محاولات “بورتسودان” لإحياء منبر جدة بصيغة منفصلة والضغط على الرباعية بأمن البحر الأحمر..!
رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الزائر للمملكة خلال لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، في قصر اليمامة بالرياض، : الاثنين 15 ديسمبر 2025 : المصدر : وكالة الأنباء السعودية (واس).
امستردام:18/ ديسمبر/2025م: راديو دبنقا
تقرير:سليمان سري
شهدت الأيام الماضية تحركات دبلوماسية لافتة عبر زيارات مكثفة لمسؤولين من الخط الملاحي الإيراني ومسؤول رفيع من المملكة العربية السعودية إلى بورتسودان، وزيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان إلى الرياض، وتزامنها مع زيارة مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية والعربية مسعد بولس إلى الرياض ولقائه البرهان.والتي سبقتها زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى الرياض أيضاً. واتصال هاتفي بين وزيري خارجية مصر والسعودية.
كل تلك التحركات التي نتجت عن مباحثات بين الأطراف تعكس حجم الأزمة الإقليمية وانعكاساتها على الوضع في السودان والعكس كذلك، وترتبط تلك المباحثات بملف الحرب والسلام في السودان والبحث عن مخرج لإقناع الأطراف للتوقيع على هدنة إنسانية وحماية المدنيين ومن ثم الانخراط في مفاوضات تعيد الحكم المدني الديمقراطي.
وبموازة ذلك تظل قضية أمن البحر الأحمر حاضرة في مباحثات الأطراف المختلفة خاصة في أعقاب زيارة الوفد الإيراني إلى بورتسودان، ومحاولات السودان بالتعامل مع أمن البحر الأحمر كورقة ضغط على دول الخليج والولايات المتحدة بعرض موانئ السودان لإيران وروسيا بحسب العلاقة مع تلك الدول.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي والباحث في شؤون الإفريقي خالد محمد طه: يشهد إقليم البحر الأحمر، في الأسابيع الأخيرة، حراكاً سياسياً ودبلوماسياً لافتاً، تتقاطع فيه ملفات الحرب والسلام، وأمن الممرات البحرية، وإعادة التموضع الإقليمي في ظل تصاعد الاستقطاب الدولي.
ويعتقد طه في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن هذا الحراك، الذي تزامنت فيه زيارات واتصالات رفيعة المستوى، يفتح الباب أمام “التساؤلات المشروعة” حول هل يُعاد رسم مشهد البحر الأحمر.. وهل بات الأمن أولوية تتقدم على الاقتصاد والاستثمار.. وأين يقف السودان، بحكومته المتمركزة في بورتسودان، من هذه المعادلة المعقدة.
تشابك التوقيت:
ويرى أن “تشابك التوقيت” ودلالات الرسائل تشير إلى أنه من الصعب عزل زيارة وفد إيراني إلى السودان، وما أُعلن عن بحثه من تعاون في ملف الموانئ، عن موجة التحركات في الاقليم التي تلتها مباشرة.
ويقول: فقد أعقبتها زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى الرياض، ثم زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى المملكة، في وقتٍ سبقت تلك الزيارات، مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية مصر والسعودية، وتزامن مع زيارة مسعد بولس (المبعوث الأمريكي/الدولي).
ويعتبر أن هذه الزيارات المكثَّفة في هذا التزامن لا يبدو محض “صدفة دبلوماسية”، بقدر ما يعكس حالة قلق إقليمي من أي اختلال محتمل في توازنات البحر الأحمر، خاصة مع دخول أطراف غير تقليدية أو مثيرة للحساسية في معادلة الموانئ والملاحة، وعلى رأسها إيران، وتابع قائلاً: “ويبدو ان منطقة البحر الأحمر تتحول من ساحة اقتصادية إلى أولوية أمنية”.
ويضيف بقوله: “لطالما كان البحر الأحمر فضاءً للتنافس الاقتصادي: موانئ، طاقة، معادن، وسلاسل إمداد، غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى تحوّل نسبي في ترتيب الأولويات، حيث يتقدم هاجس الأمن البحري على أجندة الاستثمار والتنمية”.

السعودية الفاعل الأثقل:
السعودية، بوصفها الفاعل الأثقل على الضفة الغربية للبحر الأحمر، كما يشير خالد طه، إلى أنها تنظر إلى أي تغيير في موازين النفوذ على الضفة الإفريقية – خصوصاً في السودان وإريتريا – باعتباره مسألة أمن قومي مباشر.
ويقول: ومن هنا، يمكن قراءة زيارة أفورقي إلى الرياض، والتواصل المكثف مع القاهرة، في إطار تنسيق أمني – سياسي يهدف إلى ضبط إيقاع البحر الأحمر ومنع انزلاقه إلى ساحة صراع مفتوح بالوكالة.
ويرى أن السودان لايسعى الى مجرد شراكة أمنية بل يطمح أيضاً الى شرعنة سياسية،
وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: هل يصب هذا الحراك في مصلحة حكومة بورتسودان.. فمن زاوية واقعية، تسعى السلطة السودانية القائمة إلى تحسين موقعها التفاوضي والإقليمي عبر تقديم نفسها شريكاً ضرورياً في أمن البحر الأحمر، لا سيما في ظل هشاشة الوضع الداخلي واستمرار الحرب.
ويقول طه إنَّ تقديم “الأمن” كورقة اعتماد قد يكون، في هذه المرحلة، أكثر إغراءً للشركاء الإقليميين من وعود الاستثمار المؤجلة في الطاقة والمعادن، غير أن هذا الرهان، وفقاً لطه، يظل محفوفاً بالمخاطر، إذ إن تحويل السودان إلى مجرد حلقة أمنية في معادلة البحر الأحمر، دون أفق سياسي واضح لإنهاء الحرب، قد يعمّق الأزمة بدلاً من حلها.
إعادة إحياء منبر جدة:
وبالانتقال إلى احتمال إعادة إحياء منبر جدة بصورته السابقة أم إدماجه في إطار الآلية الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، يقول الباحث في شؤون القرن الإفريقي خالد طه: تطرح كثافة الاتصالات والزيارات سؤالاً آخر حول مصير منبر جدة؛ هل يشهد محاولة لإعادة إحيائه بصيغة منفصلة تقودها الرياض، أم إدماجه ضمن إطار أوسع كـ”الرباعية” أو ترتيبات إقليمية جديدة.
يرى أن المؤشرات توحي بأن هناك سعياً سعودياً – مصرياً لإعادة الإمساك بملف السودان، ولكن هذه المرة من زاوية أكثر شمولاً، تربط بين وقف الحرب، وأمن البحر الأحمر، وضبط التدخلات الإقليمية. لكن نجاح هذا المسار يظل مرهوناً بمدى استعداد الأطراف السودانية للانخراط الجاد، لا الاكتفاء بتكتيكات كسب الوقت.
ويشير إلى أنه في المدى القريب، يُتوقع استمرار الحراك الدبلوماسي بوتيرة عالية، مع تركيز على تعزيز التنسيق الأمني في البحر الأحمر، واحتواء أي تمدد إقليمي يُنظر إليه كمهدد للتوازن القائم، والضغط – ولو بصورة غير معلنة باتجاه مسار سياسي في السودان، دون ضمانات حقيقية حتى الآن.
أما في المدى الأبعد، بحسب طه، فإن السؤال الأهم سيبقى مفتوحاً؛ هل يُوظَّف أمن البحر الأحمر كرافعة لإنهاء الحرب وبناء استقرار مستدام، أم يتحول إلى غطاء لإدارة الأزمة السودانية لا حلها.
ويقول في كل الأحوال، ما يجري يؤكد أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر مائي، بل أصبح مرآة لصراع الإرادات في الإقليم، وأن السودان، بحكم الجغرافيا والظرف، يقف في قلب هذا المشهد المتحوّل.

الزيارات تصب في “الرباعية”:
من جانبه يرى مدير مشروع الفكر الديمقراطي ورئيس تحرير مجلة الحداثة د. شمس الدين ضو البيت إنَّ اللافت للنظر الحراك المكثف الأخير بتبادل وتعدد الزيارت في الفترة الأخيرة إلى بورت سودان ومنها إلى مناطق أخرى.
ويقول ضو البيت في حديثه لـ”راديو دبنقا”: اعتبر أنه كان لافتاً أن هذه الزيارات جاءت متزامنة ومتقاربة من بعضها. ويضيف بقوله:”أنا في تقديري أن كل هذه الحركة والزيارات المتبادلة تأتي في إطار الرباعية”.
ويشير ضو البيت إلى أن ولي العهد السعودي عندما تقدم بطلبه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل التدخل في الشأن السوداني، وموافقة ترامب علناً أمام العالم والترحاب الكبير الذي لقيته تلبية ترامب لدعوة ولي العهد، هذه كانت بالتأكيد أنه لا بد أن تأتي بعدها تحركات وإجراءات وبداية لعمل لا بد أن يتم في هذا الملف.
ويقول: بالتأكيد أن المدخل لهذا الأمر يعني تدخل الولايات المتحدة في الشأن السوداني وفي مسألة الحرب الدائرة في السودان من أجل إيقافها وأن هذا التدخل سيكون من خلال ملف الأطراف المشاركة في الآلية الرباعية.
ويرى الكاتب والمحلل ضو البيت أن هذا التدخل لن يكون مباشراً من البيت الأبيض أو من الرئيس الأمريكي مع الأطراف السودانية المشاركة في الحرب، ومحاولة التفاهم معها لإيقافها.
ويقول: بالنظر في شروط “مبادرة ترامب” ورؤاها وتصوراتها لن تكون بهذه الطريقة وإنما سيكون من خلال مصالح وتواصل مع دول الرباعية ومن خلال التوافقات مع الآخرين وهم المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الأمارات.
تنفيذ
ويعتقد الباحث ومدير مشروع الفكر الديمقراطي د. شمس الدين ضو البيت، أن قبول الرئيس الأمريكي لطلب ولي العهد السعودي بالتدخل لحل الأزمة السودانية وإنهاء الحرب، كان لابد أن يبدأ هو بنفسه الخطوات الأولى فيما طلبه من الرئيس الأمريكي.
ويقول ضوالبيت: وأنا أرى أنه حتى زيارة الرئيس أفورقي إلى بورد سودان وبعدها زيارة البرهان إلى المملكة العربية السعودية. في تقديري أن المملكة العربية وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد بدأوا تحركات عملية من أجل تنفيذ مقررات الرباعية الخامسة هذه خطوات في هذا الاتجاه.
ويضيف: ما نقل عن تواجد المبعوث الأمريكي مسعد بولاس في الرياض في نفس وقت زيارة البرهان، ينبئ بأن هذه التحركات كلها هي في إطار المبادرة الرباعية لإيقاف الحرب في السودان.
ولذلك فأنا أعتقد، كما يقول ضو البيت: أن هذه الزيارة إنما جاءت لمناقشة تفاصيل المبادرة وبالتأكيد من زاوية اهتمامات ومن زاوية مصالح دول الرباعية، حلفاء الولايات المتحدة الموجودين في المنطقة ومن هنا تدخل مسألة البحر الأحمر.
ويرى أن زيارة الإيرانيين لم تكن أكثر من محاولة سلطات بورتسودان في أنها تتحسب بمحاولات ضغط أوالإيحاء بأنها قد تتوجه إلى هنا أو هناك، في حالة ممارسة الضغوط عليها من دول الآلية الرباعية لا تخرج أكثر من ذلك.
ويعتقد بأن كل المباحثات في المملكة العربية تتعلق بملف الرباعية الآن، لكن في غياب الأجندة السودانية، وممثلين للمصالح السودانية الحقيقية في التحول الديمقراطي، في الوحدة الوطنية السودانية هذه العناصر الداعمة لهذا التوجه من منطلق السودان غائبة، بوصفها هذه هي الجهات المدنية.
ويقول: إنَّ هذه الكيانات السودانية على مختلف تباينها وهي لم تتوحد حتى الآن على رؤية واحدة في منصة واحدة لكي تكون حاضرة في العملية السياسية الداعمة من منطلق داعم للأجندة السودانية، فما يحدث الآن، كما يضيف ضو البيت، أن هذه الزيارات المتعددة والاتصالات المتكررة على المستوى الإقليمي هي الخطوات العملية في إنفاذ المبادرة الرباعية.



and then