خصوصًا في المعسكرات ودور الإيواء، أدى إلى تحول كثير من هذه الاضطرابات إلى إعاقات نفسية طويلة الأمد.


كما كشفت عن انهيار 85% من مراكز التأهيل الحكومية في السودان، وتوقف برامج التأهيل بشكل كامل، إلى جانب هجرة نحو 70% من الاختصاصيين، ونفاد 90% من الأطراف الصناعية والمستلزمات التعويضية، ما فاقم الأزمة في الولايات التي استقبلت النازحين.


وتطرقت الورقة إلى أوضاع منظمات المجتمع المدني، موضحة أن أكثر من 40 جمعية متخصصة في قضايا الإعاقة توقفت عن العمل، وأن 25% فقط من الجمعيات المتبقية تعمل بأقل من 30% من طاقتها، فيما لم تواصل العمل بكامل طاقتها سوى خمس جمعيات فقط. وأضافت أن نحو 60% من المنظمات الدولية المتخصصة انسحبت من العمل، إلى جانب إيقاف أو تعقيد تسجيل منظمات الإعاقة داخل السودان بقرارات وصفتها بالجائرة.

ذوو الاعاقة في كرياندونغو


من بين الاشخاص ذوي الاعاقة هناك من تمكن من اللجوء الى دول الجوار في ليبيا وتشاد ومصر وجنوب السودان واوغندا، لكن لا توجد احصائيات دقيقة لاعدادهم، الا ان الذين لجأوا الى اوغندا فقد بلغ عددهم نحو 400 شخص، تقول منى أبو القاسم، مديرة منظمة أيادي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إنهم يعيشون الأوضاعاً إنسانية قاسية. وأشارت الى ان 50% من الحالات من ذوي الإعاقات الحركية. وأوضحت أن جزء من هذه الإعاقات ناتج عن إصابات خلال هذه الحرب، إضافة إلى تدهور الرعاية الصحية أثناء النزوح، وعدم علاج الأمراض المزمنة في الوقت المناسب، ما أدى لتحولها إلى إعاقات دائمة. وبحسب أحدث الإحصائيات حتى مايو 2025، تفيد بأن 60% من المجمعات السكنية داخل معسكر كرياندونغو تضم أشخاصاً من ذوي الإعاقة، وتوقعت زيادة الاعداد مع وصول موجات لجوء جديدة، خاصة بعد تصاعد العنف في دارفور وكردفان.


وتشير زينب صالح آدم شين ــ وهي الاشخاص ذوي الاعاقة الحركية ــ الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السودانيون من الأشخاص ذوي الاعاقة في دولة اوغندا بسبب عدة عوامل ابرزها البيئة وحواجز اللغة. وقالت زينب لراديو دبنقا إن أوضاعهم في معسكر كرياندونغو أكثر قسوة، خاصة اصحاب الاعاقة الحركية إذ يتحول المعسكر، مع هطول الأمطار، إلى بيئة شبه مستحيلة للحركة، في ظل غياب التهيئة الأساسية.


وتضيف زينب ــ التي لجأت الى أوغندا ــ أن حواجز اللغة تمثل تحدياً إضافياً، خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، في ظل اختلاف لغة الإشارة المستخدمة، ليس فقط بين المجتمع الأوغندي والسوداني، بل حتى داخل المجتمعات السودانية نفسها. كما تواجه المجتمعات صعوبات في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والذهنية، والتوحد، نتيجة ضعف الوعي وغياب التدريب.


وتؤكد زينب أن معسكرات اللجوء والنزوح تمثل واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تتداخل مشكلات السكن مع صعوبات الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، إلى جانب محدودية فرص الاندماج المجتمعي، بسبب بيئة غير مهيأة ولا تراعي احتياجاتهم الأساسية.

غياب الدعم المؤسسي


وتشير إلى غياب الدعم المؤسسي، موضحة أنه لا توجد حاليًا منظمات فاعلة تقدم مساعدات كافية للأشخاص ذوي الإعاقة، خصوصاً النساء، وهو ما يضاعف من حجم المعاناة. وتضيف أن هناك محاولات لتأسيس أطر تنظيمية جديدة تقودها نساء من ذوات الإعاقة، بهدف رصد التحديات بشكل منهجي، والعمل على إيصال قضاياهم للمنظمات والجهات الفاعلة، والدفع نحو إدماج سياسات تراعي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة داخل البرامج الإنسانية.


ونبهت إلى أن وجود الأشخاص ذوي الإعاقة في مدينة كمبالا يواجه تحديات كبيرة، أبرزها أن المدينة غير مهيأة لاحتياجاتهم، سواء من حيث البنية التحتية أو طبيعة التضاريس، ما يصعّب حركة الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، خصوصاً مستخدمي الكراسي المتحركة.

Welcome

Install
×