كنداكات وميارم : العنف الرقمي في تصاعد مع الحرب ولا توجد حماية للنساء في السودان
العنف الرقمي على النساء في نصاعد مع الحرب
امستردام: 17/ ديسمبر/2025م: راديو دبنقا
تواجه المرأة أشكال متعددة من العنف لكن برز العنف الرقمي كواحد من أخطرها وأكثرها شيوعاً، لايهدد النساء وحدهن فحسب بل يمتد للأسر والمجتمعات مع تنامي خطاب الكراهية الذي يهدف لإسكات صوتهن وإقصائهن من المشهد، خصوصاً في ظل ما نشهده من حرب مدمرة، مع غياب دولة القانون وانعدام آليات الحماية، تواجه النساء السودانيات مصير صعب ومستقبل مجهول.
مع انقضاء حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات والتي تمثل فرصة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات الخطيرة، تصبح هذه الحملة انطلاقة مستمرة لاتنحصر بعدة الأيام بل بالأفعال في الاستمرار لمناهضة هذا العنف، وتعزيز آليات المناصرة والدعم للمرأة السودانية، المتضرر الأول من الحرب، وماتعرضت له من عنف، اغتصاب، قتل، تشريد وتجويع وكلها انتهاكات ممنهجة تحملت المرأة السودانية العبء، الثقل، الأكبر وتكبدت خسائر فادحة، فالنساء هن المدافعات في خطوط المواجهة.
ومع ذلك تتمسك المدافعات عن حقوق المرأة اللائي استطلعتهن “راديو دبنقا” عبر برنامج “كنداكات وميارم”، بضرورة وقف الحرب وبناء مؤسسات عدلية وتشريع قوانين تجرم العنف بكل أشكاله، بجانب تعزيز الوعي وسط المجتمعات بخطورة التعايش مع العنف عامة والعنف عبر الانترنت.
سلوك عدواني:
وتقول الناشطة النسوية والباحثة في قضايا “الجندر” وحقوق المرأة والسلام ومؤسسة للمنظمة السودانية للبحث والتنمية (سورد) د.عائشة الكارب، أن العنف الرقمي لا يختلف عن العنف بشكل عام، وأن أي سلوك عدواني يسبب أذى ويمارس ضد شخص معين عبر الوسائط الإلكترونية. يعني يمارس ضد النساء والرجال.
وتضيف في حديثها لـ”راديو دبنقا” : لكن هنا نتحدث بالتحديد عن العنف الرقمي تجاه النساء.وهو يشمل مجموعة كبيرة أو واسعة من الممارسات مثل التهديد والتخويف الإلكتروني. مثل المضايقات والتنمر ونشر الشائعات والتشهير. مثل مشاركة الصور أو المعلومات دون إذن.
وترى أن العنف الرقمي أحياناً يصل للابتزاز الإلكتروني وللتتبع والمراقبة رقميا ويستهدف الشخص ويضعفه ويعمل على إذلاله. وعزله اجتماعياً، كل هذا عبر منصات الإنترنت، وتؤكد بقولها: ” أنا أرى الشكل المنظم للعنف الرقمي أن الهدف منه إسكات النساء، والانتقاص من كرامتهن وبالتالي يتحول لأداة تعيد انتاج نفس أنظمة القمع والعنف الموجودة خارج الفضاء الرقمي”.
وتشير إلى أنه من المعروف لديهن أن هنالك أنظمة قمع كثيرة انتجت ويعاد انتاجها في الفضاء العام أي من رقمي أصبح الآن الفضاء الرقمي بمعنى أنه أضيف للدائرة. وتضيف “أصلاً هي دائرة شريرة”.

اسكات أصوات النساء:
وتطرح المدافعة الحقوقية والباحثة في قضايا النوع وحقوق المرأة د.عائشة الكارب السؤال حول: هل العنف الرقمي يساهم في إسكات أصواتنا نحن كنساء؟ وتقول في هذا الصدد: طبعاً هذا السؤال يمكن أن يكون لديه وجهان لأنه من ناحية هو فعلاً يعتبر واحد من أخطر أدوات إسكات النساء، لأسباب كثيرة منها أنه يتم تهديد النساء بالعنف الجنسي والعنف المادي.
وتؤكد بأن هنالك نساء كثر تلقين تهديدات مباشرة، بالفعل، عبر الإنترنت بالاغتصاب أو بالقتل أو بالاعتداء، وبالتالي يكنْ مضطرات للانسحاب من المشاركة في النقاشات العامة أو في العمل العام والسياسي.
وتعتقد “الكارب” بأنه يستعمل للتشهير بنشر الشائعات والهجمات المنظمة ضد النساء، وتقول: نحن نرى أمام أعيننا هجمات منظمة ضد كثير من النساء الناشطات والسياسيات والصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان لكي يتم تشويه صورتهن”، وتعتقد بأن هذا النوع من العنف يخلق بيئة طاردة للنساء وغير جاذبة في الفضاء العام.
وتقول أن العنف الرقمي يستعمل لاستخدام الخصوصية كسلاح لإذلال النساء أو إجبارهن على الصمت أو الانسحاب، وتشير إلى أن هنالك مجموعات منظمة تستهدف النساء بأعداد ضخمة من الرسائل المسيئة “لكي يُغرقوا” حساباتهن ويجبروهن على التراجع.
وتضيف: “بالتالي حينما شعر النساء بأن مشاركتهن في نقاش عام ستجلب لهن موجة من الإساءة الرقمية لجأن للرقابة الذاتية وهذا يؤدي إلى إنهن ينسحبن من العمل العام، حيث تقل مشاركتهن السياسية، ويتراجع وجودهن في المجال الإعلامي والرقمي”.
“تعرضنا لعنف رقمي”:
وتذكر د.عائشة أنها وأخريات تعرضن بشكل مباشر خلال فعالية نظمنها في الإسبوع الأول من حملة الـ “16 يوم” وتقول: كان هنالك يوم وتعرضنا فيه للعنف الرقمي وكثير من النساء اللائي كنا موجودات هن النساء الناشطات وأبدين حذرهن الشديد أو خوفهن أحياناً من العنف الذي تعرضن له. والعنف الرقمي الذي يمكن أن يتعرضن له.
و ترى أن العنف الرقمي لايستهدف الشخص ننفسه فقط بل يمس ما حولها يمكن تمس المجموعة التي تنمتي إليها أوتمس أسرتها. وتابعت قائلة: ” وبالذات نحن نعلم أثر الأسرة بالنسبة للنساء”.
وتخلص المدافعة الحقوقية في هذا الصدد إلى أن العنف الرقمي يعزز إحساسهن بإن الفضاء الرقمي “فضاء غير آمن” للنساء وينضم لكل الفضاءات غير الآمنة ويقلل من مشاركتهن وتقول: بالتالي يجعل علاقات القوة بيننا وبين الرجال ضعيفة وأقل، رغم أن الرجال يتعرضون هم أيضاً لعنف رقمي، لكن أثرالعنف الرقمي على الرجال على المستوى الشخصي والأسري قلَّ كثير من أثره على النساء”.
وترى أن العنف الرقمي هو في حد ذاته ليس مجرد مشكلة تقنية، لكنه امتداد للعنف الذكوري الذي يعاقب النساء حين ترتفع أصواتهن ويستخدم الفضاء الإلكتروني لكي يعيد انتاج السيطرة الدكورية على النساء، وتقول: بالتالي تبقى مقاومة العنف الرقمي هي حاجة أساسية من نضالنا نحن لكي يكون لدينا فضاء عام آمن وتكون لدينا حرية ومشاركة متكافئة.
ماهو المطلوب:
وحول ماهو المطلوب لانجاح حملات مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، ترى الخبيرة في قضايا النوع والسلام د.عائشة الكارب أن الأمر يتطلب تعريف واضح للعنف الرقمي.. وتقول أنه لازال هنالك كثير من الناس غير قادرين على معرفة ماهو العنف الرقمي ويتكلمون عن أشكاله وأنواعه وتمظهراته.
وتؤكد بأن هنالك أهمية حول تحديد الفئات الأكثر عرضة لهذا النوع من العنف مثل الصحفيات، السياسيات، الناشطات، النساء القياديات، وتابعت قائلة: “كل الفئات التي نعتقد بأنها هي أكثر عرضة لهذا النوع من العنف الرقمي ويكون لدينا اتصال مباشر بربط كل المجموعات مع بعضها البعض”.
وتشير “الكارب” إلى أهمية جمع البيانات والمعلومات حول هذه الانتهاكات والتوثيق لشهادات واقعية تبرر أو توضح حجم المشكلة نفسها. وتقول: “بعد ذلك نصمم حملات للمناصرة قوية يكون لدينا هدف محدد مثلا نضغط لكي يكون هنالك تشريع وطني لحماية النساء رغم إن هذا المطلب في الظروف الحالية غير ممكن. لكن لابد أن نستمر في رفع الوعي وتعزيز آليات التبليغ والحماية علي قلتها”.
وتعتقد بضرورة أو أمكانية التأثير على سياسات بعض المنصات بتطوير خطاب نسوي واضح يربط قضية العنف الرقمي ببنية العنف والواقع على النساء هو في حقيقته عنف بنيوي وموجود سواء كان على مستوى البنية الاجتماعية أو التقافية أو كان “للأسف الشديد” على مستوى البنى السياسية نفسها وبقي موجوداً في القوانين والتشريعات.
وتقول المدافعة الحقوقية إنَّ أي حملة مناهضة للعنف الرقمي يجب أن تظهر وتوضح أنه ليس إساءة فردية وإنما لديه امتداد للعنف الذكوري وهو وسيلة تستخدم بذكاء لإسقاط النساء في المجال العام وهذا انتهاك لحقوق الإنسان بالشكل العام وتقول: “ونحن جزء من حركة حقوق الإنسان وهذا يعد أيضاً انتهاك لحرية التعبير”.
تحالفات وشراكات:
وتنصح الباحثة في قضايا “الجندر” د.عائشة الكارب بضرورة بناء تحالفات وتعزيز شراكات قوية بين المنظمات النسوية والشبابية ومنصات الصحفيين والصحفيات والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والخبراء القانونيين والحقوقيين وخبراء في المجال التقني يستطيعوا مناهضة ومكافحة العنف الرقمي.
وتقول “الكارب” من الأهمية بمكان صناعة محتوى جذاب لتغيير السرديات الموجودة من الواقع والتوثيق لقصص واقعية، من خلال تسجيل مقاطع فيديو وتصميم بوسترات لشرح عنوان هذا العنف وكيفية حماية أرواحنا منه، وتسجيل مقاطع مع نساء وفتيات تعرضن لهذا النوع من العنف.
وتشدد الخبيرة النسوية على أهمية تغيير السردية مع مشاركة للنساء اللائي تعرضن لهذا النوع من العنف في هذه الحملات بموافقتهن مع أهمية توفير حماية لهن، وتوصي بضرور تقديم الدعم النفسي والصحي لهؤلاء النساء.
وتختم حديثها في هذا الصدد بأهمية إجراء عملية تقييم شاملة في كل مرحلة من مراحل الحملات المناهضة للعنف عامة والعنف الرقمي بشكل خاص، وذلك بقياس الأثر ومدى فاعلية هذه الحملات وتأثيرها على المجتمع إيجاباً كانت أو سلباً، ومعرفة ردود الأفعال المختلفة وإخضاعها للدراسة والتقييم من أجل ضمان نجاح حملات مناهضة للعنف والعنف الرقمي.
القانون وفقدان الحماية:
وحول مدى قدرة المؤسسات العدلية في توفير الحماية للنساء من العنف والعنف الرقمي، عبرت المدافعة عن حقوق المرأة والسلام د.عائشة الكارب عن أسفها، بداية، ثم أردفت قائل: إن مؤسسات إنفاذ القانون هي في الأصل لم تكن لديها القدرة على حماية النساء بشكل عام.
وتشير إلى أن الخطة القومية للقرار 13- 25 هي غير فعالة. وأصلا هي لم تنفذ وكانت معيبة، وعليه في ظل الحرب الآن وفي ظل الانتهاكات الكثيرة التي تحدث للنساء والفتيات..”نحن نعيش في ظروف غير آمنة على الإطلاق. والدلائل والبراهين كثيرة من تعرض النساء لجميع أشكال العنف المركبة”.

اكبر تمظهرات الحرب على النساء في السودان
من جهتها تقول رئيسة مبادرة لا لقهر النساء ومهندسة كمبيوتر ومدربة في الحماية الرقمية أميرة عثمان، ربما كثير من الناس يتساءلون عن ماذا يعني العنف الرقمي في ظل ظروف الحرب الدائرة الآن، في وقت تعيش فيه كثير من النساء في مناطق لاتتوفر فيها خدمة الكهرباء فكيف يتم عنف رقمي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تضيف في حديثها لـ”راديو دبنقا” بأن العنف الرقمي هو واحد من تمظهرات الحرب على النساء في السودان. لكنها ترى أن أكبر عنف ممكن يمارس على النساء هو العنف الاقتصادي والظروف الاقتصادية ألقت على النساء مسؤوليات كبيرة تجاه الأطفال ورعايتهم وتسديد حوجتهم من علاج وأكل وشراب وتعليم. وأيضا من حماية المصابين ورعاية كبار السن والنزوح واللجوء، تقول إنَّ كل هذه الأشياء تتقع على عاتق المرأة من أثر الحرب.
وتؤكد “عثمان” أن الحرب أفقرت النساء بشكل كبير، وكل المجتمع السوداني لكن الفقر يكون مضاعفاً على النساء. وتقول إنَّ الوضع الراهن أجبر الكثير منهن على الدخول في سوق عمل لكي تكتسب منه المال والذي يؤدي لنسبة كبيرة جدا أنها تشارك في أعمال تكون فيها هي عرضة لأنها يتم تعنيفها أو استغلالها.
وتقول إنَّ من ضمن الأعمال، المشاركة في الألعاب التي تكون عبر تطبيق “التيك توك” أو فكرة أنيكون لديها صفحة في “التيك توك” والتي تجلب مصدر دخل بهذه الألعاب. وتؤكد بأنها رأت ولديها متابعة جيدة لعدد كبير من الصفحات ومن العنف الذي يتم من النساء أنفسهن على أخريات.
وتضيف بقولها: كلما أظهرت أكبر عنف وأكثر قدرة على تحقير الآخر وإزدراؤه كلما زاد عدد المتابعين بالنسبة لها، وهذه الأشياء تجعلها عرضة للعنف وهي أشياء تجعلها تسير في اتجاهين تمارس العنف وتصبح ضحية في ذات الوقت والغرض الرئيسي من ذلك الربح أو الوضع الاقتصادي.
“الحرب مستعرة في الميديا”:
وتقول مدربة الحماية الرقمية أميرة عثمان: أن كل ذلك بخلاف الصفحات المأجورة لعدد من الأطراف والمليشيات المشاركة في الحرب، تدعم صفحات بعينها لكي تغرّز وجودها أو تضحد وجود الآخر بأي شكل كان، حتى ولو كان بالشكل المبتذل الذي نشاهده، وتضيف: “بأن هذه الحرب مثلما هي مستعرة في الأرض، مستعرة في الميديا ونحن يمكن أن نكون قد عايشنا هذه الأشياء”.
وتذكر قبل يومين شاهدت إحداهن تتحدث عن أنها لم يكن هنالك دافع أجبرها على المشاركة في المنافسات أو في التحديات عبر التيك توك إلا الحاجة الماسة للمال، وتقول إن هذه المرأة “تمرق وجهها في الدقيق أو ترش الماء على جسدها، المهم يطلب منك بنوع من السادية هؤلاء المشاركين في إنك تمارس طقوس واساليب حال لم تقم بها لن يرسلوا إليك نفقاتك المالية، وتبين أن هذا نتاج العنف الاقتصادي لإن النساء في النهاية يتم استغلالهن من أجل الحاجة المالية.
وتشير إلى أن الشكل الثاني من أشكال العنف الرقمي، عدم الأمان حتى وإن كان في العلاقات الخاصة، وتقول: نحن في مبادرة لالقهر النساء أطلقنا نداء بأن هنالك طالبة جامعية سيتم تزويجها زواج قهري في أم درمان، باجبارها من شقيقها وتهديدات خطيبهابن بنشر مقاطع صور تم أخذها أثناء مكالماتهما، لكنها لم تعر اهتمام لكونها صور عادية لايوجد فيها مايخدش الحياء.
وتعتقد رئيسة لا لقهر النساء أنه من الصعب على الحركة النسوية رفع العنف عن النساء، لذلك فهي تدعو لتعزيز القوانين وتفعيل وحدة حقوق المرأة والطفل في وزارة الداخلية بأن تكون لديها خط ساخن للاتصال والتدخل السريع حال تلقي البلاغ.
وترى أنه من المفترض أن تكون الضحية مصدقة وعلى الجاني أن يثبت العكس إن كانت الضحية تتبلى عليه، لأن الجاني لايترك أثر أو لايرتكب جريمته أمام شهود أثناء ارتكابه العنف. وتشير إلى أنه مع ضرورة سن القوانين يجب رفع الوعي وسط أفراد الشرطة وكل هذا مرهون بتحقيق سلام والواجب على الحركة النسوية أن تسعى لتحقيق السلام.


and then