نساء ناجيات من الجحيم .. رحلة طويلة وشوارع خطرة من الفاشر حتي كوستي !
صور لأطفال نزحوا مع ذويهم من مدينة الفاشر ومدن أخرى بولايات كردفان من بينهم ذوي احتياجات خاصة ـــ معسكر على محمد نور بقوز السلام جنوب كوستي بولاية النيل الأبيض ـ مصدر الصورة : راديو دبنقا
النيل الأبيض : 19 نوفمبر 2025:راديو دبنقا
تتفاقم المعاناة الإنسانية بالسودان جراء استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع منذ أبريل 2023 لمقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص ومع دوران المعارك بعد الفاشر واشتعالها بضراوة في شمال وغرب وجنوب كردفان يتواصل فرار المدنيين بعشرات الالاف من الفاشر الى طويلة وحتي الدبة ومن شمال كردفان التي تدور فيها الاشتباكات اليوم الى ولايات النيل الأبيض والعاصمة الخرطوم وسط ازمة غداء وجوع وسوء تغذية وفقدان تمام للرعاية الصحية بكل انحاء البلاد التي اصبح نصف سكانها اليوم في حوجة ماسة للطعام وخطر الموت بالمجاعة .ومن بين الفارين أطفال دون اسرهم وجدوا انفسهم لوحدهم مصحوبين برفقة الجماعة الى مصير مجهول في واحدة من اسوء أزمات النزوح التي يشهدها العالم اليوم .
وأجبرت سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد حصار استمر لعام ونصف، السكان على الفرار في اتجاهات متعددة بولايات السودان وآخرين فروا إلى خارج البلاد حيث وصل طويلة حوالي 100 الف شخص بينما وصل عشرات الالاف الى الدبة بالشمالية والعاصمة الخرطوم وولاية النيل الأبيض والولايات الأخرى في شرق السودان والنيل الأزرق

من الفاشر الى مخيم القوز جنوب كوستي
وتقول المواطنة خديجة لـ”راديو دبنقا” وهي في حالة إنهاك وإجهاد جراء ما عاشته وشهدته من ويلات الحرب في دارفور ، لتنجو بأطفالها الستة من موت محقق على رأس كل ساعة أو كل ثانية.
حملت “خديجة” إسم مستعار، أبنائها الستة واتجهت صوب ولاية النيل الأبيض عبر عدة مدن وولايات، وهي لا تعلم عن زوجها أي معلومة أو خبر أو من يدلها عليه مع حالة الفوضى والفرار من ويلات الحرب والبحث عن الأمن وطوق نجاة.
لكن ما حدث لها كان أشبه بالكابوس حيث فقدت أربعة من أطفالها الستة الذين خرجت بهم من الفاشر أثناء رحلتها الشاقة في الطريق إلى ولاية النيل الأبيض. ولاتعلم مصيرهم مثل مصير والدهم ما جعلها في حالة من الإحباط والحزن والآسى.
وصلت خديجة لتنضم لمجموعة كبيرة من الأسر النازحة من ولايات دارفور وكردفان لكن في خيمة صغيرة داخل معسكر على محمد نور بقوز السلام جنوب كوستي في ولاية النيل الأبيض.
من دارفور لجبل الدائر
وتشكو خديجة في استياء شديد من الظروف القاسية التي تواجهها الأسر النازحة، مشيرة إلى أن أكثر من ثلاثين أسرة تتكدّس في خيمة واحدة غير مهيأة للسكن والإعاشة مع قدوم طقس الشتاء القارص، هذا مع النقص الحاد في الغذاء والدواء والكساء.
وأكدت لراديو دبنقا أن النازحين القادمين من الفاشر يواجهون صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية، مشيرة إلى أن الوضع في جبل الدائر “لا يُحتمل” وأن المرافق الصحية تعاني من نقص حاد في الأدوية والكوادر. بينما يضطر الجميع إلى الوقوف ساعات في صفوف طويلة أمام المستشفى دون أن يحصلوا على أي علاج.

سلسلة من الرحلات:
أما المواطنة شريفة آدم كانت قد سلكت طريقاً للنجاة من ويلات الحرب أخذها عبر سلسلة من الرحلات القسرية داخل وخارج السودان، لم تخلو من المشقة والمعاناة المركبة، أبرزها المخاطر الأمنية مع ظروف الحياة القاسية وضيق ذات اليد في تدبير نفقات الإعاشة وعبء السفر والترحال من مكان إلى آخر.
خرجت شريفة من مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، كما تروي قصتها لـ”راديو دبنقا” تحت ضغط الظروف الأمنية والعمليات الحربية التي شملت كل نواحي درافور، وانتقلت إلى مدينة الضعين بشرق دارفور.
قبل أن تلتقط أنفاسها وتستقر غادرت إلى خارج السودان حيث وصلت مدينة واو بولاية غرب بحر الغزال بدولة جنوب السودان، وأخذت تتنقل بين مدنها فالوضع هناك في جنوب السودان ليس بأفضل حالاً شماله جمهورية السودان.
من نيالا الى اويل وبالعكس وحتي جنوب كوستي
توجهت شريفة خلال رحلتها الطويلة والشاقة إلى محافظة أويل بشمال بحر الغزال والتي مكثت فيها فترة قصيرة، رحلت إلى مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان لكنها لم تتمكن من الاستقرار بسبب أحداث شهدتها المدينة لتحزم حقائقبها وتلتقط أشيائها وتعود إلى السودان.
عادت شريفة إلى السودان ولكن لم تعد لدارها إذ أن الحرب التي تسببت في فرارها مع آخرين لازالت مستمرة بينما الظروف والتحديات الأمنية لازالت تقف عائقاً أمام حركة المسافرين على طول الطرق المؤدية إلى دارفور.
استقر بها الحال بمعسكر على محمد نور بقوز السلام جنوب كوستي في ولاية النيل الأبيض، وقد وجدت أقاربها الذين وفدوا من ولايتي سنار والخرطوم وهم حوالي 20 أسرة داخل المعسكر يعيشون جميعا في مساحة ضيقة لكنها تتسع بجبر الخواطر وطيب المعشر، وعلهم يخففون عنها وطأة الحياة وقسوتها.
برغم هذه المآسي والمعاناة التي واجهتها شريفة آدم إلا أن قوة إيمانها وعزيمتها في مكابدة ظروف الحياة القاسية، في أن تتمكن من مسايرة حياتها وقد أوشك موسم الشتاء على القدوم والحاجة الماسة لأغطية للتدفئة من برودة الطقس.

قتل زوجها وابنها في الفاشر
بينما تقول نائلة آدم إدريس عباس في حديثها لـ”راديو دبنقا” إنها كانت تعيش حياتها البسيطة في حي الجامعة درجة أولى بمدينة الفاشر، توفرت لها كل سبل الراحة والعيش الكريم لم يكن ينقصها شيء، قبل أن تقلب الحرب كل تفاصيل حياتها رأساً على عقب، وتتبدل تلك الرفاهية إلى بؤس وعوز وتضرها ظروف الحرب إلى الفرار من مدينتها التي عاشت وترعرعت فيها ليستقر بها المقام في معسكر بالنيل الأبيض الذي يكتظ بالنازحين من دارفور وكردفان.
بدأت مآساة نايلة بمقتل زوجها ويدعى جمال بابكر حسب الله ونجلها أيضا الذي لقي حتفه أثناء الحرب، كما توفيت ابنتها الوحيدة لكن تركت لها طفل رضيع كان عمره عشرة أيام في تلك الفترة، هذا الطفل بلغ اليوم سبع أشهر.
نائلة، تغالب الحزن والمعاناة التي تعيشها لتتحدث بثقة، فما عاشته من مأساة بفقدان زوجها وابنها وبنتها، في آن واحد وتضطر لترك ديارها بسبب الحرب التي امتدت لك الأحياء والمدن والمعسكرات وتدخل في رحلة سفر طويلة من دارفور إلى ولاية النيل الأبيض، تحمل بين ذراعيها حفيدها الذي يذكرها بكل شئ.
اليوم تعيش نائلة في معسكر على محمد نور بقوز السلام جنوب كوستي، في مظلة بلدية “راكوبة” هشة، سقفها لايقيها حرارة الشمس ولا يمنع عنها المطر كما لا يحميها من برودة الطقس مع بداية موسم الشتاء هذه الأيام.
لقد صارت نائلة أماً، للمرة الثانية مع حفيدها الذي أصبح بالنسبة لها كل شئ في الدنيا، فهي تحاول بكل ما تبقى لها من قوة أن تصبح كل شئ في حياته أمّه وجدته وسنده الوحيد في وجه حياة قاسية لا ترحم. ومعاناة لا تنتهي بداية بصعوبة توفير الغذاء مع ظروفها المعيشية الصعبة، وتوفير حليب بديل لـ”لبن الأم” بجانب الدواء والكساء.

من الفاشر الى كوستي رحلة خطرة
إمرأة أخرى من سكان الفاشر اللائي نزحن في ظروف قاسية إلى ولاية النيل الأبيض حيث تعيش في معسكر على محمد نور بقوز السلام جنوب كوستي، حياتها بسيطة ومستقرة إلى حدٍ ما.
تقول في حديثها لـ”راديو دبنقا” إنها خرجت من إحدى أحياء مدينة الفاشر مع هدير الرصاص وأصوات القنابلة الخفيفة والثقيلة والقصف بالطائرات والمسيرات، بحثاً عن مآوى آمن، ولم تكن رحلة الوصول إلى كوستي سهلة، بل كانت مليئة بالمشقة والمعاناة، مع ارتفاع نفقات السفر والانتقال والظروف المعيشية القاسية.
وإذا كانت هذه السيدة قد ذاقت مرارة الحياة وكأبتها بفقدها لأهلها وعشيرتها ودارها، فإن القدر قد ابتسم لها مرة أخرى، بتعويضها بحفيدين توأم وضعتهما إبنتها، لازالت تتلقى العلاج بالمستشفى، وهي التي رافقتها خلال رحلة الفرار من الفاشر إلى كوستي.
وتقول هذه السيدة أنها بخير واليوم، تقيم هي و إبنتها ومعها ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين شخصًا في خيمة واحدة صغيرة قد لاتتسع لخمسة أشخاص لكنها أصبحت ملجأً لأسر بالكامل، غير إنهن جميعاً يشكين من نقص في الغذاء والدواء والكساء.



and then