ازالة مساكن (ارشيف)

منتدى الإعلام السوداني

تقرير : مآب الميرغني

الخرطوم، 17 نوفمبر2025، (جبراكة نيوز)- شهدت ولاية الخرطوم مؤخرًا حملة واسعة لإزالة السكن غير المخطط، ما يطلق عليه تأففا “العشوائي”، في مناطق مانديلا، السريحة، الفيتاب، والعزبة والخيرات وغيرها، وسط جدل بين السكان المتضررين والسلطات المحلية وآراء حقوقية حول مدى قانونية وعدالة الإجراءات. استنطقت “جُبراكة نيوز” عددًا من المواطنين المتضررين تعرضوا للإزالة، فخرجت بما يعكس المعاناة الإنسانية المباشرة لفقدان المنازل ومصادر الزرق، والغموض الذي يحيط بمصيرهم بعد فقدان السكن.

معاناة

يقول محمد الطيب، “اسم مستعار حفاظًا على سلامته”، إن حياته انقلبت رأسًا على عقب منذ صباح 19 أكتوبر 2025، وهو اليوم الذي فقدت فيه أسرته منزلها في حي مانديلا بمنطقة مايو جنوبي الحزام، الذي عاشوا فيه منذ عام 1997.

يروي لـ”جُبراكة نيوز” أن الإشعارات والتحذيرات بدأت بعلامات تحذير تمهلهم 72 ساعة فقط لمغادرة المكان الذي شكل لهم ذاكرة وحياة كاملة؛ وبعد انتهاء المهلة، وصلت قوات من (المشتركة) والأمن والشرطة والجيش، وحولوا الحي، كما يصف، إلى ساحة قلق وخوف، لم تهدم المنازل فحسب، بل تعرض السكان إلى السباب والاتهامات المؤلمة بأنهم داعمون لقوات الدعم السريع إبان وجودها في الخرطوم وهي تحارب الجيش، رغم أن أغلبهم نازحون منذ سنوات من أقاليم دارفور وجبال النوبة.

يقول محمد إن الإزالة خلفت وراءها شعورًا بالعجز، إذ أصبح حالهم حال كثير من المتضررين ليس لديهم بديل للمأوى، بعض الأسر تفرقت بين بيوت الأقارب وأخرى استأجرت، بينما بقي كثيرون بلا خيار، ينامون في العراء وسط حي تحول إلى صحراء فارغة.

ويضيف: الحكومة الحالية لم تقدم لنا أى دعم أو بديل للسكن، وتعاملت معنا كأنها تنتقم من أولئك الذين ظلوا يعانون من الحروب حتى الآن، ويجب التخلص منهم”، على حد قوله.

بعد الهدم، لم يجد محمد وأسرته الكبيرة المكونة من 26 فردًا، مكانًا آخر، فبقوا في الحي نفسه وأنشأوا رواكيب مكان البيت الذي كبروا فيه، يتذكر طفولته في مانديلا وكيف وصلت أسرته إليها عام 1997 بعد أن نزح والده من مدينة الجنينة متنقلًا بين الولايات بحثًا عن الأمان، واليوم يرى أن ما جرى ليس مجرد إزالة لبيت، بل فصل إضافي من التهجير الذي يلاحقهم منذ عقود.

كان حي مانديلا يحتضن أكثر من 1.600 أسرة؛ لم يبق منهم الآن سوى أقل من 500، أما البقية فتشتتوا في الخرطوم وفي أطراف البلاد، يحملون معهم ذكريات لبيوت لم تعد موجودة.

كان لها أثر إيجابي.. ولكن

وفي الشهر نفسه، يحكي متضرر من حملة إزالة السكن في منطقة السريحة مربع 5 إنهم تلقوا أيضًا إخطارًا بالإزالة مع مهلة لا تتجاوز 72 ساعة، قبل أن تنفذ السلطات المحلية القرار عبر الهدم الكامل للمنازل دون أى ترتيبات انتقال، ودون أي بدائل أو دعم.

ويؤكد في حديثه لـ”جُبراكة نيوز” أن معظم السكان لم يكن أمامهم خيار سوى الاعتماد على الإيجار رغم ضيق الحال، لأن الظروف الحالية لا تسمح بالتنقل المستمر أو تحمل أعباء مالية إضافية، كما لا توجد أي خدمات أساسية أو تأمين صحي يساعدهم على مواجهة الوضع.

ويقول إنه بعد الإزالة انتقل مؤقتًا إلى منطقة الجريف، محاولًا البحث عن استقرار جديد في ظل غياب الدعم الرسمي، ويرى أن ما حدث كان يمكن أن يكون خطوة إيجابية لو صاحبته عملية منح أراض سكنية بديلة وحلول، لكن الواقع جاء خاليًا من أي شيء إيجابي، تاركًا مصيرًا مجهولًا للمتضررين.

نازحة ومتضررة

تقول المتحدثة، المقيمة حاليًا في إحدى معسكرات الإيواء بمدينة كوستي، التي نزحت بسبب حرب أبريل بين الجيش والدعم السريع، لـ”جُبراكة نيوز” إن حياتها تغيّرت بالكامل بعد أن فقدت منزلها العشوائي في منطقة الفتيحاب إثر حريق بسبب وقوع دانة قضى على كل ما كانت تملكه.

 البيت الذي كانت قد بنته بجوار أحد المساجد احترق بالكامل، وسقط عليها أثناء الحريق، وفقدت معه مصدر رزقها الوحيد. سرقت “ركشة” كانت مُعتمدة عليها في إعالة أبنائها.

وتشير إلى أنها كانت تفكر في العودة إلى الخرطوم، لكن ذلك أصبح مستحيلًا بعد أن قررت السلطات منع حلول السكن التي اعتبرت على الدوام مساكن عشوائية، إضافة إلى أن المكان الذي كانت تعتمد عليه قد دُمر تمامًا ولم يعد لها فيه أي شيء بعد حملة إزالة المساكن من قبل السلطات في الخرطوم.

وتضيف بحسرة إن صور الحريق وحدها كانت كفيلة بأن تصدمها “صدمة شديدة”، لكنها رغم ذلك تحاول التماسك من أجل أولادها.

وتتابع قائلة إنها الآن لا تطلب سوى سكن بسيط تستطيع أن تعيش فيه وتحافظ على أبنائها، معتبرة أن ما مرت به ليس معاناتها وحدها بل مأساة يشترك فيها كثيرون ممن فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم.

مواقف رسمية وسياسي:

المؤتمر السوداني بولاية الخرطوم أدان عملية الإزالة القسرية التي تمت لمساكن المواطنين بحي “مانديلا” ووصفها بأنها جريمة ضد الإنسانية، محملًا السلطات المحلية وشرطة الولاية المسؤولية، ومطالبًا بفتح تحقيق عاجل وتعويض المتضررين وضمان عدم تكرار هذه الممارسات.

وأكد الحزب أن المعالجة يجب أن تتم عبر حلول تحفظ كرامة الإنسان وتراعي ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، لا عبر سياسيات الإزالة القسرية التي تفاقم معاناة الفقراء.

في المقابل، وطبقا لوكالة (سونا) للأنباء، أعلن جهاز حماية الأراضي وإزالة المخلفات بولاية الخرطوم، عن انتهاء المرحلة الأولى للإزالة بمحلية جبل أولياء التي شملت مناطق مانديلا وغبوش وقلب الأسد بمايو.

وأوضح مدير جاهز حماية الأراضي عبدالعزيز عبدالله أن الهدف هو التوسيع العمراني والتخطيط السليم وتوفير الخدمات وأن العملية تمت بصورة سليمة ودون إصابات بين المواطنين، نتيجة خبرة الموظفين والكفاءة العالية للقوات الأمنية المشاركة. وان المرحلة القادمة ستشمل مربعات الوحدة بمايو ومربعات المدينة الخيرية.

تحدٍ وتناقض

تظهر الأزمة تناقضًا واضحًا بين تجربة السكان التي تعبر عن فقدان المأوى والمعاناة في ظل غياب الدعم والبديل، لا سيما مع التصريحات الرسمية التي تصف العملية بأنها منظمة وسليمة وتهدف إلى تحسين التخطيط العمراني وضمان وصول الخدمات، وما بين المواقف الساسية والمعارضة التي تراها انتهاكًا صارخًا للعدالة الاجتماعية وانتهاكًا لحقوق الإنسان.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز). تعكس المادة معاناة حقيقية لمواطنين مستضعفين تفاقمت مأساتهم ولم تقف على مأساة الحرب فقط، إذ فقدوا بيوتهم لأن السلطات الحكومية في تعتبرها (مساكن عشوائية). أيضا تعيد المادة الجدل الحقوقي حول أحقية المواطن في الحصول على سكن وواجب الحكومة في أن تبارك حلوله متى ما كانت عاجزة عن إيجاد الحلول.

Welcome

Install
×