حملة (الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة) لا تكفي النساء في السودان
نساء نازحات فررن من الفاشر الى طويلة بشمال دارفور
منتدى الإعلام السوداني
الخرطوم، 19 نوفمبر 2025، (مركز الألق للخدمات الصحفية)- مع انطلاق حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي تنطلق من تاريخ 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر من كل عام، يسلّط العالم الضوء على العنف ضد النساء والفتيات، وتشارك فيها منظمات دولية ومحلية للتوعية بمخاطر العنف والتمييز الجندري. ويحمل شعار هذا العام 2025 “اتحدوا لإنهاء العنف الرقمي ضد النساء والفتيات”.
بموازاة ذلك، يكشف الواقع السوداني عن مأساة تفوق حدود الشعار المطروح لهذا العام بكثير، بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع وتعثر كل الجهود لإنهاء معاناة أكثر من 40 مليون مواطن سوداني، 50% منهم نساء والغالبية من الشباب والشابات.
في الواقع، لم تكن الحرب بين الجيش والدعم السريع، بل كانت حرباً ضد المواطنين الذين طالهم القتل والنهب والتعذيب وكافة أشكال الانتهاكات التي لم يشهد لها العالم مثيلا خلال العصر الحديث. وبما أن النساء عانين من هول الحرب، ما بين نازحات ولاجئات، وفقدان الأبناء والأزواج يأتي شعار هذا العام، رغم أهميته، مترفاً لأوضاعهن الأكثر قسوة وإذلالا.
السودان.. حرب على أجساد النساء وتجاهل
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، والتي تدخل عامها الثالث، سجّلت المنظمات الدولية والأمم المتحدة وقوع انتهاكات واسعة اعتُبرت “حرباً على أجساد النساء”. آلاف لا يمكن حصرها من النساء تعرّضن للاغتصاب، الاختطاف، الإخفاء القسري، والزواج القسري، بينما اضطرّت أخريات للنزوح واللجوء تحت نيران الاقتتال.
ورغم فداحة هذه الجرائم، تقول ناشطات إنّ النساء السودانيات لم يجدن الاهتمام الكافي، بل تعرضن للتجاهل الدولي، ما عزّز إفلات الجناة من العقاب واستمرار الانتهاكات.
في الفاشر.. الفظائع تتكشّف
بعد حصار استمر 18 شهراً، سقطت مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع، في 26 أكتوبر 2025، لتبدأ معها مرحلة جديدة من الجرائم. حذّر مراقبون منذ شهور من أن سقوط المدينة سيكون مقدمة لجرائم “إبادة جماعية محتملة” دون تحرك، وهو ما أكدته الخبيرة في الشأن السوداني مارينا بيتر بقولها: “الحرب في السودان لم تُنسَ.. بل تم تجاهلها.”
من جانبه، أكد توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، خلال زيارته لكورما وطويلة أنه استمع إلى “قصص رعب”، مشيراً إلى استخدام النساء كأداة حرب، وتعرضهن لأشكال عنف جنسي مروعة. وأضاف أن الوضع في الفاشر غير واضح، و”أن العالم لم يقدم المساعدات الكافية”.
أرقام صادمة واغتصاب ممنهج خلال أيام
أعلنت شبكة أطباء السودان توثيق 32 حالة اغتصاب مؤكدة خلال أسبوع واحد لفتيات وصلن إلى منطقة طويلة، بعضها وقع داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع، وأخرى أثناء فرارهن. وأكدت الشبكة أن ما يحدث يعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالبةً بتحقيق دولي عاجل وحماية الناجيات.
شهدت مدينة الفاشر نزوحاً جماعياً واسعاً، حيث فر خلال أيام أكثر من 65 مواطناً إلى منطقة طويلة بينما فر آلاف آخرون من شمال دارفور وكردفان نحو محلية الدبة بالولاية الشمالية ومناطق أخرى. وحسب التقارير الأممية هناك مليون طفل يواجهون انعداماً حاداً في الغذاء، فيما تعاني النساء الحوامل من غياب الرعاية الصحية الأولية حيث ترتفع معدلات وفيات الأمهات والأطفال. وبشكل عام، وصفت أوضاع النساء في الفاشر والولايات المجاورة بأنهن يعشن في خيام ممزقة، بلا غذاء أو دواء، ويخضعن لمضايقات أثناء محاولتهن الحصول على المساعدات الإنسانية.

“وباء العنف الجنسي” وشهادات من الحدود
منظمة العفو الدولية وثّقت تعرض عشرات النساء والفتيات— بعضهن بعمر 12 عاماً— لعنف جنسي من أطراف النزاع، بل واحتُجزت بعضهن أياماً في ظروف ترقى إلى “الاستعباد الجنسي”. كما حذّرت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة من ارتفاع معدل الانتهاكات مقارنة بالأعداد التي يتم الإبلاغ عنها، مشيرةً إلى اتساع رقعة الاستهداف على أساس عرقي وجندري.
خلال زيارة للمسؤولة الأممية براميلا باتن لمعسكرات اللاجئين في تشاد، وصفت ما يحدث بـأنه “حرب على أجساد النساء والفتيات”. روايات الناجيات تضمنت اغتصاب جماعي واغتصاب أمام أفراد الأسرة واتجار بالفتيات واختطاف للحصول على فدية واستهداف ناشطات ومقدمات خدمات إنسانية.
خبراء الأمم المتحدة أكدوا تسجيل اختفاء قسرى وحالات سخرة واستغلال جنسى واستهداف عرقى وإثني لأطراف الحرب بعضهم بعضا.
جرائم بلا عقاب
ما يجعل أمر الانتهاكات الجنسية مستفحلاً، هو الإفلات من العقاب، فمنذ العام 2003 ظل العنف الجنسي جزءا من أسلحة الحرب في دافور. ولكن لم تبذل أي جهود للقبض على الجناة ولم يتم تحويل حتى من تم اتهامه إلى المحاكم، الأمر الذى زاد من حدة العنف خلال هذه الحرب. ويرى خبراء أنّ غياب المحاسبة يشجع على استمرار العنف، مؤكدين ضرورة إدراج ملفات العنف الجنسي ضمن مفاوضات أي تسوية سياسية. فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن تجاوزها في أي تسوية. كما يؤكدون ضرورة إشراك النساء في عمليات السلام، ليس فقط لأنهن أكثر الفئات تضرراً، بل لما يمكن أن يقدمنه من رؤية حساسة وقادرة على بناء سلام عادل.
يثبت واقع النساء السودانيات اليوم أن حملة واحدة للعنف ضد المرأة لا تكفي ثلاثة أعوام موحشة للنظر في أوضاع نساء بين النزوح وانعدام الرعاية الصحية وتكرار الاغتصاب والعنف الجنسى. تبدو معاناة النساء منسية في أذن عالم اختار أن يغض الطرف.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) على شرف حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع، التي رغم أهمية شعارها، تبدو قاصرة أمام واقع النساء في السودان اللواتي يواجهن حرباً شرسة استُخدمت فيها أجسادهن كساحة لانتهاكات تفاقمت مع غياب المحاسبة وإفلات الجناة من العقاب، مع نزوح واسع وتجاهل دولي يفاقم معاناة النساء والفتيات، فيما تستحق النساء السودانيات تضامناً دولياً حقيقياً.




and then